تغيير النظام الإيراني - بشير عبد الفتاح - بوابة الشروق
الثلاثاء 24 يونيو 2025 1:26 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

ما توقعاتك لمعارك إسرائيل مع إيران؟

تغيير النظام الإيراني

نشر فى : الإثنين 23 يونيو 2025 - 6:40 م | آخر تحديث : الإثنين 23 يونيو 2025 - 6:40 م

منذ انزلاق البشر إلى أتونها قبل آلاف السنين، غدت الحروب أسرع السبل الكفيلة بتغيير القيادات وإسقاط الزعامات. ورغم الضربات الإسرائيلية الموجعة، التى تفت فى عضده، وتزلزل شرعيته؛ يجنح، نتنياهو، للعدول عن مأرب يتملكه منذ العام2003 لإسقاط النظام الإيرانى؛ بعدما تراءى له من صموده، إحكام قبضته على مقاليد الأمور، وغياب البديل الفورى المناسب. وبغموضها، غير البناء، حيال التخبط الإسرائيلى بهذا الخصوص، تترقب واشنطن تحولًا نوعيًا فى استراتيجيتها إزاء إيران والمنطقة برمتها.

 


فجيواستراتيجيًا، توشك إدارة ترامب، أن تتخلى عن استراتيجيتها الرامية إلى احتواء العراق وابتزاز دول الإقليم استراتيجيًا، من خلال غض الطرف عن تعاظم نفوذ إيران، وتمكين الإسلام الشيعى على حساب نظيره السنى. وجيوسياسيًا، يكاد ترامب، يتراجع عن تعهداته الامتناع عن تغيير الأنظمة والحكومات بالقوة؛ عبر الانعطاف من استراتيجية «تعديل سلوك وسياسات النظام الإيرانى»، إلى تغيير ذلك النظام. ففى ديسمبر2016، أعلن، ترامب، نبذ السعى لإسقاط الأنظمة، أو التدخل فى الشئون الداخلية للدول، بذريعة بناء الديمقراطية. وفى مارس2021، تعهد وزير الخارجية السابق، أنتونى بلينكن، إقلاع بلاده عن إسقاط الأنظمة بالقوة؛ معتبرًا أن التدخلات السابقة كانت فاشلة، وشوهت سمعة الديمقراطية الأمريكية، وأغضبت الأمريكيين والعالم قاطبة.
من هذا المنطلق، تجاهلت واشنطن مطالب المعارضة الإيرانية بالخارج، سواء جناح، مريم رجوى، أو جبهة، رضا بهلوى، نجل الشاه، لدعم تحركات الإيرانيين لإسقاط النظام الحالى. حيث ظلت متمسكة بنهج تغيير سلوك ذلك النظام وتعديل سياساته، بدلًا من إسقاطه. وذلك على خلفية التداعيات المأساوية، التى استتبعها تجاوبها مع تحريض إسرائيلى مضلل لغزو العراق وإسقاط نظامه عام 2003.
على وقع العدوان الإسرائيلى الحالى على إيران، بدأت مقاربة إدارة ترامب، بهذا المضمار، تخضع لمراجعات لافتة، استنادا إلى عوامل شتى، أبرزها: معاودة، نتنياهو، إلحاحه المنبثق، من مزاعم مزمنة تعتبر بقاء نظام الولى الفقيه تهديدا وجوديا لبلاده، وتقويضا لاستقرار المنطقة والعالم. علاوة على انخراط طهران فى مساعدة روسيا خلال حرب أوكرانيا، عبر تزويدها بالمسيرات الدقيقة والصواريخ أرض-أرض منخفضة التكلفة، لاستبقاء مخزون الصواريخ الاستراتيجية الروسية باهظة الكلفة. فضلا عن إفساح طهران المجال أمام تغلغل النفوذ الاستراتيجى للصين وروسيا فى الشرق الأوسط، عبر توقيع اتفاقيتين للشراكة الاستراتيجية، مع الأولى عام2021، والثانية مطلع العالم الجارى.
