تتمتع كتابات يوسف إدريس بمواقف وأفكار تثير الجدل مع مر الزمن، والأفلام التى أخذت عن أعماله خير دليل على هذا الأمر، والغريب أن أعظم أعمال الكاتب لم تتحول بعد إلى السينما أو الدراما التلفيزيونية، كما أن بعضها الآخر كان ضعيفا على الشاشة، قياسا على قوته فى عالم الكتابة، والمقصود بهذا أفلام مثل «على ورق سوليفان» لحسين كمال، والعيب لجلال الشرقاوى، ولا وقت للحب لصلاح أبوسيف، أما أعماله المتميزة سينمائيا، فمنها الحرام وقاع المدينة، بينما يقف فيلم «سجين الليل» فى منطقة رمادية ليس لقيمة الفيلم ولكن لاسم مخرجه محمود فريد، الذى لا نعرف لمسيرته الفنية اسما بعينه يجعلنا نضعه فى مصاف المخرجين المتميزين، ومن هذه الأفلام مثلا المشاغبون.
«سجين الليل» مأخوذ عن رواية قصيرة تحمل اسم الغريب قد تم إنتاجها عام 1963، ومن الواضح أن الفيلم قد تغير اسمه بسبب وجود فيلم آخر بهذا الاسم أخرجه كمال الشيخ وفطين عبدالوهاب، نحن أمام موضوع ملىء بالمواقف الجدلية تدور أحداثه فى قرية صغيرة من خلال عدد قليل من الأشخاص، فالرواية تتحدث على لسان المؤلف نفسه وهو يتذكر حكاية صبى صغير يتعرف على أحد الخارجين عن القانون يحتمى فى أيام الملكية باسم اقطاعى كبير ويتخفى عن رجال العدل ذات يوم يلتقى الصبى مع الغريب تحت جنح الليل المظلم باعتبار أن الصغير شديد الإعجاب بالطريد ويريد أن يتعلم منه جرأة القتل، وعلى مدى الوقت فإن القاتل يثق فى الصبى ويرسله إلى زوجتيه لأداء بعض المهام الزوجة الأولى دميمة كثيرة الإنجاب والزوجة الثانية بالغة الجمال تعشق الرجال، وعندما يذهب إليها الصغير تطلب منه مضاجعتها، كل هذه التفاصيل وغيرها يتجاهلها الفيلم تماما ويروى لنا قصة حسن الشاب الجامعى وحيد أمه، الذى يتراهن مع أصحابه ومنه حبيبته وزميلته ويقبل أن يسير فى طريقه إلى البيت ليلا متحديا أن يقابل الغريب، وعندما يلتقيان تتولد بينهما صداقة وتتعقد الأمور، حسن هنا هو أكبر سنا بكثير من الصبى فى الرواية، وهو وحيد أمه التى تجسدها علوية جميل وفى تلك الليلة فإنه يأخذ أشياء من البيت ليعطيها لصديقة الجديدة ومنها دجاجة وأشياء أخرى تسد جوعه ومن هنا تتولد الثقة بين الشاب والطريد، وعندما تعرف الأم بأمر تلك العلاقة تصيبها الصدمة خوفا أن يتحول ابنها إلى قاتل يتعلم أصول القتل على يدى من سبق من قام بالقتل بدون تردد، وتسعى الأم إلى مقابلة الأم وتطلب منه الإقامة فى بيتها حتى تحفظ ابنها من الشر.
نقاط التشابه بين الفيلم والرواية هو فلسفة تعلم القتل أو شهوة القتل بعد المرة الأولى، فالشاب حسن يحمل سلاحا يحتمى به الغريب، ويبلغه أنه سوف يطلق النار على أول عابر فى الليل، وهنا تبدأ الصدامات بين الشاب والمجرم الذى يتصرف بشكل إنسانى خوفا عليه أن يتحول إلى قاتل محترم أى أنه هنا قد أنصاع للأم التى وافقت على تزويجه من حبيبته حتى يعيش كمواطن عادى.
فى النص الروائى تحدث الكاتب كثيرا عن فكرة تحويل الصبى إلى قاتل محترف أنه قاتل بلا أجر عكس عبدالحميد الغريب الذى يقتل ليعيش ويصرف على أسرته كثيرة العدد، ومن هنا تأتى أهمية النص الأدبى التى لم يتردد السيناريو فى إبرازها مع الاحتفاظ بالريف كمكان للحدث، وجعل أغلب أشخاص الفيلم أقرب إلى أبناء المدينة، ابتداء من الأم وأصدقاء حسن وغيرهم.
من الواضح أن التجربة شخصية ليوسف إدريس الذى لم يعش فى حياته فى مكان ريفى بعينه تبعا لوظيفة أبيه فى مجال مساحة الأراضى، وهذا أبرع ما فى النص، حيث إن هناك عشقا ملحوظا بين الأشخاص والمكان الذى يختبئ فيه الغريب.