تحب تطلع بعثة؟ - محمد زهران - بوابة الشروق
السبت 14 ديسمبر 2024 9:58 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تحب تطلع بعثة؟

نشر فى : السبت 24 فبراير 2018 - 9:40 م | آخر تحديث : الأحد 25 فبراير 2018 - 12:37 ص

إذا سألت أي طالب عندنا إن كان يريد السفر للخارج في بعثة دراسية للدكتوراه أو للماجستير فأغلب الظن أن هذا الطالب سيقفز فرحاً وسيقبل بدون أي قيد أو شرط! ماهي أسباب هذا الحماس الشديد للسفر في بعثة للخارج؟ هنا أسباب عديدة وكل شخص سيقبل من أجل سبب أو أكثر من الآتي:

أولاً طلب العلم ولا يخفى عليكم أن الدراسة عندنا وخاصة الدراسات العليا "بعافية شوية" خاصة في الدراسات العملية حيث تحتاج إلى موارد وإمكانيات لا تملكها الجامعات عندنا أو لا تملك أحدثها على الأقل، هذا بالإضافة إلى عامل الوقت فطالب الدكتوراه عندنا في مصر يكون عنده إلتزامات أسرية وقد يضطر للعمل بجانب الدراسة ولكن الدراسة في الخارج تجعله متفرغ تماماً لها، وقبل أن نسترسل في الحديث أحب أن أشير إلى نقطة مهمة عن الدراسات العليا في أمريكا، التعليم المدرسي في أمريكا ليس الأفضل في العالم بل تسبقه دول مثل سنغافورة وكثير من الدول الاسكندنافية، التعليم حتى مرحلة البكالوريوس في أمريكا ليس الأفضل أيضاً ويتقدمه دول مثل السابق ذكرها وأكثر، مع ذلك أمريكا من أكثر الدول تقدماً في المجالات العلمية فما هو السر؟ السر هو السلاح الاستراتيجي الأمريكي المسمى بالدراسات العليا! أغلب الطلبة الأمريكيين لا يدرسوا الدكتوراه لأنهم يريدون أن يدخلوا سوق العمل بسرعة فهم براجماتيون في أغلبهم ولا عجب أن إسهام أمريكا في عالم الفلسفة هومذهب البراجماتية الذي ظهر في أمريكا سنة 1870 على يد فلاسفة أمريكيين مثل ويليام جيمس (William James) وجون ديوي (John Dewey) وشارلز ساندرس بيرس (Charles Sanders Peirce)، إذن فمن يدرس في الدراسات العليا؟ إنهم القادمون من مختلف دول العالم في بعثات أو منح، أبحاث الدراسات العليا هي ما تدفع عجلة التقدم في أمريكا بما فيها التقدم العسكري، هل نحلم أن نمتلك نحن أيضاً هذا السلاح الاستراتيجي في المدى الطويل؟
إذا السفر للخارج من أجل العلم هو سبب مشروع بل ومطلوب ولكن هل هو السبب الوحيد أو لنكن صريحين ونسأل هل هو السبب الحقيقي؟

ثاني الأسباب هو السفر لبلاد جديدة يكون مستوى الحياة فيها أفضل، إذا إنه السفر من أجل الفسحة ولكنه مغطى بغلاف طلب العلم، وهنا وقفة مهمة لأنه لو كان هذا هو السبب الأساسي من أجل قبول البعثة فالطالب سيحاول أن يقبل في أية جامعة حتى وإن كانت ضعيفة، لاحظ أن أمريكا مثلاً بها ما يزيد عن ثلاثة ألاف جامعة إذا تجاوزت الجامعة رقم 50 مثلاً من حيث التصنيف في مجال ما فستجد جامعات أسوأ مما نجده في بلادنا بل وقد تجد جامعات غيرمعترف بها وقد تحدثنا في مقال سابق عن تصنيف الجامعات ومعناه وأهميته، فتجد الطلاب الذين يودون السفر وفقط يحاولون القبول في أية جامعة مهما كان تصنيفها ويعملون في أية مجال حتى وإن لم يحبه وأقصد طبعاً مجال في تخصصهم ففي الهندسة الكهربائية مثلاً مجالات عدة، سيقول الطالب "أهو أي جامعة وخلاص المهم نسافر" وقد يقول "أهو أي جامعة أحسن من اللي هنا"! وفي أغلب الأحيان يكون السفر بلا عودة وتخسر الدولة الألاف التي دفعتها لهذا الطالب في بعثته وقد لا يحصل هؤلاء الطلاب على الدرجة لأنهم لا يأخذون الدراسة مأخذ الجد.

ثالث أسباب قبول السفر هو الهروب من واقع لا يستريحون فيه وهذا سبب قريب جداً من السبب الثاني وله نفس نتائجه.

وهنا يجب أن أشكر الصديق الدكتور محمد حسن (عضو هيئة التدريس بجامعة أريزونا قسم الفيزياء) حيث أنه شجعني على الكتابة عن موضوع البعثات عن طريق بوست على الفيسبوك يناقش الأموال المهدرة في البعثات الحكومية من طلاب لا يأخذون الدراسة بمأخذ الجد فهو يحكي مثلاً في أثناء دراسته هو في الخارج كان هناك من المبتعثين من يأتي إلى مركز الأبحاث في التاسعة صباحاً وينصرف في الثانية ظهراً ويقضي الوقت في الترفيه، من يدرس الدكتوراه في الخارج في جامعات ومراكز أبحاث قوية يعلم تماماً أن الذهاب للجامعة لأكثر من عشر ساعات في اليوم بما فيها أيام العطلات ليس شيئاً غريباً، الأساتذة لن يطلبون ذلك منك صراحة ولكن المنافسة الشديدة في البحث العلمي والنشر ستدفعك لذلك، وهنا أحب أن أوجه نداء إلى إدارة البعثات عندنا ببعض الإقتراحات (قد يكون بعضها منفذ بالفعل فكاتب هذه السطور لا يعرف شروط البعثات الآن): ماذا لو كانت البعثات فقط للجامعات العشر الأوائل في كل تخصص؟ ماذا لو كانت البعثات فقط في المجالات التي تحتاجها البلاد؟ قد يقول قائل ولكن قد يؤدي ذلك إلى قلة بل ندرة من يسافرون على البعثات وهنا يكون إقتراح الدكتور محمد حسن بخصوص هذا الفائض إقتراحاً وجيهاً وهو "من الأفضل ان يوجه كل هذا الدعم للمشاريع البحثية التي يتقدم بها الباحثين المتميزين بمصر . وبذلك سيستخدم هذا الدعم لتدريب طلاب الماجستير والدكتوراة بشكل افضل مما يجلعهم منافسيين على المنح المقدمة من دول أروبا وأمريكا."

عندما أراد محمد علي باشا بناء مصر الحديثة بدأ في إرسال البعثات ونحن نريد أيضاً بناء مصر الحديثة.

محمد زهران عضو هيئة التدريس بجامعة نيويورك فى تخصص هندسة وعلوم الحاسبات، حاصل على الدكتوراه فى نفس التخصص من جامعة ميريلاند الأمريكية، له العديد من الأبحاث العلمية المنشورة فى الدوريات والمؤتمرات الدولية، بالإضافة إلى الأبحاث والتدريس.. له اهتمامات عديدة بتاريخ وفلسفة العلوم ويرى أنها من دعائم البحث العلمى، يستمتع جداً بوجوده وسط طلابه فى قاعات المحاضرات ومعامل الأبحاث والمؤتمرات، أمله أن يرى الثقافة والمعرفة من أساسيات الحياة فى مصر.
التعليقات