الشرق الأوسط ــ لندن سلام مع الطبيعة - صحافة عربية - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:27 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الشرق الأوسط ــ لندن سلام مع الطبيعة

نشر فى : الإثنين 25 أكتوبر 2021 - 7:15 م | آخر تحديث : الإثنين 25 أكتوبر 2021 - 7:15 م
نشرت صحيفة الشرق الأوسط اللندنية مقالا للكاتب نجيب صعب، يقول فيه إن التدابير التى سيتخذها زعماء العالم فى قمة المناخ فى جلاسكو أول الشهر المقبل، ما هى إلا تدابير مؤقتة ولا تجد حلا دائما لمشكلة تغير المناخ. قائلا إن الحل الجذرى هو إقامة معاهدة سلام بين البشر والطبيعة شارحا كيف يمكن إبرام هذه المعاهدة... نعرض منه ما يلى.
حين تنطلق قمة المناخ فى جلاسكو فى نوفمبر 2021، لا بد من أن تتجه الأنظار إلى معرفة ما سيقدمه زعماء العالم من التزامات جديدة لخفض الانبعاثات الكربونية وتمويل برامج التصدى للتغير المناخى. لكن كل هذه التدابير تبقى محصورة فى معالجة ظرفية للعوارض، وقاصرة عن إيجاد حل دائم لسبب المشكلة، وهو استنزاف الموارد الطبيعية وتدميرها بلا قيود. لذا، فأى حل جذرى لتحديات المناخ والتنوع البيولوجى والتلوث من شأنه أن يرتكز إلى «معاهدة سلام» بين البشر والطبيعة، أى إقامة توازن حقيقى بين التنمية والبيئة.
منذ عام 1970، دخل العالم مرحلة العجز فى الموارد، إذ بدأ حجم الاستهلاك يتخطى قدرة الطبيعة على التجدد. وقد تفاقم الوضع خلال السنوات الخمسين الماضية، بحيث أصبح البشر يحتاجون إلى أرض جديدة، بمساحة إضافية تبلغ 70 فى المائة من أرضنا، لتأمين احتياجاتهم الأساسية وامتصاص فضلاتهم. ولا يختلف العرب عن بقية العالم فى هذا المجال. فقد أظهرت دراسة أجراها المنتدى العربى للبيئة والتنمية (أفد) بالاشتراك مع «شبكة البصمة البيئية العالمية» أن طلب البلدان العربية على منتجات الطبيعة وخدماتها يتجاوز ضعفى ما يمكن للأنظمة الطبيعية فى هذه البلدان أن توفره من موارد متجددة، أو تستوعبه على شكل فضلات.
قد يجد بعضهم فى هذا مبالغة، إذ كيف للعالم أن يستمر بعد 50 عاما من تجاوز الخط الأحمر لقدرة الأرض على الاحتمال؟ الجواب أن الكوارث التى نشهدها اليوم هى من النتائج الأولى لهذا التبذير. فالبشرية أدمنت الاستدانة من الطبيعة بما يفوق قدرتها على تجديد الموارد وتوسيع طاقتها الاستيعابية، وهذا نوعٌ من السطو على حقوق الأجيال المقبلة، لأن ساعة تسديد الدين آتية لا محالة، وهى ستمتد لأجيال. وإذا كانت الدول قادرة على تأجيل ديونها المالية لعقود طويلة، عن طريق مناورات اقتصادية وهندسات مصرفية وطبع مزيد من الأوراق، فهى لا تستطيع طبع هواء وماء وتراب لتغطية تفليسة الطبيعة التى تسببت بها السياسات الخاطئة.
الأرض يجب أن تحتفظ بالقدرة على دعم الحياة وتأمين الموارد وامتصاص الفضلات. خلال الأعوام الخمسين الماضية، شهد الاقتصاد العالمى نموا يقارب خمسة أضعاف، بينما ازداد حجم التجارة ثلاث مرات. وفى حين تضاعف عدد السكان إلى نحو 8 مليارات، تجاوز عدد الفقراء 1.3 مليار والجياع 700 مليون نسمة. خلال الفترة نفسها، تضاعف مرات عديدة حجم الانبعاثات الغازية السامة والمضرة فى الأجواء، إلى جانب النفايات الملوثة على أنواعها على الأرض وفى البحر. كما ارتفع استخدام المساحات الأرضية والموارد الطبيعية 3 مرات.
لكن الصورة ليست محكومة بالسواد الكامل، ولا يزال خيار التغيير متاحا. فقد شهدت السنوات الأخيرة بداية مبادرات للحد من التدهور، من بينها تطوير أنظمة اقتصادية ومالية مستدامة، والتوجه نحو تشجيع الغذاء الصحى وتحسين نوعية المياه وتنظيف قطاع الطاقة. كما انطلقت مبادرات لوقف الانبعاثات بحلول سنة 2050، وتحسين إدارة النفايات، واستهلاك الموارد بكفاءة أعلى مع اعتماد مبادئ إعادة الاستعمال والتدوير، وحماية الأراضى والمحيطات عن طريق استثمارها بأساليب أكثر استدامة. المشكلة أن هذه المبادرات جميعا ما برحت خجولة وبطيئة، يسابقها التخريب المنهجى للطبيعة بوتيرة أسرع.
لقد ارتفع استخراج المواد الأولية وإنتاج الطاقة 3 أضعاف خلال 50 عاما. وتوسع النشاط البشرى المؤثر فى الطبيعة ليغطى ثلاثة أرباع مساحة الأرض وثلثى مساحة المحيطات. علما بأن النشاطات المرتبطة باستخدامات الأراضى مسئولة عن 25 فى المائة من التغير المناخى اليوم. وسيزداد الوضع سوءا مع توقع بقاء ما لا يزيد على 10 فى المائة من الأراضى الطبيعية بحلول سنة 2050.
ويستمر التنوع الحيوى فى الانهيار على نحوٍ خطر ومتسارع، مع دخول مليون من أصل 8 ملايين نوع نباتى وحيوانى فى دائرة الانقراض. ويرجع هذا أساسا إلى النشاطات البشرية غير المنضبطة بحجة تسريع التنمية وتلبية الحاجات الإنسانية.
وقد بينت مراجعة أجراها أخيرا برنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب) تقصيرا فى تحقيق أى من الأهداف الـ11 التى تم الاتفاق عليها قبل ثلاثين عاما للحفاظ على التنوع البيولوجى، وكثير من هذه الأهداف مرتبط بالحد من التغير المناخى، مثل خسارة الموائل الطبيعية والغابات والمناطق المحمية والزراعة ومصايد الأسماك والشعاب المرجانية.
يبقى تعديل علاقة البشر بالطبيعة المفتاح لبناء مستقبل مستدام. لكن هذا التحول يستدعى تغييرا جذريا فى النُظُم التكنولوجية والاقتصادية والاجتماعية، وتبديلا فى الأنماط الاستهلاكية السائدة، التى تعتبر أن استنزاف الموارد بلا حدود ممارسة مقبولة. كما يعتبر البعض أن وضع قيود على بعض الأنماط الاستهلاكية المضرة بالتوازن الطبيعى بمثابة اعتداء على الحريات الشخصية.
علينا أن نتوقف عن خداع أنفسنا بأنه يمكن للتكنولوجيا أن تحل كل أخطائنا وخطايانا. فمن العبث البحث عن حلول مستدامة لتحديات البيئة والتنمية والمناخ قبل أن نرتضى بمعاهدة سلام مع الطبيعة.
النص الأصلى:

التعليقات