انتقال مجلس التعاون للاستراتيجيات الكبرى - علي محمد فخرو - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 7:51 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

انتقال مجلس التعاون للاستراتيجيات الكبرى

نشر فى : الخميس 22 مايو 2014 - 5:05 ص | آخر تحديث : الخميس 22 مايو 2014 - 5:05 ص

تكثر الكتابات والأحاديث حول المخاطر التى يواجهها مجلس التعاون الخليجى وحول الإشكالات الإقليمية والعربية التى يجد المجلس نفسه منغمساً فى آتونها وتعقيداتها ومسئولياتها. وفى المدة الأخيرة كثر اللغط حول التجاذبات فى داخل المجلس بصور حادًّة وخطرة.

إذن فالمجلس أمام تحديات ثقيلة فى الحاضر والمستقبل القريب تستوجب المراجعة الموضوعية لمسيرة المجلس من جهة وتستوجب النَّظر فى أفكار وخطوات قد تساهم فى جعل المجلس أكثر قابلية وقوة لمواجهة الأخطار والتحديات.

•••

فى اعتقادى أن النقاط التالية تستحق النظر فيها بشجاعة وصدق، إذ إن بعضها نقاط مفصليًّة.

أولاً: لا يشعر الإنسان بأن متًّخذى ومنفّذى قرارات المجلس يعطون أهميًّة لعامل الوقت. لقد ترسَّخت منذ قيام المجلس مقولة تنادى بأن تكون مسيرة المجلس نحو أهدافه حذرة، ومن ثمَ بطيئة، حتى لا تفشل تجربة المجلس مثلما فشلت غيرها من التجارب العربية الأخرى.

هذا المنطق يمكن التعايش معه لوكان عامل الوقت ملكنا نتحكَّم فى سرعته أو فى بطئه دون أن ندفع ثمناً باهظاً لقرارات التعامل معه. لكنه مرتبط بما يفعل به الغير من جهة وبالظروف المحيطة بنا من جهة أخرى.

فإذا كان أعداء الأمة العربية، وبالتالى أعداء شعوب المجلس، يتحركون بصورة مذهلة نحو تمزيق وتفتيت وطننا الكبير فهل يجوز أن يسير المجلس نحو هدفه الرئيسى الذى نصًّ عليه نظامه الأساسى، وهو وحدة دول المجلس، أن يسير نحوه بالبطىء الشديد الحذر الذى سار عليه المجلس طيلة الثلاثين سنة الماضية؟ ألا يرى المجلس أن ما يحيط به من أخطار من قبل قوى إقليمية، وعلى الأخص العدو الصهيونى المتربِّص الطَّامع فى أن يكون القائد المهيمن فى الاقتصاد والتكنولوجيا والمعرفة، ومن قوى دولية، هى الأخرى طامعة فى ثروات المجلس البترولية وأسواقه وسيولة أمواله، أن تلك الأخطار تستدعى الإسراع فى خطوات وحدته الاقتصادية والأمنية والسياسية؟

•••

ثانياً: ترتبط حقبة البترول بعامل الوقت أيضاً، إذ إنها ثروة فى طريقها إلى النّضوب مع مرور الوقت. فهل تقى دول المجلس أن عائدات هذه الثروة لدولها السٍّت، والتى تقترب من التريليون دولار سنوياً، هى فرصة تاريخية إن ضاعت فإنها لن تعود؟

إنها فرصة تاريخية لبناء تنمية إنسانية شاملة فى مجتمعاتها، ولمساعدة بقية أجزاء وطنها العربى الكبير فى بناء تنمية مماثلة. إن الاستعمال العاقل المتَّزن لتلك الثروات يستطيع بناء اقتصاد إنتاجى ومعرفى قادر على حل مشكلات البطالة والقعر، وإقامة أنظمة تربوية وتعليمية وصحية وثقافية تخرج إنسان المجلس، وإلى حدٍّ معقول إنسان الأرض العربية، من الجهل والمرض والتخلف الحضارى.

