فى مثل هذا اليوم منذ ثلاث سنوات اندلعت ثورة 25 يناير.. كان الإخلاص كبيرا والتجرد عظيما.. كان الحب بين أطياف الشعب المصرى لا حدود له.. كان الميدان يسع الإخوانى والسلفى والمسيحى والاشتراكى والليبرالى.
واليوم وبعد ثلاث سنوات فقط أصبح كل واحد من هؤلاء لا يطيق الآخر.. وأنا أتحدى اليوم أن يمكث الإخوانى مع السلفى يوما واحدا فى أى ميدان دون أن يخوّن أو يبدّع أو يدمّر أحدهما الآخر.. أو أن يمكث الإخوانى مع المسيحى.. أو الإخوانى مع الليبرالى أو الاشتراكى فى ميدان واحد ساعة من نهار.
لقد تغيرت القلوب والنفوس ودبت الكراهية فى القلوب وتغلغلت فى النفوس.. كان الجيش والإخوان والإسلاميون يدا واحدة.. وكان البعض يصعد على سطح الدبابات مع أطفاله الصغار ويلتقط الصور التذكارية.. واليوم أصبح كل طرف يخشى الآخر ويخاف بأسه ولا يأمن شره.. فحلم أن يحتضن الجندى والإخوانى بعضهما أضحى بعيد المنال.. فهذا يخشى أن يغرس الأول السونكى فى صدره أو أن ينسفه الآخر بحزام ناسف.
آه على أيام خلت من الحب والود والسكينة والألفة.. آه من أيام كانت المسيحية تصب الماء فى الميدان على المسلم ليتوضأ.
آه من أيام اقتسم الجميع الألم مع الأمل.. واللقمة مع البسمة.. وتأوه كل واحد لألم الآخر فى حب صادق لم يعرف الغش ولا التدليس.. فلم يعرف رفقاء الميدان وقتها خبث الطوية.. ولم تنفتح بعض الجيوب أمام المال السياسى الذى لوث الضمائر.. ولم يتطلع البعض وقتها لوراثة كراسى السلطة.
الثورات كالأدوية لها فوائد عظيمة وحاسمة فى علاج أمراض المجتمع ولها أيضا أعراض جانبية.. وأغرب ما فى ثورة 25 يناير أن فوائدها العلاجية بدأت عظيمة ورائعة خلال 18 يوما.. ثم بدأت الأعراض الجانبية تظهر ثم تزداد وتزداد.. حتى فاقت الأعراض الجانبية لدواء الثورة الأغراض العلاجية لها.. ونحن حتى اليوم نعيش فى أعراضها الجانبية بعد ضياع فوائدها العلاجية.
«الثورات يصنعها الأبرار ويضحى من أجلها المخلصون ويركبها المتسلقون ويقطف ثمرتها الانتهازيون».. هذه الحكمة تعلمتها من المرحوم أحمد رائف ولم أكن أتخيل أننى سأعيشها بنفسى.. فقد مات الرجل قبل الثورة وعاشت حكمته.
كل الثورات تولد صغيرة ثم تكبر ويتزايد خيرها.. وتنضج طبختها إلا ثورة يناير التى ولدت عملاقة قوية نظيفة.. ثم بدأت تصغر وتتلوث شيئا فشيئا. أسوأ ما وقعت فيه ثورة يناير هو محاولة إلغاء الماضى وكأن تاريخ مصر بدأ منذ ثورة 25 يناير.. وكأنه لم يحدث أى خير فى مصر قبلها وكأنه لم يولد قبلها مصرى وطنى مخلص.
أهم عنوان لثورة 25 يناير هو فشل الثوار الذريع فى تحويل الثورة إلى دولة.. وذلك كغياب القائد من جهة.. والمراهقة الفكرية للجميع من جهة أخرى.. ورغبة الجميع فى ابتلاع كعكة الحكم.. والاستقطاب الدينى والسياسى.
شعار ثورة 25 يناير تحول من «عيش ــ حرية ــ كرامة إنسانية» إلى هل تؤيد الإخوان وحلفاءهم.. أم تؤيد السيسى وحلفاءه؟!.. ولا هم لمصر الآن سوى ذلك.
ثورة 23 يولية قتل فيها جندى واحد فقط.. وثورة 25 يناير وتوابعها أسقطت آلاف القتلى وعشرات الآلاف من الجرحى.. وحرقت مصر كلها.. فهل المنصب والكرسى يستحق كل هذه الدماء والحرائق؟!.. رحم الله الملك فاروق الذى حقن دماء المصريين بتنازله عن العرش استنانا بمبدأ الحسن بن على. جاءتنى مريضة الخميس الماضى قائلة: الدماء بدأت تنزف من يوم 23 يناير بخمسة قتلى فى بنى سويف وقتيل فى الإسكندرية أبرياء.. فماذا سيكون حال يوم 25 يناير؟!.. استر يا رب.