سجلات التاريخ.. الأهـرام وعبدالناصر - أيمن النحراوى - بوابة الشروق
السبت 14 ديسمبر 2024 9:58 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سجلات التاريخ.. الأهـرام وعبدالناصر

نشر فى : الخميس 22 يونيو 2023 - 8:15 م | آخر تحديث : الخميس 22 يونيو 2023 - 8:15 م

كتابة التاريخ مسألة ليست سهلة، ولا سيما أن سجلات التاريخ تحوى ما مرت به الشعوب والأوطان فى حياتها من الأحداث والوقائع، الانتصار والانكسار، التحدى والازدهار، وتبقى سجلات التاريخ مُعينا ونبعا لا ينضب لكل محب لوطنه، ينهل منها الفخر والعــزة، ويتعلم الدروس لمواجهة الحاضر وتحدياته، والتخطيط للمستقبل وتوجهاته.
يشير التاريخ إلى أنه فى خضم الحرب العالمية الثانية، عندما شنت الجيوش الألمانية عملية بارباروسا الشهيرة، واجتاحت القوات السوفيتية على كامل الجبهة الشاسعة، وسقطت عشرات المدن فى قبضة الجيش الألمانى الذى بات بعدها على مشارف موسكو، لم يقم السوفييت آنذاك بوصم رئيسهم جوزيف ستالين بالهزيمة، بل تكاتفوا لدحر الجيوش الألمانية وصمدوا صمودا أسطوريا فى موسكو وستالينجراد، فكانت نقطة التحول فى الحرب على الجبهة الشرقية.
عندما قامت البحرية اليابانية بهجمتها المدمرة على قاعدة بيرل هاربور الأمريكية فى جزر هاواى، والتى سجلها التاريخ كواحدة من أشهر وأهم الهجمات فى تاريخ الحروب، لم يقم الشعب الأمريكى آنذاك بوصم رئيسه فرانكلين روزفلت بالهزيمة، بل تكاتف الجميع لمعاونته لاسترداد الكرامة الأمريكية المهدرة والوقوف صفا واحدا لمواجهة اليابان وهزيمتها.
حتى اليابان نفسها عندما أعلنت استسلامها فى أعقاب إلقاء القنبلتين الذريتين على هيروشيما وناجازاكى، كان أول شروط إعلان الاستسلام هو عدم المساس بمكانة الإمبراطور هيروهيتو ولا مركزه ولا شخصه، وظل الإمبراطور حتى رحيله موضع الاحترام الكامل بل والتقديس من الشعب اليابانى.
هذا هو معدن الشعوب العظيمة ومنها وفى مقدمتها مصر، ففى أعقاب أحداث الخامس من يونيو 1967 وهى معركة كان مجملها الضربة الجوية المعادية وأعقبها الانسحاب غير المنظم، ولم تكن أبدا حربا بالمعنى المتعارف عليه، ولم يتح للجيش المصرى وقتها القتال وإظهار معدنه الحقيقى فى الحروب، نتيجة الأخطاء الفادحة من وزير الدفاع آنذاك والذى يتحمل كامل المسئولية عن كل ما حدث.
رغم أحداث يونيو 1967 وقف الشعب المصرى وقفته البطولية، والتف حول الرئيس عبدالناصر وتمسك به وآزره فى تلك المحنة الأليمة، ووقفت الشعوب والحكومات العربية ذات الموقف الشهم، وأعلنت فى القمة العربية فى الخرطوم لاءاتها الثلاث لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض مع العدو.
ومنذ تلك اللحظة الفارقة وحتى الرمق الأخير من حياته أعاد الرئيس عبدالناصر بناء الجيش المصرى وتسليحه، وبناء على توجيه منه قام قادة الجيش المصرى بإعداد خطة «العملية 41» وخطة «المآذن العالية» وبعد وفاته تم تطوير هاتين الخطتين عام 1972 فى إطار الخطة «جرانيت 2» التى تبلورت إلى الخطة «بدر» والتى كانت الأساس لتحقيق النصر فى أكتوبر 1973.
