هل أحمل جذورى العربية على كتفى وأرحل عن ديارى، لأن مسيحيتى ثقافتها عربية إسلامية؟ أين أحمل دموع «المثنى بن حارثة الشيبانى» النصرانى، قائد جيوش النصارى فى دولة الغساسنة، الذى تخلى عن الرومان النصارى، وسار مع «سعد بن ابى وقاص» بجيشه، وشارك فى الفتوحات الإسلامية؟
كيف ألملم معلقاتى الشعرية العربية الإبداعية، عن حائط عروبتى الثقافية، وما زال «عمر بن كلثوم» يردد بحضارته العربية وجيشه الكبير قائلا:
ملئنا البر حتى ضاق عنا... وماء البحر نملؤه سفينا
كيف أنزع عن جلدى ميراث أجدادى، وأترك هوائى الذى لا هواء غيره. ومدينتى التى فى حاراتها طفولتى، وفى شوارعها رفاق مدرستى، ولما كبرنا نسجنا معا مواقفنا القومية العربية، ضد كل محتل ومستعمر، وعلق على أعواد المشانق أجدادى فى بلاد الشام على يد «جمال باشا» السفاح من أجل حرية الأرض العربية؟
ومازال «أمرؤ القيس» على حصانه يرسم الغد النبيل، وما زالت ثياب «عيسى العوام» مبللة بالرجولة والوفاء، تستظل جميعها تحت ظلال العهدة العمرية. فكيف أترجل عن حصانى فى الموصل، وعن ثيابى فى نينوى؟
ولماذا إذن لم يتحرك الدم العربى الإسلامى، لإيقاف اقتلاع جذورى العربية، تحت رايات منحرفة عن سماحة القرآن؟
«جبران خليل جبران» يشد شعر رأسه مندهشا من واقع يخون مبادئ التاريخ والعيش المشترك، يحاول ان ينزع إبداعه العربى، الذى فجع به، لكن جذور أجداده تصده عن ذلك.
لماذا لم يقرأ الآخرون حضورى الوطنى، عندما كانت راية الإسلام التى رفعها الأتراك، تدوس لواء الإسكندرون العربى، فى حين كانت شوارع الشام بمسلميها ومسيحييها تخرج بمظاهرات لم يشهد لها التاريخ مثيلا، ومن كنائس الشام وأجراس المشرق، بعد أن أقفل الأتراك كل جوامع الشام، لمنع التظاهرات ضد استلاب لواء الإسكندرون. حيث تحولت كل الكنائس إلى جوامع، ووقف خطيب المسلمين فى محراب المسيح يلقى خطبة الجمعة، وصعد المؤذن إلى قبة الناقوس يرفع الأذان. فلماذا تغلق العيون أمام هذا التاريخ؟ ولماذا تصم الآذان عن صوت عروبة آت من أعماق التاريخ؟
هل أحرق كتبى وأشعارى وانتمائى فوق مذابح الإرهاب؟ إلى أين أمضى وكل ذرة من تراب الأرض تشدنى إليها، لأنها تعمدت بقصائدى ووفائى؟
هل سامحنى الاحتلال الإسرائيلى لأننى مسيحى ولم يلق بى فى سجونه، عندما قامت مدينتى بيت ساحور بعصيانها الضرائبي؟
ما زال دير الأقباط فى مدينة القدس علامة عريقة فى تاريخنا العربى القومى النضالى، عندما أهدى القائد «صلاح الدين الأيوبى» هذا الدير للأقباط تحية تقدير لمواقفهم البطولية مع إخوانهم المسيحيين العرب، ضد الحملات الصليبية. أين يا سيدى المواقف النبيلة التى تعودنا عليها من هيئة علماء المسلمين؟ أين صدق أقوالهم التى نشأنا عليها؟ وأين ملحمة وفائهم فى الدفاع عن سماحة القرآن؟ لماذا ظهرت على حدود سوريا ولبنان فى عرسال، ولم تظهر فى الموصل أو نينوى؟ هل تخلى الجميع عن العهدة العمرية؟ أم أن الصمت أمام المجازر والمذابح هى لغة العصر؟ هل أصبح ملح الأرض المسيحى العربى مر المذاق فى حلوق من يتنكرون للعروبة والإسلام العربى والتاريخ القومي؟ لماذا الانحراف عن مبادئ القرآن؟ لماذا نخون الأرض العربية الإسلامية تحت شعارات خادعة؟ من يقود هذا الخداع، ومن يدمر النسيج القومى العربى الذى التحفنا به على مر السنين؟
«جبرا ابراهيم جبرا» الأديب الكبير، ما زالت أشعاره النازفة على مذابح دير ياسين، وعيونه باكية على المسيحيين العرب فى الموصل ونينوى وغيرها، تستصرخ الضمير الإنسانى ولا تصدق ما تراه». وكمال ناصر القائد الفلسطينى والشاعر المبدع، الذى شكل أشعاره باستحضارات تراثه المسيحى، من أجل تجسيد مواقفه الوطنية العربية القومية، يفرك اليوم عينيه فى ذهول لا يصدق، وتاريخه النازف بين يديه، يرثى أمته العربية الإسلامية.
آهٍ ... وألف آهٍ...على حكمة «أبى بكر الصديق» وعلى عدل «عمر بن الخطاب» وعلى رؤية «على بن ابى طالب» وعلى شعرة «معاوية»، لماذا يشوهون اليوم هذا التاريخ المجيد، ويلبسون عباءة الخلافة الرشيدة، وهم بعيدون عن سماحتها ووداعتها وحكمتها؟
يا الله... ويا الله...ألا يوجد فى أمتى العربية من يوقف نزيف تاريخنا واقتلاع جذورنا؟ وما زالت أجراس المشرق تنزف الآه... وتبكى فوق دماء الأذان فى غزة هاشم؟