لكن دول المجلس مع الأسف تتعامل مع هذه الثروة وكأنها لن تنفذ قط. من هنا مظاهر البذخ والاستهلاك النَّهم والاستثمار فى المضاربات العقارية وفى نشاطات خدمية مظهرية غير منتجة وعلى الأغلب ستكون مؤقتة.

•••

ثالثاً: يشعر الإنسان بأن المجلس غير معنى بهوية شعوبه وبلدانه. وإلا فلا يستطيع الإنسان أن يفهم عدم وجود سياسة واحدة، على أسس مشتركة، بالنسبة لنوع ومصدر العمالة المستوردة للعمل فى دول المجلس. ولا حاجة هنا لإعادة ما قيل وما كتب بشأن الالتجاء إلى العمالة غير العربية التى تزداد وإعدادها بسرعة مذهلة إذا قيست بالنسبة لأعداد العمالة الوطنية والعمالة العربية.

لقد ترك المجلس هذا الموضوع لكل دولة لتتصرف حسبما تشاء، فى حين أن هناك حاجة لمعايير وضوابط تأخذ بعين الاعتبار ما تحمله تلك الزيادات غير العربية من أخطار حقيقية على هوية المنطقة العروبية وعلى تركيبة مجتمعاتها الاجتماعية والأمنية والثقافية.

وموضوع فقدان الهوية ينطبق فى مجال آخر، مجال التعليم فى المدارس الخاصة. فهناك دلائل متزايدة بأن نسبة كبيرة من خريجى تلك المدارس من بين المواطنين تعانى ضعفاً شديداً فى قدراتها اللغوية العربية. وهو موضوع أخطر من أن يترك لكل دولة لتعالجه بطريقتها الخاصة. إنه يحتاج لعلاج مشترك من أجل الحفاظ على هويات الفرد والمجتمع العروبية التى إن ضعفت أدًّت إلى موت الثقافة العربية التدريجى.

•••

رابعا: هناك عدة مواضيع تنظيمية تحتاج إلى حسم بالنسبة لها. منها موضوع التنازل عن جزء من السيادة الوطنية لكل دولة من أجل السيادة المشتركة. إن أحد أسباب الخلافات والصًّراعات فى داخل المجلس هو تصرُّف البعض من منطلقات السيادة والمصلحة الوطنية الكاملة دون مراعاة لمصلحة الآخرين وللسيادة المشتركة.

ومنها توسعة المجلس لحل إشكالية العمالة المستوردة من جهة وحل بعض الجوانب الأمنية من جهة أخرى.

ومنها موضوع الانتقال السلمى إلى الديمقراطية من أجل ترسيخ الشرعية الديمقراطية من جهة ومن أجل تجنُّى انفجارات المستقبل من جهة ثانية.

ومنها وجود مجلس لرؤساء الوزارات وتعيين وزير لشئون مجلس التعاون فى كل مجلس وزراء.

هناك تفاصيل أخرى كثيرة لا يسمح المجال للدخول فيها.

لقد آن الأوان أن ينتقل المجلس من التركيز على الفروع إلى التركيز على الاستراتيجيات الكبرى وعلى حل قضاياه المفصلية.

علي محمد فخرو  شغل العديد من المناصب ومنها منصبي وزير الصحة بمملكة البحرين في الفترة من 1971 _ 1982، ووزير التربية والتعليم في الفترة من 1982 _ 1995. وأيضا سفير لمملكة البحرين في فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، وسويسرا، ولدي اليونسكو. ورئيس جمعية الهلال الأحمر البحريني سابقا، وعضو سابق المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب، وعضو سابق للمكتب التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات فلسطينية. وعضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبييشغل حاليا عضو اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط بالبنك الدولي، وعضو في لجنة الخبراء لليونسكو حول التربية للجميع، عضو في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
التعليقات