المؤسف أنه فى يونيو من كل عام تخرج علينا الأقلام المسمومة مستغلة ذكرى أحداث 1967 كثغرة للنيل والانتقاص من مكانة الراحل العظيم، ولن يمكنهم ولو جهدوا أقصى جهدهم، فالرئيس جمال عبدالناصر هو أحد أهرامات مصـــر ورمزا من رموزها، قام بتأسيس تنظيم الضباط الأحرار وقيادة ثورة 1952 وعزل الأسرة العلوية الأجنبية عن حكم مصر وقاد إجلاء القوات البريطانية وتأميم قناة السويس وبناء السد العالى وإصدار قوانين الإصلاح الزراعى والنهضة الصناعية المصرية والنهضة العلمية والتعليمية والثقافية والفنية طوال الخمسينيات والستينيات.
الرئيس عبدالناصر الذى كان نصيرا وعونا لكل ثورات التحرر الوطنى والاستقلال فى العالم، ومكانته وقيمته التاريخية تتجاوز مصر إلى الدول العربية والأفريقية وإلى دول كبرى مثل روسيا والصين والهند ودول حركة عدم الانحياز ودول أمريكا اللاتينية التى كافحت الاستعمار السياسى والاقتصادى وما زالت، ودول كثيرة فى العالم إلى اليوم تطلق اسمه على الميادين والشوارع والجامعات.
وفى مصر تحمل العديد من المنشآت والمؤسسات التى أسسها الرئيس عبدالناصر اسمه، وأشهرها البحيرة التى تكونت خلف السد العالى بعد إنشائه، وهى بحيرة ناصر أكبر بحيرة صناعية فى العالم، وكذلك استاد القاهرة الدولى واسمه الأصلى استاد ناصر، وكذلك أكاديمية ناصر العسكرية العليا التى تخرج منها العديد من أكبر وأهم القادة العسكريين فى مصر والعالم العربى وأفريقيا والتى أسست بتوجيه من الرئيس عبدالناصر بموجب القانون 54 لعام 1967، وتضم كلية الحرب العليا وكلية الدفاع الوطنى.
أيضا، كان الرئيس عبدالناصر هو مؤسس الكلية الفنية العسكرية والتى ظهرت فكرة إنشائها مع إبرام صفقة الأسلحة التشيكية عام 1954، لتخريج كوادر هندسية قادرة على التعامل مع الأسلحة الحديثة، فتأسست الكلية الفنية العسكرية فعليا عام 1958.
بعد كل هذا التاريخ الحافل، أقر مجلس النواب مؤخرا تعديلا يقضى باسـتبدال مسمى أكاديمية ناصر العسكرية للدراسات العليا بمسمى جديد هو الأكاديمية العسـكرية للدراسـات العليا والاسـتراتيجية، وأشار المعنيون بالأمر إلى أن القوات المسلحة تستهدف تغيير القوانين واللوائح التى تعوق المسار الرامى إلى استخدام أسلحة حديثة وكليات حديثة، وتغيير الأهداف بألا يقتصر عمل الأكاديمية على الدراسات العليا، بل العمل على المستوى الاستراتيجى، وأن مصلحة الوطن تقتضى ذلك.
ولما كانت مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، وأنه إذا اقتضت المصلحة العليا لمصر ذلك فنحن لها طائعون صاغرون، لأنها مصر، ومصر فوق الجميع وفوق كل إنسان وفوق كل اعتبار، وسنقبل بذلك بعقولنا وقلوبنا وأرواحنا.
عزاؤنا عن رفع اسم الرئيس عبدالناصر من الأكاديمية العسكرية العريقة التى أسسها، أن الهرم الأكبر لا يحتاج إلى لافتة تقول هرم الملك خوفو، لأن العالم كله يعرف بكل لغة وفى كل كتاب أن الملك خوفو هو من أمر ببنائه، وأن من بناه هو الشعب المصرى العظيم.
عزاؤنا أن خمسين سنة كاملة مرت بعد وفاة عبدالناصر، وما زال اسمه وسيظل يبعث المهابة والاحترام فى قلوب أعداء مصر.

أيمن النحراوى  خبير اقتصاد النقل والتجارة الدولية واللوجيستيات
التعليقات