محمد جواد ظريف اسم على مسمّى، كان جوادا فى المفاوضات الماراثونية مع الدول الغربية وكان ظريفا فى إطلالاته الضاحكة دائما. الرجل داهية ويستحق جائزة نوبل للحبور، من النادر أن ظهرت له صورة وهو عابس، ففى أحرج لحظات المفاوضات تعمّد إطلاق ابتسامات عريضة.
فى الأيام الأخيرة عندما كانت المفاوضات على الحافة، هلكنا ظريف بتوزيع الضحك، بدا مبتسما فى الطريق إلى القاعة وكاد أن يطقّ من الضحك على الشرفة، وبمقدار ما يبدو النظام الإيرانى عابسا ومتجهما بمقدار ما بدا ظريف مفاوضا مدججا بابتسامة عابرة للقارات.
فى الدبلوماسية الأمريكية نصيحة تقول: «تحدّث بصوت خفيض ولوّح بعصا غليظة»، محمد جواد ظريف يقول: «ينبغى أن تبتسم دائما فى المساعى الدبلوماسية لكن لا تنس أنك تحادث عدوا»، إذا إنه القتال بالضحك، لكن ظريف الذى درس فى أمريكا ثم أصبح سفيرا لبلاده فى واشنطن كان منذ عقدين ونيف يسعى لإعادة ترتيب العلاقات مع واشنطن.
يقول كريم سجادبور المحلل فى مؤسسة كارنجى للسلام الدولى إن ظريف هو أنجح ديبلوماسى حظيت به ايران منذ الثورة، فهو الوحيد الذى يستطيع محادثة جون كيرى اليوم وعلى خامنئى غدا وان يقنع كلا منهما أنه يشاركه وجهة نظره، وهذا يعنى أنه داهية دائم الابتهاج.
لقد أمضى ظريف كل حياته الدبلوماسية خارج ايران ولهذا لديه فهم ممتاز للشئون الدولية، خصوصا انه أجرى اتصالات مباشرة مع مسئولين من أهل «الشيطان الأكبر» على رغم أن هذا الأمر كان من المحرّمات الإيرانية، ولهذا وجد فى صفوف المتشددين فى طهران من اعتبره «أحد أعضاء عصابة نيويورك» التى تضمّ ديبلوماسيين وليبراليين ومؤيدين للمصالحة مع أمريكا والغرب، ولهذا أقاله محمود أحمدى نجاد من منصبه عام ٢٠٠٧ بعدما ظل سفيرا فى واشنطن منذ العام ١٩٨٩.
كان مفاوضا عتيا منذ بداياته، وبقى دائما إلى جانب حسن روحانى، شاركه فى مفاوضات تجرّع كأس السم لوقف النار مع العراق عام ١٩٨٨، ونجح فى اقناع النظام بمساعدة أمريكا ضد «القاعدة» و«طالبان» بعد هجمات ١١ سبتمبر ٢٠٠١، وكان شريك روحانى فى مفاوضات تعليق تخصيب اليورانيوم التى أحبطها أحمدى نجاد عام ٢٠٠٥.
فى طهران ينظرون إليه الآن على انه بطل وطنى، وخصوصا بعد ارتفاع شعبيته فى أوساط الشباب والمثقفين وهو الوزير الإيرانى الوحيد الذى لديه حساب فى موقع «تويتر» الخاضع للرقابة وجذب أكثر من ٥٥٠ ألف معجب.
لا يجادل أحد فى أن النظام الإيرانى يطلّ بصورة متجهمة ومقطّبة وان محمد جواد ظريف ظل يقصف المفاوضين الغربيين بالابتسامات حتى فى ساعات اليأس من الاتفاق إلى درجة تجعله رائد دبلوماسية الحبور الدائم... واضحك تضحك لك الدنيا!
النهار ــ لبنان
راجح الخورى