رغم اعتيادها إسقاط الأنظمة وتغيير الحكومات فى فنائها الخلفى بدول أمريكا اللاتينية والكاريبى، منذ منتصف القرن التاسع عشر، كانت لواشنطن سابقة لإسقاط حكومة إيرانية منتخبة أواسط القرن الماضى. فيما اعتبره، ستيفن كينزر، فى سفره المعنون: «كل رجال الشاه»، أول تحرك أمريكى مباشر لإسقاط أنظمة وتغيير حكومات، بالقوة، فى منطقة الشرق الأوسط. فلقد قرر، محمد مصدق، فور انتخابه رئيسًا لوزراء إيران عام1951، إنهاء هيمنة الشركات البريطانية والغربية على نفط بلاده، بموازاة تقليص صلاحيات الشاه، الموالى للغرب. حتى اختارته مجلة تايم الأمريكية، العام التالى، رجل العام ملقبة إياه «جورج واشنطن الإيرانى»، و«الرجل الأبرز على الساحة الدولة». بدورها، هرعت بريطانيا للاستعانة بالولايات المتحدة، التى استجابت بعدما رأت فى، مصدق، تهديدا لمصالحها الاستراتيجية على حدود خصمها السوفياتى اللدود؛ كما وجدت فى الإطاحة به فرصة لمشاطرة بريطانيا ثروات إيران النفطية. ومن خلال «العملية آجاكس»، التى قادتها، وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، بالتعاون مع نظيرتها البريطانية، وتنسيق مع الشاه؛ انفجرت اضطرابات أدت إلى إسقاط مصدق، تعيين الجنرال فضل الله زاهدى رئيسًا للوزراء، وإعادة الشاه الهارب من بغداد.
يصعب الادعاء أن عمليات «تغيير»، أو«إسقاط» الأنظمة، قد تكفل بالضرورة تحولا من نظام سياسى سيئ إلى آخر أفضل. فقد تفضى إلى إزاحة طغمة حاكمة سيئة، دون أن تأتى بأفضل منها. وفى إيران، لا تبدو المعارضة، الداخلية الهشة، مؤهلة لتقديم بديل عاجل وملائم لنظام الولى الفقيه. الأمر الذى من شأنه تهيئة الأجواء لوقوع انقلاب عسكرى، ربما يهوى بإيران من دوامة الحكم الثيوقراطى إلى غياهب الديكتاتورية العسكرية. أما المعارضة الخارجية، التى أمعنت فى الاستقواء بأعداء إيران، فلا تحظى بقبول شعبى. فبالنسبة لنجل الشاه السابق رضا بهلوى، يبدى إيرانيو الداخل استياءهم من ماضى والده المرير، كما علاقاته المريبة مع إسرائيل، التى زارها قبل عامين، فيما يعكف على الالتقاء بكبار مسئوليها فى واشنطن. بينما أعرب عن دعمه لسياساتها، مطالبا بإعادة هيكلة علاقات طهران معها، وفقا لما كان يعرف فى الماضى، «اتفاقات قورش»، أحد ملوك الفرس، الذى حرّر اليهود من السبى البابلى. وهو ما دفع إيرانيين كثر لوصمه بالخيانة.
مثلما قوبل رجل أمريكا وشريكها فى مخطط تبرير غزو العراق والإطاحة بصدام حسين، زعيم ما كان يعرف بالمؤتمر الوطنى العراقى، أحمد الجلبى، باستهجان شعبى واسع عام 2003؛ لا يبدى إيرانيو الداخل ،اليوم، استعدادا لتقبل قيادات معارضة الخارج، بديلا لنظام الملالى الراهن، الذى ينقمون منه ويطالبون بتغييره. فلقد أدانوا امتناع ولى عهد الشاه السابق، كما الحائزتين على جائزة نوبل، شرين عبادى، نرجس محمدى، وزعيم حزب العمال الشيوعى حميد تقوائى، عن إدانة العدوان الإسرائيلى الحالى على بلادهم، أو على غزة منذ الثامن من أكتوبر 2023، ورفعهم العلم الإمبراطورى القديم. أما حركة «مجاهدى خلق»، التى طالبت زعيمتها، مريم رجوى، أمام البرلمان الأوروبى، باستثمار المواجهات الراهنة لإسقاط النظام، فلا تلقى استحسان فصائل معارضة أخرى، بينما ينظر إليها إيرانيون كثر بعين الريبة، إثر تأييدها صدام حسين إبان الحرب العراقية-الإيرانية خلال الفترة من 1980-1988، واتهام جماعات حقوقية لها بارتكاب انتهاكات بمعسكراتها داخل العراق. وبينما تفتك النزاعات والخلافات بتجمعات المعارضة الإيرانية فى الخارج، جددت، رجوى، معارضتها بقاء نظام الملالى ورفضها عودة نظام الشاه.
