لا معنى لقانون «القومية اليهودية» الذى أقره الكنيست بالأغلبية قبل يومين، إلا أن إسرائيل العنصرية أصلا، قد قررت «دسترة» عنصريتها.. كل ما كان يصدر من تشريعات ويتخذ من سياسات وإجراءات فى دولة الاحتلال، من «داخل» القانون وخارجه، كان ممهورا بخاتم العنصرية والكراهية.. اليوم، تضفى إسرائيل، على كل ما سبق وسيلحق من هذه السياسات والإجراءات، طابعا قانونيا، دستوريا... اليوم، «تشرعن» إسرائيل عنصريتها الكريهة، غير آبهة بمجتمع دولى أو رد فعل عربى أو حتى مقاومة فلسطينية.
«دولة إسرائيل هى الوطن القومى للشعب اليهودى»، و«حق تقرير المصير فى دولة إسرائيل يقتصر على اليهود»... هكذا جاء فى القانون، بما ينزع عن الفلسطينيين حقهم فى تقرير مصيرهم فوق تراب وطنهم التاريخى... وبما يخرجهم من جغرافيا المنطقة وتاريخها، التى لم تكن يوما إلا لليهود، ولليهود وحدهم دون غيرهم، كما جاء فى تعليقات نتنياهو وأضرابه.
إسرائيل، تحسم الجدل حول «يهودية» الدولة و«ديمقراطيتها»، وهو جدل استنزف جبالا من الورق وجرارا من الحبر.. إسرائيل «يهودية أولا»، وكل ما خلا ذلك، يندرج فى سياق التفاصيل غير المهمة.. العنصرية مقبولة، إن كانت ضمانة «اليهودية»، والديمقراطية ملعونة ومنبوذة، إن كانت ستفضى إلى تجزئة «أرض الميعاد»، أو تئول إلى دولة ثنائية القومية.. هذا الجدل حسم قانونيا، ولم يعد اللغط فيه أو حوله، سوى رجس من عمل المثقفين الحالمين.
ولأنه قد آن الأوان، لأن يُبنى على الشىء مقتضاه، فإن اللغة العربية لم تعد لغة رسمية، وحدها «العبرية» هى لغة إسرائيل الرسمية، وستكون لهذا الأمر تداعياته على سكان البلاد الأصليين الذين سيطلب منهم نسيان لغتهم وثقافتهم وإرثهم، والانتقال من اللغة المكتوبة إلى اللغة المحكية، تماما مثل الأقوام التى سادت وبادت فى العديد من الدول والقارات.
و«القدس الكبرى والموحدة عاصمة إسرائيل إلى الأبد»... شكرا لسيد البيت الأبيض الأمريكى الذى كان سباقا للاعتراف بها عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارة بلاده من تل أبيب إليها.. شكرا له، فقد جعل اليمين الإسرائيلى أكثر جرأة ووقاحة فى التطاول على الحق الفلسطينى ــ العربى ــ الإسلامى ــ المسيحى فى المدينة وفى الديار المقدسة على اتساعها.
ولأن الاستيطان «قيمة قومية سامية»، فإن الحكومة تعمل على «تشجيع الاستيطان اليهودى فى كل مكان فى أرض إسرائيل»، لاحظوا «الاستيطان اليهودى»، فليس مسموحا لغير اليهود، إنشاء المدن والبلدات، والعرب أصحاب الأرض الأصليين الذى طالما امتلكوا أكثر من تسعين بالمائة منها، لم يبق لهم سوى واحدٍ بالمائة من أرض آبائهم وأجدادهم.
و«الهجرة التى تؤدى إلى المواطنة المباشرة هى لليهود فقط».. أما الفلسطينى فطريقه للهجرة ذو اتجاه واحد: من فلسطين إلى خارجها، أما العودة فمحظورة عليه.. لتكتمل بذلك دائرة الاستهداف الإسرائيلى المنهجى المنظم، للشعار الناظم للعمل الوطنى الفلسطينى: العودة وتقرير المصير وبناء الدولة المستقلة وعاصمتها القدس.. لم يترك «قانون القومية» أيا من هذه الأقانيم الثلاثة دون أن يصادرها ويستولى عليها.. لم يترك شيئا البتة للفلسطينيين.
يحق لنا فى ضوء الصمت الأمريكى المريب والمتواطئ حيال «قانون القومية»، أن نعلن من دون تردد، أن هذا القانون العنصرى البغيض، الذى «يرسم» إسرائيل كدولة فصل وتمييز عنصريين، إنما جاء تجسيدا لصفقة القرن و« دسترة» لها... لا شىء فى هذا القانون، لم يسبق لدونالد ترامب وسفيره فى إسرائيل ومبعوثه للشرق الأوسط، لم يعلنوا عن دعمه وتأييده بصور وأشكال شتى.. واشنطن على ما يبدو، قررت التخلى عن رعاية عملية السلام، إلى رعاية العنصرية والكراهية التى تطل برأسها الكريه من جنبات «الكنيست».
على أننا لن نكتفى بلوم واشنطن وتل أبيب، جريا على عادتنا، فلولا الانقسام والهوان الفلسطينيين أولا، لولا التفسخ والتفكك فى الوضع العربى الرسمى والشعبى على حد سواء فى المقام الثانى.. لولا نفاق المجتمع الدولى وازدواجية معاييره فى المقام الثالث والأخير، لما تجرأ هؤلاء على الذهاب إلى هذا الحد من الغطرسة والوقاحة والعنصرية.
عريب الرنتاوى
الدستور ــ الأردن