نشرت صحيفة Pittsburgh PostــGazette الأمريكية مقالا لـ«دان سيمبسون» السفير الأمريكى السابق حول عدة أزمات معرضة للانفجار بثلاث دول أفريقية وتحديدا فى جمهورية الكونغو الديمقراطية وإثيوبيا وجنوب إفريقيا وأثر ذلك على استقرار هذه الدول.
يبدأ «سيمبسون» بالإشارة إلى أنه توجد عدة دول أفريقية تعد بمثابة حجر الزاوية بالقارة وهى جمهورية الكونغو الديمقراطية وإثيوبيا وجنوب أفريقيا تظهر بها بوادر لبداية صراعات ومن المؤسف أن ذلك يحدث فى الوقت الذى ينشغل فيه العالم بالعديد من الأزمات ومن ثم يعجز عن التحرك لتقديم الدعم والمساعدة لمثل هذه الدول.
وبالفعل تشتعل أرجاء العالم بالعديد من الأزمات والتى لم تحل إلى الآن مثل ما يحدث فى أفغانستان، العراق، ليبيا، الصومال، جنوب السودان، سوريا، أوكرانيا، اليمن، هايتى، أجزاء من نيجيريا، فلسطين، وزيمبابوى، وكل ذلك يعد جانبا واحدا فقط وليس جميع جوانب الفوضى التى تجتاح العالم.
***
يوضح الكاتب أنه فيما يتعلق بجمهورية الكونغو الديمقراطية توجد عدة عوامل مسببة للأزمات تعد غير عقلانية على الإطلاق وبخاصة مع ما تتمتع به الكونغو من موارد وثروات، فهذه الدولة ذات الـ80 مليون نسمة قد تم حكمها خلال القرن الـ19 من قبل البلجيكيين والديكتاتور موبوتو سيسى سيكو والديكتاتور لوران كابيلا والآن يتولى ابنه جوزيف كابيلا والذى تم انتخابه عقب اغتيال والده بأيام قليلة وأعيد انتخابه لمرة أخرى، والذى يعد حكمه فاشلا ظالما، وفقا للثروة الهائلة الموجود بالبلاد والتى لم يتمتع بها مواطنوه على الإطلاق.
وتأكيدا على هذه الثروة الهائلة تمتلك الكونغو العديد من المعادن، كالكولتان والنحاس والكوبالت والماس والذهب والفضة والزنك والمنجنيز، فضلا عن الإمكانات التجارية والزراعية الهائلة والأمطار الوفيرة والقدرة الكهرومائية الكبيرة التى تكفى لإضاءة القارة الأفريقية بأكملها، إضافة إلى النفط البحرى ووجود سكان مكافحين مجتهدين، ويؤكد الكاتب فى هذا الصدد بأنه قد عاش هناك لمدة 7 سنوات وليس لديه أى شك حول ما يمكن أن يفعله الكونغوليون إذا ما تمت إدارتهم وحكمهم على نحو رشيد.
وبدلا من استغلال هذه القدرات الهائلة فإن السيد كابيلا لا يهمه سوى البقاء فى السلطة والسير على نهج أسلافه قطاع الطرق وقادة بعض دول الجوار كرئيس زيمبابوى روبرت موجابى (وربما موجابى قد يكون أسوأ منه كثيرا) وسيلفا كير رئيس جنوب السودان. رغم ذلك فإن الأزمة الحقيقة لم تظهر بعد، ومن المتوقع اندلاعها ديسمبر المقبل عندما يتوجب على السيد كابيلا الرحيل وترك منصبه. لكن القتل قد بدأ بالفعل وتحاول خلال ذلك الكنيسة الكاثوليكية التوسط والتهدئة ولكن التوقعات ليست مبشرة وبخاصة بالنظر إلى الماضى القريب العنيف والذى أودى بحياة أكثر من 6 ملايين مواطن كونغولى.
جدير بالذكر أن الكونغو لديها حدود مع 10 دول أخرى مما ينبئ باحتمالات حدوث حرب إقليمية نتيجة لنزاعات حدودية.
***
وفيما يتعلق بإثيوبيا فلديها مشكلة من نوع آخر، فعلى الرغم من مساحتها الكبيرة وموقعها المتميز واستضافتها لمقر الاتحاد الأفريقى الذى يضيف مزيد من الاستقرار عليها إلا انها تعانى بعض المشكلات السياسية فيما يتعلق بتحقيق الديمقراطية.
من جهة أخرى لدى إثيوبيا حدود مع إريتريا ــ والتى قد تم إلغاؤها لمدة 10 أعوام ــ والسودان وجنوب السودان والصومال وجيبوتى وكينيا.
