يبدو أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية، حصلت فى اتفاقها النووى التاريخى مع المجموعة الدولية «5+1» على مطلب رفعته من زمان، وتمسكت به فى أثناء المفاوضات البالغة الجدية التى بدأت قبل نحو 21 شهرا، وهو رفع شامل للعقوبات المفروضة عليها من مجلس الأمن ومن الولايات المتحدة، ودول الاتحاد الأوروبى وغيرها. ويبدو أيضا أنها بدأت التركيز على هذا المكسب بغية تسويق الاتفاق فى الأوساط الراديكالية والمتشددة داخلها، والتى تضم خليطا واسعا ومؤثرا من العلماء ومن العسكر المنتمين أساسا إلى «الحرس الثورى» و«البسيج» وغيرهما.
لكن ناشطين جديين فى مركز أبحاث أمريكى عريق ومطلع فى آن واحد، يؤكدون مع اعترافهم بالمكسب الإيرانى المشار إليه أعلاه، أن تطبيق الاتفاق التاريخى لا يمكن أن يتم بين ليلة وضحاها. فالكونجرس الأمريكى بمجلسيه يحتاج إلى 60 يوما لمراجعته. وإذا رفضه فإن الرئيس أوباما سيمارس حق الفيتو لإمراره. ويُرجَح أن ينجح فى ذلك، لأن الرافضين لن يتمكنوا من إقناع غالبية الثلثين فى مجلسى الكونجرس بإبطال مفعول «الفيتو» الرئاسى. وفى الأمم المتحدة، يتابع هؤلاء بأن مجلس الأمن سيصادق على الاتفاق بقرار من أعضائه. وبعد نحو 90 يوما من هذا الحدث يمكن القول، إن الاتفاق النووى تم تبنيه رسميا. إلا أنه قبل البدء بتطبيقه رسميا يفترض أن تقدم «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» تقريرا فى 15 كانون الأول المقبل، حدا أقصى يؤكد «نظافة» البرنامج النووى لإيران، كما يفترض أن تتأكد أن الأخيرة طبقت الإجراءات ذات الطابع النووى المدرجة فى الاتفاق.
انطلاقا من هذه النقطة، تدخل إيران مدة السنوات الثمانى التى تراقب خلالها «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» النشاط النووى المحدود والمخصص للأغراض السلمية وكذلك المراكز النووية المشتبه فيها. أما رفع العقوبات، يلفت الناشطون البحثيون أنفسهم، فإنه يبدأ من تاريخ التنفيذ للاتفاق. إذ يرفع مجلس الأمن عقوباته وينهى الاتحاد الدولى عقوباته. ويفعل الأمر نفسه الرئيس الأمريكى. لكن فقط بالنسبة إلى العقوبات التى فرضها استنادا إلى سلطته التنفيذية. وحده الكونجرس، وبسبب رفض الغالبية الجمهورية فيه وعدد من الديموقراطيين سيتريث فى رفع عقوباته. وقد يدوم تريثه كثيرا. إذ إن التنفيذ الفعلى والتام للاتفاق قد يتأخر إلى مطلع العام المقبل 2016.
ماذا يعنى ذلك للذين توقعوا نتائج سريعة للاتفاق النووى سياسية واقتصادية وغيرها؟
يعنى أن الأثر الإيجابى الكبير له والمحسوس إيرانيا على صعيد النفط، سيتأخر فى الظهور. فالـ40 أو 50 مليار برميل التى تخزنها إيران والـ300 ألف برميل إضافى التى ستنتجها يوميا لن تحقق الآمال السريعة. ويعنى أيضا أن الأثر الإيجابى للاتفاق أمريكيا سيتأخر، ذلك أن واشنطن ستبقى مقيدة بعقوبات الكونجرس الأمريكى الذى يفتح الباب الإيرانى للاستثمارات الآسيوية والأوروبية فى قطاع النفط. علما بأن سيطرة «الحرس الثورى» على هذا القطاع قد لا تسهل الاستثمارات المذكورة، لأنه يعتبرها منافسة له. ويعنى ثالثا أن مضاعفات الاتفاق النووى فى الشرق الأوسط وعليه قد تدخله مرحلة من التفجر والتقلب مع عدم الاستقرار. ذلك أن القوى السنية فيها مع السعودية وتركيا فى مقدمها ستبذل الكثير لموازنة إيران «الجديدة» مع استمرار التنافس الحالى فى ما بينها. وأن إسرائيل ستقوى وتنوع علاقاتها فى المنطقة بحثا عن حلفاء لهم مصلحة مشتركة معها فى احتواء الذين تقاتل إيران بواسطتهم. ويعنى رابعا وأخيرا بالنسبة إلى أمريكا أن الاتفاق مع إيران هو خطة نحو وضع سياسة شرق أوسطية خارجية ذكية ونشطة تعتمد على القوى الوطنية ولا تفرض عليها أن تكون فى قلب كل صراع ينشب. وهى أساسا تعتمد على الميليشيات الشيعية الإيرانية «الهوى» فى العراق لمحاربة «داعش»، وفى سوريا ستجد أمريكا وإيران نفسيهما مضطرتين إلى البحث فى اتفاق تشارك فيه السلطة، عندما يحين الوقت. علما بأن العلاقة الأمريكية – الإيرانية المستجدة ليست شاملة، ولن يكون من شأنها جعل تعامل واشنطن مع الشرق الأوسط أسهل. وسيكون على أمريكا أن تقيم توازنا مع القوى السنية فى الوقت الذى تطور علاقاتها مع إيران. وذلك يحتاج إلى وقت وجهد وطاقة.
النهار ــ لبنان
سركيس نعوم