أثناء حضوري المنتدى العالمي للدراسات العليا والبحث العلمي الذي أقيم في العاصمة الإدارية الجديدة في مصر الشهر الماضي لاحظت شيئاً مبهجاً وسيكون مفيداً إذا أحسنا استخدامه، على هامش المنتدى أقيم معرض للجامعات المصرية حيث يوجد جناح صغير لكل جامعة تعرض تخصصاتها وخبراتها وإنجازاتها إلخ، الشئ المبهج هو كثرة عدد الجامعات فلم أكن أتصور أنه أصبح عندنا هذا الكم من الجامعات في مصر ولا أتحدث عن الجامعات الخاصة بل الحكومية، أقول أن هذا شيء مبهج ولكن هل هو مفيد أم لا فهذا ما سنناقشه في هذا المقال، هو شيء مبهج لأنه يعكس إهتماماً بالتعليم العالي في المحافظات فهذه الجامعات تغطي خريطة مصر، على الأقل سيجد الكثير من الطلاب جامعات قريبة منهم بدلاً من السفر والتغرب، لنعرف إن كانت هذه الكثرة مفيدة أم لا وكيف نجعلها مفيدة فيجب أن نجيب على عدة أسئلة.
ما هو الغرض من إنشاء جامعة ما؟ هل الغرض هو التباهي بإنشاء جامعة؟ أم غرض إقتصادي بحت؟ أم غرض وطني؟ أم غرض تربوي؟ فمثلاً جامعة ستانفورد وهي من أقوى جامعات العالم أنشاءها مليونير ليخلد بها إسم ولده الذي توفى صغيراً في حادثة ولكن لا أحد يتذكر ذلك الآن ولا نعرف غير أنها جامعة عظيمة، لذلك لا يعيب أن يكون هناك غرضاً ما لإنشاء الجامعة لكن الأهم هو هل يعرقل هذا الغرض تقدم الجامعة أم لا؟ تقدم أي جامعة يعتمد على شيئين: تفاني الأساتذة وإنعدام البيروقرطية المعطلة فيجب التغاضي عن الغرض من إنشاء الجامعة والتركيز فقط على هاتين النقطتين.
نأتي الآن للتخصصات العلمية، لا توجد جامعة في العالم قوية في جميع التخصصات ونحن نقع دائماً في هذا الخلط فمثلاً نقول أن جامعة هارفارد من أقوى جامعات العالم وهي كذلك قطعاً في مجالات ريادة الأعمال وإدارة الأعمال والقانون ومستواها ليس بنفس القوة في تخصصات أخرى، لذلك يجب أن تهتم كل جامعة من جامعاتنا بعدة تخصصات بحثية تكون قوية فيها وتتعهدها بالرعاية، والجدير بالذكر أن نقطة قوة جامعة ما قد تكون في التدريس وليس في البحث العلمي، وأيضاً إذا كانت جامعة ما قوية في تخصص معين فهذا لا يعني أنه لا يوجد باحثون أقوياء في التخصصات الأخرى في تلك الجامعة فكم وجدنا من حاصلين على جوائز نوبل يعملون في جامعة ضعيفة في هذا التخصص ولكنهم يعملون في تلك الجامعات إما لأسباب شخصية أو لإحساسهم بواجب نحو العمل على تقدم الجامعات الضعيفة، أعرف أستاذاً في أمريكا كان يعمل في الجامعات الضعيفة (أو على الأقل ليست من أفضل الجامعات) في تخصصه ويبني فيها مجموعة بحثية قوية ثم بعد عدة سنوات ينتقل من تلك الجامعة لجامعة أخرى ضعيفة ويبدأ من جديد، هذه رسالته.
حيث أن لكل جامعة نقطة أو نقاط قوة فلكي نبني مجتمعاً علمياً قوياً لابد من تعاون الباحثين من مختلف الجامعات معاً.
سوف أشعر بالفخر وبشعور أننا نسير على طريق التقدم العلمي الصحيح حينما أرى أبحاثاً علمية كثيرة عليها أسماء من جامعات مصرية مختلفة، هذه الأبحاث ستدل على شيئين: أولاً أن هناك تعاون لأن العلم في عصرنا هذا أصبح من التعقيد بحيث أن باحثاً وحيداً لن يستطيع المساهمة بالشئ الكثير في التقدم العلمي بل يجب أن تتكون مجموعات بحثية كبيرة، ولنا في تصوير الثقب الأسود وهو الحدث الذي هز العالم (حتى من لا يعرف ما هو الثقب الأسود أساساً) مثالاً عى التعاون فالفريق البحثي صاحب الإنجاز يتكون من أكثر من مائتي باحث، الشئ الثاني هو أن الجامعات عندنا أصبحت تتعاون مع بعضها البعض.
أحب أن أنتهز هذه الفرصة وأهمس بكلمة للجان الترقيات في جامعاتنا المصرية: عندما تكون أغلب الأبحاث المقدمة من باحث هي أبحاث الشخص الواحد فيجب أن تأخذوا هذا على أنه علامة سيئة وليست شيئاً عظيماً لأنه يدل على أن هذا الباحث لا يحب التعاون أو يخاف منه وأنه لا يدرب طلاباً على البحث العلمي.
وجود جامعات كثيرة علامة أولية صحية ولكنها خطوة أولى فهل نأمل أن نرى تعاوناً مثمراً بين هذه الجامعات لتبادل الخبرات حتى في مجال التدريس؟ العبرة ليست بالكثرة ولكن بالتعاون المثمر وإزالة عراقيل البيروقراطية وعراقيل الخوف من التعاون النابع من عدم الثقة.