‎المَسْرَح - بسمة عبد العزيز - بوابة الشروق
السبت 24 مايو 2025 3:57 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

‎المَسْرَح

نشر فى : الجمعة 23 مايو 2025 - 7:05 م | آخر تحديث : الجمعة 23 مايو 2025 - 7:05 م

‎بدا الخطاب المصري خلال قمة بغداد؛ نقطة ضوء على مسرح الأحداث في ظل الزيارة القاتمة التي قام بها الرئيس الأمريكي للمنطقة.

• • •

‎المَسرَح اسمُ مكان مُشتقٌ من الفعل سَرَح، الفاعلُ سارح والمصدر سَرْح وسُروح، فإذا سَرَح المرءُ بأفكاره كان القصد أنه طاف بخياله، وإذا سَرحت الإبل والبهائم فقد جالت في مرعاها، وإذا قيل سَرَح الحبيس فقد أطلِق سراحه. السَّارح في بعض المرات هو الشارد، غير القادر على ربط الأحداث واستيعابها؛ إما لعيب فيه، أو لخلل يشوبها.

• • •

‎مسرح الحياة يكني الدنيا وما فيها؛ أفراحها وأتراحها، طزاجتها وبعض الأحيان عفونتها، نمطيتها التي قد تثقل الكواهل إلى جانب مفاجأتها، وهي تحوي أيضًا وقائع يتعذر وصفُها؛ يختبرها العائشون لحظة بعد أخرى، ويدهشون رغم أنفهم.

• • •

‎تأسس أقدم مسرح مصري على تياترو الأزبكية في ثمانينيات القرن التاسع عشر، وتُعدُّ فرقة أبو خليل القباني وجورج أبيض الذي انتخب كأول نقيب للممثلين من أوائل الفرق المسرحية التي قدمت عروضها للجمهور، أما الشيخ سلامة حجازي فمُؤسِّس المسرح الغنائي. مع قيام ثورة يوليو استبدل بالاسم المشهور آخر هو المسرح القومي وقد احتضن كوكبة من الأعمال الجادة ثقيلة الوزن والمحتوى. على الجانب الآخر حظى مسرح الهناجر منذ تأسيسه بطبيعة خاصة أقل تقليدية وأكثر حداثة، والحق أن كليهما له دور حيوي مهم وأن ثمة احتياج حقيقي لمزيد المحافل التي تخاطب العقل وتشذب الوجدان.

• • •

‎قدم عمر الشريف في فيلم الأراجوز أحد أعذب أدواره. الرجل الفقير المحب للحياة، وصاحب الرسالة التي تصل الصغار من خلال دمية في هيئة أراجوز؛ تطلُّ من هَيكل مُتواضِع، تغني وتصفق ومعها يُصفّق الجميع. صورة مبسطة للمسارح المتنقلة التي تذهب للجمهور في مكانه، لا تطلب منه تذكرة باهظة ولا تلزمه بقواعد وشروط. الفيلم لهاني لاشين وقد عرض عام ألف وتسعمائة وتسعة وثمانين محققًا نجاحًا مستحقًا.

• • •

‎تعلقنا في الأيام الخوالي ونحن بعد طالبات صغيرات، بحجرة الموسيقى التي حوت عشرات الآلات؛ بدءًا من البيانو ومرورًا بالكمان والتشيللو والأكورديون ومجموعة النفخ والأجراس. لاحقًا، عرفت مجموعتنا المحدودة طريقها إلى مَسرح المدرسة لتقديم الحفلات، كان الأمر عاديًا لا يستدعي وقفة ولا يستلفت انتباهًا مثلما قد يفعل اليوم، ولإن شببنا في أعوام الثمانينيات والتسعينيات على حب الألحان وتعلمنا قراءتها فمن جميل الحظوظ؛ إذ تُلغى حِصَصُ الموسيقى في حاضرنا هذا لصالح العلوم الأخرى، ولا تهتم كثير المدارس بتوفير أدوات ممارسة الفن أيًا كان عنوانه، والحقّ أن وجود "مسرح" في هذه الأجواء المُضبَّبة الخانقة؛ يبدو مقترحًا من صميم الخيال.

