أعتقد، كما يعتقد كثيرون من المتهمين بالشأن الإسلامى المصرى، أن الخطاب الدعوى والسياسى الإسلامى عقب ثورة 25 يناير كان من أهم أسباب الكارثة التى لحقت بالحركة الإسلامية المصرية وساهمت بشكل أو آخر فى صنع العداوات لها دون مبرر وإنزالها من عرش السلطة إلى ضيق السجون.
فالخطاب الدعوى الحقيقى هو الذى يبشر ولا ينفر.. ويجمع ولا يفرق.. وييسر ولا يعسر.. ويجمع بين الواجب الشرعى والواقع العملى جمعًا صحيحًا.. وبين الصدع بالحق وعفة اللسان.. وبين الصدع بالحق والرحمة بالخلق.. ويخاطب العقل والعاطفة معًا.. ويميز بين العقائدى والشرعى الثابت وبين السياسى والحزبى المتغير.. وبين ما جاء به الوحى وبين ما هو من أمور الدنيا أو العادات.. وبين مساحات عمل النقل الصحيح ومساحات عمل العقل الذكي.. وبين الوطنية والإسلام جمعًا صحيحًا.. وبين الأمانى والأحلام التى تدغدغ عواطف الشباب وبين واقعهم.. وأن يترك هذا الخطاب تفسير كل الأحداث بنظرية المؤامرة تاركا فقه المراجعة وفقه الأولويات وفقه المصالح والمفاسد وآليات النقد الذاتى.
وإليكم بعض سلبيات الخطاب الدعوى والسياسى الإسلامى التى ظهرت فى الفترة الماضية فى عناوين بسيطة:
1ــ التركيز على ثقافة البديل الإسلامى عن الواقع الجاهلى: بمعنى أن الحركة الإسلامية هى البديل الجاهز والجيد عن الآخرين فى القضاء والأمن والجيش والدبلوماسية بل والعوام.
وهذه فكرة خاطئة وسلبية تماما.. وهى نتاج فكرة تكفيرية تدعى أن المجتمع المصرى جاهلى.. وأن الحركة الإسلامية هم فى مقام الطليعة الأولى التى ناصرت النبى (ص) ضد خصومه.. وهذا قياس فاسد.. إذ إن الإسلام ضارب بجذوره فى المجتمع المصرى قبل أن تولد الحركة الإسلامية
2 ــ المبالغة فى خطاب الهوية: حتى فى الفترة التى وصلنا فيها إلى سدة الحكم وآلت إلينا كل مفاتيحه.. واستدعاؤه مع كل خلاف سياسى مع الآخرين.. واستخدامه فى جلب كل خلاف سياسى مع الآخرين.. واستخدامه فى جلب الأنصار وحشد الأتباع من الشباب الغيور على دينه.
3 ــ عدم الانتقال الجيد من فقه الجماعة إلى فقه الدولة فى فترة الحكم.
4 ــ ظهور التفحش فى الخطاب الدعوى: وهذا لم يحدث من قبل فى تاريخ مصر.. والأدهى منه هو تبرير هذا التفحش.. حتى ظهر عبارات «لدى حذاء ألبسه» و«وضع الحذاء على طاولة الحوار».. والشتم والسب بالأسماء على الشاشة وفى المنابر ودخول بعض الدعاة فى مهاترات لا داعى لها.
5 ــ ظهور الخطاب الحربى العدائى: فظهر الخطاب الذى يستلهم مفردات الحجاج بن يوسف ويهدد بقطع الرءوس التى أينعت وحان قطافها.. وأن هناك مائة ألف مقاتل.. وفى النهاية قطعت رءوسنا نحن.. وآخر يهدد «الذى يرش الرئيس بالماء نرشه بالدم».. ونحو ذلك.
6 ــ ظهور الخطاب التكفيرى والتخوينى: مثل «قتلانا فى الجنة وقتلاكم فى النار» ومثل الذى يدعو بالهلكة والثبور وعظائم الأمور على المخالفين له سياسيا.. والأشد نكاية فى الأمر هو تحميل رئيس الدولة مغبة هذا الخطاب المدمر بذكره أمامه.
7 ــ الخلط بين السياسى البشرى المتغير والعقائدى الثابت: فهذا الخطاب حول النسبى إلى المطلق.. والمختلف فيه إلى متفق عليه.. والمتغير إلى ثابت.. والسياسى إلى عقائدى.. والأمثلة عليه أكثر من أن تحصر.
8 ــ الخلط بين الغيبى والبشرى: فالملائكة نزلت فى رابعة.. والرئيس صلى بالرسول (صلى الله عليه وسلم).. ومن يشك فى عودة الرئيس مرسى فعليه أن يراجع إيمانه.. وإذا أشرنا إلى هذه الطائرة بصدق فإنها ستسقط.. ثم لا تسقط ولا يعود د. مرسى.. والغريب أن بعض تلك الترهات كان يطلقها حاصل على الدكتوراه.. والجميع يهلل ويكبر دون أدنى تدبر أو تفكر.
9 ــ التركيز على خطاب الشرعية أو الدماء: فضاعت الشرعية ولم تحقن الدماء وضاعت البلاد دون أن نعتبر بتجربة الجزائر التى تحدَّث عنها الكثيرون قبل ذلك ومنهم العبد لله.