من غير المستبعد أن يفضى العدوان الإسرائيلى إلى توحيد الشعب الإيرانى حول قيادته السياسية، وتأجيل المطالبة بأى إصلاح أو تغيير. ففى يوم الجمعة الماضى، تظاهر الآلاف بالعاصمة طهران تنديدا بالهجمات الإسرائيلية، مرددين شعارات دعم لقادتهم. ورغم تمسكها بالعمل على إنهاء نظام ولاية الفقيه والجمهورية الإسلامية بإرادة وطنية وآليات ديمقراطية، وليس تناغما مع مشاريع إسرائيلية-أمريكية؛ أعلنت القوى السياسية، التى تصنف فى خانة «عدم الولاء» لنظام ولاية الفقيه، إدانتها الاعتداءات الإسرائيلية، داعية إلى اصطفاف وطنى للدفاع عن البلاد ووحدتها وسيادتها فى مواجهة هذا العدوان، ودعم سياسة الوحدة الوطنية. ورغم إضعاف الهجمات الإسرائيلية المؤلمة أذرع النظام الأمنية والعسكرية، لا يبدو أنه فقد قدرته على إجهاض أية ثورة شعبية «ملونة» لإسقاطه. حيث أكد قادة قوات الباسيج، المعنية بقمع المتظاهرين، جهوزية رجاله لـاستئصال عملاء إسرائيل وحماية الجمهورية الإسلامية. ولعل هذا ما يفسر خفوت تهديدات، ترامب، ونتنياهو، بإسقاط النظام، أو استهداف المرشد، خامنئى؛ مخافة أن يعتبره الإيرانيون شهيدا، ومن ثم يتوحدوا خلف نظام يمقتونه، فى مواجهة العدوان الإسرائيلى -الأمريكى.
تنطوى مغامرة إسقاط النظام الإيرانى، على مخاطر جيوسياسية جمة؛ إذ أن حدود إيران الرخوة والملتهبة مع سبع دول جوار قلقة، تموج بحركات انفصالية مسلحة تهدد بتفخيخ إثنى لإقليم فسيفسائى عرقيا. وإذا ما نجحت الضغوط الأمريكية والإسرائيلية الراهنة فى إزاحة نظام الولى الفقيه، فما من ضمانات لتوفير بديل ديمقراطى ليبرالى، أقل نزوعا إلى تأجيج الصراع مع إسرائيل وأمريكا، أو إحياء برامج التسليح النووية والصاروخية. ويصطدم إلحاح نتنياهو، المخادع لمساعدة الإيرانيين والعالم على التخلص من نظام يراه قمعيًا وإرهابيًا؛ بقتله إياهم، تقويض قدراتهم الردعية، وتدمير مقدراتهم الاقتصادية. كما يثير العداء المزمن لإسرائيل تساؤلات حول إمكانية استنفار ما يكفى من الحراك الجماهيرى للإطاحة بنظام ثيوقراطى راسخ، مدعوم بأذرع اقتصادية وأمنية تدين له بالولاء.
غالبًا ما لا تؤتى استراتيجية واشنطن لإسقاط الأنظمة، بعد دحرها عسكريًا ومحاصرتها اقتصاديًا، أكلها. فرغم قهرها نظام، عبدالناصر، عسكريًا، عام1967، لم تفلح فى إسقاطه سياسيًا. وحينما نجحت محاولات أخرى فى مجتمعات تم اختراقها كمثل العراق عام 2003، كانت النتائج مخيبة للآمال. أما فى إيران، فقد يفضى إسقاط النظام الحالى، مع غياب بديل سريع ملائم، إلى تفكيك الدولة، بما يخلف ارتدادات جيوسياسية إقليمية ودولية مروعة. وفى هذا السياق، جاء تحذير الرئيس الفرنسى، من «الفوضى العارمة»، التى يمكن أن تتمخض عنها الضغوط الأمريكية والإسرائيلية لتغيير ذلك النظام. واستشهد، ماكرون بتدخلات عسكرية أمريكية لتغيير أنظمة عربية بالقوة، فى العراق عام 2003، ثم فى ليبيا2011. حيث كانت التداعيات كارثية والعواقب وخيمة، محليًا، إقليميًا ودوليًا.

التعليقات