• • •

‎شاهدت مع أفراد العائلة إعادة لإحدى حلقات برنامج حاور فيه سعد الدين وهبة الموسيقار محمد عبد الوهاب. دار الحديث الشيق بين العملاقين وانتقل من نقطة إلى أخرى؛ حتى وصل إلى الألحان التي قدمها عبد الوهاب للمسرح الغنائي؛ فحكى بخفة دم معهودة عن "كليوباترا" التي أصرت منيرة المهدية على أداء دورها رغم عدم تناسبه مع هيئتها؛ في حين لعب عبد الوهاب دور أنطونيو ولم يتعد وزنه حينها الأربعين كيلوجرام، وكان أن انسحب الشاب النحيل من العرض المسرحي بعد خلافات لم يمكن تجاوزها. ذكريات المسرح التي حملها الحوار الراقي متعة خالصة للمشاهد، والأسلوب الأنيق الذي اتبعه الضَّيفُ والمُضِيف؛ يُسلط الضوءَ على أدران برامجنا الحواريَّة الراهنة، التي يستخِفُّ أغلبها بالعقل ويتَّسم بالسطحية والتفاهة والجهل؛ بل وبتجاوزات مؤلمة في بعض الأحيان، ومحاولات للظهور على حساب المضمون.

• • •

‎خارج نطاق الخشبة الحاضنة للعمل الفنيّ، والتي تستلزم نمطًا معينًا من أساليب الفعل والكلام؛ يُطلَق تعبير "الأداء المَسرحي" على كلّ مَسلك مُبالغ فيه يستهدف على الأرجح لفت الانتباه. على سبيل المثال إذا سقط طفل سقطة بسيطة لم تجذب إليه أنظار الأهل؛ قام وعاود السقوط أمامهم كي يروه، فإن لم يحركوا ساكنًا؛ بالغ في أداء حركته وربما صرخ أو بكى، فإن أولوه العناية والرعاية وشعر بالإشباع؛ كفَّ وانصرف لشيء آخر. لا يدرك الطفل طبيعة تصرفه؛ لكنه يشعر بحاجته للاهتمام والحنان، أما الكبار الناضجون؛ فغالبًا ما يعون حقيقة أفعالهم؛ لكنهم يمسرحونها بما يحقق الغرض.

• • •

‎امتلك كبار المسرحيين مخارج ألفاظ سليمة وقدرة فائقة على الإلقاء وبعض الأحيان الارتجال؛ العظيم عبد الله غيث وسميحة أيوب التي حظت عن جدارة بلقب سيدة المسرح، وسهير البابلي التي امتلكت حضورًا طاغيًا ويحيى الفخراني صاحب الجاذبية الخاصة والخفة النادرة، وغير هؤلاء من المتمرسين الذين لا يمل المرء مشاهدتهم مرة بعد أخرى. تصقل الدراسةُ المَوهبةَ ولا غرابة إن كان كثيرهم خريجًا من معهد الفنون المسرحية؛ فإن لم يكن؛ تجلت رغبته في النهوض بمستواه والوصول إلى ذروة النضج والاحتراف.

• • •

‎مسرح الجريمة هو المكان الذي شهد واقعة اعتداء؛ فيها ولا شك جناةٌ مثلما فيها ضحايا. فلسطين مَسرَح جريمة أولى بدأت بوعد مِمَن لا يملك لمِن لا يستحق، وغزة مَسرَح جريمة ثانية رعتها الأممُ المُتقدمة وشملتها بالحماية، أما المتفرجون من أصحاب الشأن فما بين مُتفرج عاجز، وقادر متواطئ؛ لكن الأيام قادرة -وإن طالت- على إثبات القولة الحكيمة: "الجريمة لا تفيد".

• • •

‎يشير مسرح العمليات إلى منطقة يجري فيه حدثٌ عسكري. تحوَّل البحر الأحمر في الآونة الأخيرة إلى مسرح عمليات مُستدام، يلعب دور البطولة فيه المقاتلون اليمنيون الذين أثبتوا حضورًا أكيدًا؛ هددوا الملاحة وقطعوا تدفق المساعدات المتوجهة لجيش الاحتلال. النتائج التي حققوها لا تُنكر وصمودهم المدهش يكاد يكون الشعرة التي تحفظ للعرب شيئًا من الكرامة.

بسمة عبد العزيز طبيبة وكاتبة
التعليقات