مساء الأربعاء الماضى كنت خارجا من مبنى التليفزيون فى ماسبيرو بصحبة صديقين قديمين. امام كافتريا قرب ميدان عبدالمنعم رياض استوقفتنى سيدة تجاوزت الأربعين بقليل.
انطلقت الكلمات من فمها كالمدفع بسرعة، ولكن بطريقة مهذبة للغاية.
قالت السيدة الآتى: أرجوك أبلغ الرئيس عبدالفتاح السيسى أننا نحبه جدا وانتخبناه رئيسا للجمهورية ووافقنا على الدستور، ونعتقد أنه أنقذ مصر من كارثة محققة، لكن الحياة اليومية المعيشية لم تعد تطاق فى ظل انقطاع الكهرباء. قل للرئيس وللحكومة إننى دفعت أربعة آلاف جنيه بالقسط ثمنا لثلاجة لا يزيد سعرها الفعلى على ألفى جنيه. هذه الثلاجة «اتحرقت» اليوم بفعل الانقطاع المتكرر والفجائى للتيار الذى لا نعرف متى ينقطع ومتى يعود.. أرجوك قل للرئيس إن الناس انتخبوك وأيدوا اختيارك لحكومة المهندس إبراهيم محلب لكى تحلوا مشاكلنا أو على الأقل تبدأوا فى وضع حلول عملية ومجدولة لهذه المشاكل.
السيدة جعلتنى أقسم على أننى سأبلغ هذه الرسالة للرئيس والمسئولين، فلم أجد وسيلة للإبلاغ غير هذا المكان.
السؤال هل الرئيس وكبار المسئولين لا يعرفون شكوى هذه السيدة؟.
المؤكد أن الرئيس يعرف أن هذه المشكلة موجودة فى كل بيت مصرى تقريبا، إلا مجموعة صغيرة جدا جدا أسعدها الحظ وتسكن بجانب مستشفى أو وزارة أو مرفق مهم جدا.
تقريبا ما اجتمع مصريان الآن إلا وكان حديث انقطاع الكهرباء ثالثهما. يوميات ولحظات مجىء الكهرباء وانقطاعها صارت القاسم المشترك الأكبر بين المصريين، وبالطبع فإن نكت وسخرية المواطنين من أنفسهم ومن الحكومة وتصريحاتها فحدث ولا حرج!!.
حديث السيدة جعلنى أشعر بالعجز، فأى رد عليها مهما كان منطقيا وبليغا لن يجعلها تقتنع. هى مواطنة تريد من الحكومة أن تقدم لها حلولا عملية لهذه الأزمة.
هى لا يشغلها حكاية أن المحطات متهالكة أو أن العجز كبير ومزمن من أيام مبارك أو أن الإخوان وأنصارهم ينفذون عمليات إرهابية ضد بعض الأبراج والمحطات والمحولات.
كل الاسباب ليست مسئولية السيدة أو أى مواطن آخر، هى مسئولية الحكومة بامتياز. وبالتالى فطالما أنها انتخبت الرئيس أو حتى عارضته، فهى تتوقع من إدارته أن تقدم لها حلولا عملية فى هذه المشكلة غير المسبوقة.
جيد أن توصف الحكومة أسباب الأزمة، لكن هذا وحده لا يكفى. الناس تريد حلولا، وليس معقولا أن نقول للناس انتظروا أربع أو خمس سنوات. ليس دور المواطن العادى أن يفكر للحكومة.. هؤلاء المواطنون تحملوا الكثير ودليل ذلك أنهم تقبلوا زيادة أسعار الطاقة قبل شهر ونصف رغم «حالهم الذى يصعب على الكافر». وبالتالى هم يتوقعون من الحكومة أن تقدم لهم حلولا محددة وواضحة وملموسة بشأن هذه الأزمة.
يحتاج الناس أن تقول لهم الحكومة إن الأزمة سيتم حلها بعد سنة مثلا وخلالها سوف يكون انقطاع الكهرباء لمدة ساعة أو ساعتين يوميا، أو تقول لهم إنها ستسمح للقطاع الخاص مثلا ببناء محطات توليد وبيع الكهرباء مباشرة للمصانع، أو أنها سوف تزيد استيراد الوقود وتبيع الكهرباء بسعر أعلى للمستهلكين وبالتالى على الشعب ان يهيئ نفسه لدفع اسعار اعلى للكهرباء، أو أنها عاجزة وغير قادرة على الحل ولذلك سوف تستقيل كى تفسح المجال لحكومة جديدة لديها رؤية وخطة.
ما يحتاجه الناس أن تقول لهم الحكومة الحقيقة كاملة ثم طريقة العلاج وتوقيته وتكلفته والموعد النهائى للشفاء.