السحر كله فى (غرفة نومى) - سيد محمود - بوابة الشروق
الخميس 26 ديسمبر 2024 2:54 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

السحر كله فى (غرفة نومى)

نشر فى : الثلاثاء 27 فبراير 2024 - 6:55 م | آخر تحديث : الأربعاء 28 فبراير 2024 - 12:44 ص

يكشف العرض المسرحى (غرفة نومى) الذى تقدمه فى مركز دوار الثقافى بالقاهرة فرقة أغلب افرادها من الهواة، الكثير من القضايا المسكوت عنها فى المجتمع المصرى. كما يكشف إلى جانب موضوعاته المهمة عن مواهب متنوعة فى جميع مراحل الصياغة التى انتهت إلى مولد عرض ممتع واستثنائى ساحر بالقياس على تجاربنا المسرحية خلال السنوات الأخيرة.
لم يهدف المخرج محمود سيد الذى درس المسرح فى انجلترا بالحلول الجمالية التى ابتكرها إلى كسر نمطية الشكل المسرحى المعتاد فقط، لأنها قضية تشغل بال المسرحيين جميعا.
كما لم يستهدف تحقيق حالة من حالات كسر الايهام، لأن قراره بعرض المسرحية أمام جمهور يجد نفسه داخل غرفة نوم حقيقية هو قرار كاشف عن رغبته الحارة فى تحويل الغرفة إلى فضاء سينوغرافى متكامل يحتشد بعلامات مسرحية محدودة، استعاض عن نقصها المتعمد بالعلاقة التى تنشأ بين الممثلين والجمهور وهى علاقة تفاعلية نادرة لا تتورط أبدا فى كسر الحالة التى أوجدها حيث تجنب الممثلون الأداء بطريقة كسر الايهام أو المسرح داخل المسرح وحافظوا على المسرح كطقس ساحر. يجد الجمهور نفسه مقيما لمدة ساعتين داخل غرفة النوم ويتحول رغما عنه إلى شاهد عيان أو إلى طرف فاعل يملأ الفراغات المتروكة عمدا فى القصص الاربعة التى يؤديها أبطال العرض بحساسية بالغة سواء فى الكتابة أو الأداء التمثيلى المتفرد...
المؤكد أن المشاهد قد يلمح بعض التأثيرات لقصة الفيلم الشهير (
good luck to you leo grand) إلا أن المعالجة التى تطور أساليب السرد والأداء تم تقديمها بحساسية مدهشة وبالكثير من الخفة الكوميدية رغم شجاعتها فى مقاربة أخطر القضايا المجتمعية.
ومعلوماتى أن جولة جديدة من العروض تبدأها الفرقة اعتبارا من 3 مارس ولمدة 6 أيام وأتوقع أن تشهد إقبالا واسعا بفضل الاهتمام الذى وجده العرض الذى يراهن إجمالا كذلك على صعوبة فكرة البوح ذاتها، والتحديات التى يمكن ان تنشأ عنها، فلا أحد يتحدث إلى من يجاوره الحديث الذى يسهم فى الكشف عما يشغله بالفعل لأن صخب الحياة يأكل هذه الفرصة دائما.
ولعل أكثر ما يلفت النظر أن قصص العرض تم تطويرها فى ورش للكتابة والأداء وبفضل هذا التطوير حدث تفاعل واضح بين الممثلين انعكس على شكل الاداء وسهولته فقد اعتمد فى معظم المشهد على أداء ثنائيات كما لو أننا ازاء نغمة (القرار والجواب / أو تفاعل الصوت والصدى) وذلك باستثناء المشهد الأخير الذى يجمع بين القصص الأربعة وينهيه المخرج بالتأكيد على استمرار لعبة التواطؤ المجتمعى إلى النهاية. ومشكلة اداء الثنائيات تأتى من أنه فى العادة يكون كاشفا عن الكيمياء التى يجمع بين طرفى المشهد وتجلى ذلك واضحا فى الكفاءة البالغة التى أدت بها هالة عمر وهى تقف على المسرح ربما للمرة الأولى مع الممثل فهد ابراهيم الذى يمكن أن يصبح من ممثلى الصف الأول، فقد قدما معا فاصلا من الأداء لا يمكن نسيانه حيث تحاول أرملة التورط فى علاقة مع مدرب رقص احترف اغواء السيدات الأكبر منه عمرا. والميزة أن هذا المشهد شهد انتقالات بين حالات انفعالية متنوعة ومتناقضة أحيانا لكن هالة عمر ومعها فهد تمكنا من الحفاظ على خيط رفيع جدا بين أقصى درجات الكوميديا وأشد الحالات الانسانية ألما وهى حالة الوحدة والافتقاد إلى شريك.
ورأيى الشخصى أن هالة عمر تستحق المزيد من الفرص فقد جاءت إلى التمثيل بعد سنوات من العمل فى مجالات أخرى نجحت فيها نجاحا كبيرا لكنها وجدت فى لعبة التمثيل ما يدفعها إلى إلى عدم التفريط فى هذا العالم الساحر. ولا يمكن للمشاهد أن يمر مرور الكرام على أداء الممثلة السورية ناندا محمد التى تثبت مع كل عرض أنها تنتمى لفئة من ممثلات المسرح العظام اللواتى يندر وجودهن الان، فهى تتحرك على المسرح وتسيطر عليه تماما وتملأ الفضاء بأدواتها التى اشتغلت عليها كثيرا وميزتها، فهى منذ أن جاءت إلى مصر وهى تخوض تحديات المسرح الجاد وتعمل فى تجارب كثيرة تشير إلى تفرد خياراتها الفنية ويستحق جميع أفراد الفرقة تحية خاصة دينا سالم وأيمن جميع وسمر جلال وسارة خليل وسامى داود وناجى شحاته وعمرو حلمى وريم قنديل وايه ترازكى وعزو ويعقوب ياسين لأنهم انصروا فى بوتقة للعمل الجماعى وتصدوا بشجاعة لما يطرحه النص من تحديات.
أما مخرج العرض محمود سيد فقد نجح فى تخطى تحديات المكان المسرحى وكسر الصورة التقليدية لخشبة المسرح، ورسم مسارات الحركة للممثلين لتخطى عقبة وجود الجمهور فى الممرات وعلى السرير الوحيد وإلى جوار الشبابيك وقرب الأبواب والطاولات.
وبدا كما لو أن الجمهور الحى هو قطع من الأثاث أو علامة من بين علامات العرض لذلك تحرك الممثلون داخل فضاء يضفى حميمية واضحة تلائم الفكرة المطروحة حول حدود المشاركة والتعايش داخل مكان له طبيعة خاصة جدا لأنه فى نهاية الأمر يمثل مستودعا للأسرار التى يندر المجابهة بها أو الكشف عنها.