مر على إثيوبيا قادة تركوا سجلا جيدا فى مجال التنمية الاقتصادية ظهرت من خلال النمو الاقتصادى الذى بلغ 10.9% خلال عشرة أعوام، مما أدى إلى رفع معيشة 94 مليون مواطن إثيوبى، مما دعا النظام إلى الادعاء بوجود حكومة ديمقراطية. ولكن جاءت الانتخابات الأخيرة تؤكد على عكس ذلك، وذلك عقب حصول الحزب الحاكم على جميع مقاعد البرلمان.
لكن يبدو أن المشكلة فى إثيوبيا تعود إلى الماضى، فالحكومة مازالت بشكل كبير فى أيدى الأقلية التيجرانية والتى تمثل 6% فقط من السكان. وذلك قد أدى إلى استياء عدد من القبائل الإثيوبية الأخرى والتى تمثل نسبا أكبر منها، كقبيلة أمهرة ــ قبيلة الإمبراطور القديم هيلا سيلاسى ــ والتى جاءت لغة إثيوبيا نسبة لها. وتمثل الأمهرية نسبة 27% من السكان. ومن القبائل التى استاءت أيضا قبيلة أورومو والتى تمثل 34% من السكان. وكانوا قديما يحاولون القضاء على مثل هذا الرفض لوجودهم بالتقدم الاقتصادى الموجود ولكن الآن فى ظل وجود وسائل التواصل الاجتماعى لم يعد ذلك مجديا على الإطلاق. وتأكيدا على ذلك الرفض فالمواطنون لا يهدأون وأعمال الشغب تستمر فى الشوارع وتزداد الأمور صعوبة مع تأكيد التيجرانيين على نيتهم لاستخدام العنف من أجل الحفاظ على موقفهم. ومن المتوقع أن يجبر التيجرانيون ويضطرون للإعطاء والتنازل.
***
ينتقل «سيمبسون» إلى دولة جنوب أفريقيا والتى تعد أكثرهم خطورة (من الكونغو الديمقراطية وإثيوبيا)، وذلك لأن الرهانات والآمال عليها كبيرة للغاية لأهميتها داخل القارة أفريقيا وللعالم أجمع. والتى من المرجح أن تظل القاطرة التى تدفع القارة الأفريقية من حيث القوة الاقتصادية والقيادة السياسية. وقد اعترف المجتمع الدولى بأهميتها من خلال اعتبارها ضمن دول البريكس (كبرى اقتصادات الدول الناشئة) والتى تضم البرازيل وروسيا والهند والصين، وسواء استحقت أم لا فقد تم وضعها بناء على أدائها الاقتصادى.
جدير بالذكر أن جنوب أفريقيا قد واجهت مشكلة كبيرة حينما قامت بالتخلص من نظام التمييز العنصرى وحكم البيض (الأقلية) والتحول إلى حكم الأغلبية من الآسيويين والملونين مما أدى إلى خلق وضع غير مستقر لابد من معالجته من أجل تحقيق الاستقرار والسلام والنمو على المدى الطويل.
وقد اختلط البلد (لم يعد فرق بين أبيض وأسود) بشكل جيد خلال فترة كبيرة وبخاصة خلال رئاسة نيلسون مانديلا ثم ظهرت اختلافات طفيفة عهد ثابو مبيكى ولكنها الآن تدار من قبل الرئيس جاكوب زوما المحتال المجرم.
جدير بالذكر أن الحزب الرئيس الحاكم بجنوب أفريقيا يدعى «المؤتمر الوطنى الأفريقى» والذى قاد البلاد لحكم الأغلبية ومازال فى السلطة يتعرض للطعن المتزايد عليه خلال الآونة الأخيرة. ولكن من المؤسف أن سمعة ذلك الحزب الذى ناضل لإلغاء الفصل العنصرى قد شوهت كثيرا وبخاصة مع الشائعات الكثيرة بفساد السيد زوما.
بشكل عام فإن تبقى على القمة وتتولى الحكم وزمام الأمور فذلك من الأهداف المهمة للغاية للجنوب إفريقيين وللأفارقة عموما ولكن على حزب المؤتمر الوطنى الأفريقى تطهير نفسه من الفساد الذى أحاط به وأن يدرك أنه من الممكن أن يحكم للأبد فى حال تمكنه من استعادة ثقة جميع مواطنى جنوب أفريقيا بمختلف أعراقهم وانتماءاتهم.
***
يختتم الكاتب بالتأكيد على أن هذه المشكلات فى كل من الكونغو الديمقراطية وإثيوبيا وجنوب إفريقيا قابلة للحل، وينبغى على واشنطن توجيه قادة هذه الدول من أجل استقرار هذه البلاد والذى من شأنه مصلحة كل من أفريقيا والولايات المتحدة.