الزمان: ليلة أول أيام صيف عام 2019
المكان: مصانع شركة النصر للزجاج والبلور (مصانع ياسين سابقا)
الحدث: احتفالية تكريم الروّاد وانطلاقة جديدة
فى تلك البقعة المباركة من أرض محافظة القليوبية، فى المدينة الصناعية شبرا الخيمة التى باركها العرق والكفاح، وعلى أرض مصانع ياسين التى ذكرناها فى مقال سابق نشر فى الخامس والعشرين من شهر فبراير الماضى تحت عنوان «صنايعية عمر طاهر». اتصل الماضى التليد بالحاضر والمستقبل، فى محاولة لرد الجميل للروّاد الأوائل الذين أقاموا صروح الصناعة، ووضعوا أسس النهضة الحديثة، التى انطلقت بمحاذاة صحوة ليبرالية تركت بصماتها على كل ركن من أركان البلاد فى الفن والعمارة والصناعة والاقتصاد... فى تلك الاحتفالية الرمزية أطلقنا منتجا جديدا من الأكواب الزجاجية يحمل علامة ياسين، وهى التى ذكرها بمزيج من الأسى والحنين الكاتب المبدع الأستاذ عمر طاهر فى كتابه الأشهر «صنايعية مصر»، بل وحرصنا على أن نطلق اسم «ياسين» على المنتج الجديد، وأن يكون التغليف مباركا بصورة هذا الرجل العصامى العظيم الذى مازال أحفاده يحملون له الذكريات المؤثرة، التى شاركوا جانبا منها معنا فى تلك الاحتفالية الاستثنائية.
لن أستفيض فى وقائع الاحتفالية التى رعاها أدبيا بكل الود والاحترام السيد الأستاذ هشام توفيق وزير قطاع الأعمال العام، ونظّمتها ودعت إليها الشركة القابضة للصناعات المعدنية، واستضافتها شركة النصر للزجاج والبلور، وشرّفها بالحضور والمشاركة عدد كبير من رجال الصناعة والسياسة والاقتصاد، أترك تلك المسألة للزملاء الأفاضل من رموز الإعلام الذين شرّفونا بالحضور وتكفّلوا بالتغطية. ولكننى ألقى بعض الضوء على أبرز المعانى والمشاعر التى فجرتها أمسية التكريم، عسى أن نفتح بذلك بابا للتصالح مع الماضى المشرّف. فقد أردنا أن تنبت ثمرة الإصلاح والتطوير فى أرض الامتنان، وأن نرويها بقطرات من الوفاء والإخلاص.
***
فى أولى ليالى فصل الصيف كان الحر شديدا على أرض المصنع، الذى حرصنا أن يكون حاضنا للاحتفالية دون الفنادق وقاعات الاحتفال، ولم تتغلّب عليه المكيفات إلا يسيرا. لكن أفرانا يقف أمامها العمّال الأبطال كانت أشد حرا لو كنتم تعلمون. كذلك تحدّثت خطوط العمر على وجوه عدد من قدامى العاملين المكرّمين ببلاغة لا نظير لها، مؤكدة للحضور على قيمة التفانى والإخلاص، وانصهار البشر فيما تبدعه أياديهم من منتجات. ومنهم من رأيناه فى فيديوهات قديمة للمصانع يعمل على تقطيع الزجاج يدويا والنفخ فى الأكواب، ثم شاهدناه عيانا منتجا على ماكينات حديثة تعمل بوحدات التحكم الآلى، وبقليل من التدخّل البشرى والمخاطر التى يمكن أن تكتنف تلك الصناعة الدقيقة.
وقد مسّت كلمات الأستاذ الدكتور أحمد نصار أستاذ أمراض القلب الشهير وأكبر أحفاد محمد بك ياسين سنا شغاف قلوب الحاضرين عقب جولتنا التفقدية بين خطوط الإنتاج، وهو يؤكد فى رضا وتأثّر بالغين أن ما شهده من تطوير فى المصانع نزل عليه وعلى آل ياسين بردا وسلاما، خاصة وأنهم لا يريدون إلا أن يستمر سلسال العطاء والنفع الذى انطلق منذ عام 1932 على يد جدهم العظيم، ثم عبثت به يد الإهمال أعواما طويلة بعد قرارات التأميم. حفيد آخر من عصب ياسين بك يقول لى فى ختام الأمسية إنه رأى جده اليوم وكفى بذلك شهيدا.
***
حاليا تشهد شركة النصر للزجاج والبلور انطلاقة جديدة، بعد ضخ ما يقرب من 300 مليون جنيه فى صورة استثمارات فى خط زجاج الواجهات المنقوش، ثم إعادة هيكلة الشركة ماليا ــ بعد التصالح على تخارج بنك الاستثمار القومى وإطفاء الخسائر ــ ليرتفع رأسمالها من 30 مليونا إلى 100 مليون جنيه، تمهيدا لطرح حصة من أسهمها فى البورصة المصرية، لتوسيع قاعدة الملكية وتحسين مستويات الحوكمة والإفصاح. يعمل بالشركة قرابة الخمسمائة عامل، وتحقق اليوم أرباحا حدية تقترب من 17 مليون جنيه كمرحلة انتقالية بعد سنوات من الخسائر، وهى مرحلة دقيقة فى منحنى التعلّم يتوقع أن يعقبها طفرات من الأرباح، خاصة بعد إضافة خطوط إنتاج جديدة جارٍ دراستها مثل خط زجاج السيكيوريت والكاسات.. فضلا عن جهود ترشيد الطاقة الجارى دراستها مع إحدى كبرى الشركات العالمية فى هذا المجال، ومن المقرر أن تحقق وفرا كبيرا فى تكاليف الإنتاج، سواء بشركة النصر للزجاج أو غيرها من الشركات الصناعية كثيفة استهلاك الطاقة التابعة لوزارة قطاع الأعمال العام.
الشركة تصدّر نحو 60% من مبيعاتها لعدد كبير من دول أوروبا الشرقية والدول العربية والأفريقية، ولا يزال الطلب الخارجى على منتجاتها يزداد مدعوما بجودة المنتجات وثقة المستهلك. تخلّصت شركتنا من مخزون متراكم تقدّر قيمته بالملايين، لكن مازالت الحاجة ملحّة إلى تنمية التسويق المحلّى للمنتجات، ومازالت معارض الشركة تفتقر إلى لمسات جمالية لا غنى عنها لنمو المبيعات، وهى أمور نعوّل فيها كثيرا على مجلس الإدارة الذى تم تطعيمه حديثا بكفاءات متخصصة فى مجالات التسويق والتمويل.
لا نستهين أبدا بما يمكن أن تصنعه لمسة وفاء واحدة من شحذ للهمم وتفجير للطاقات، لا نكرّم رمزا أو عملا إلا كنا لأنفسنا مكرمين، وصدق رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام حيث قال: «لا يشكر الله من لا يشكر الناس».