المشهد الختامى للحرب بين إيران من جهة، وإسرائيل والولايات المتحدة من جهة أخرى، يبدو مناسبًا وملائمًا لكل طرف من أطراف الصراع، ليعلن روايته وسرديته الخاصة عن تحقيق الانتصار وإلحاق الهزيمة بالطرف الآخر.
فإيران التى تعرضت لعدوان هائل على مدى 12 يومًا، تستطيع بكل أريحية التحدث عن تمكنها من امتصاص وترويض عواصف النار الإسرائيلية، التى استهدفت مفاصلها العسكرية والنووية والاقتصادية، وأن صواريخها الثقيلة المتطورة، اخترقت بكل سهولة ويسر منظومة إسرائيل الدفاعية بقبتها ومقلاعها وصواريخها الحديثة، لتوجه إلى قلب الكيان الصهيونى ضربات مباشرة وعنيفة وغير مسبوقة فى تاريخه، أدت إلى تدمير هائل وواسع طال أهم مراكزه الاقتصادية والعسكرية والعلمية والاستخباراتية، وأنه مع توالى سقوط الصواريخ، لم يتحمل كتم الألم فصرخ طالبًا المساعدة من أمريكا والغرب لحمايته من «خيبر شكن» وإخوانه!
تستطيع إيران ترديد أناشيد النصر فى ميادينها، بعد تمكنها من إفشال وإجهاض أهداف الحرب التى وضعها الكيان الصهيونى على رأس أولوياته، وأهمها بالطبع القضاء على برنامجها النووى والصاروخى وإسقاط نظامها السياسى، بل إنها استطاعت وضع حد للغطرسة والأوهام الإسرائيلية بالاستفراد والتحكم والسيطرة على المنطقة، والتى تضاعفت لديها بعد استباحتها للعديد من المناطق الرخوة نسبيًا، مثل غزة ولبنان وسوريا واليمن، والتأكيد على أن مكانة ودور طهران فى الإقليم لا يمكن لأحد تقزيمه أو تحجيمه أو حتى تجاهله.
إسرائيل من جهتها تستطيع ادعاء الانتصار فى الـ12 يومًا من المواجهة مع إيران، حيث استباحت وسيطرت طائراتها الحديثة التى تعد ذراعها الطولى على سماء الجمهورية الإسلامية دون رادع تقريبًا، بالتزامن مع إطلاق عملائها وجواسيسها على الأرض، لتكون المحصلة النهائية تدمير هائل فى بنية برنامج إيران النووى وقواعدها الصاروخية ودفاعها الجوى، واغتيال قيادات عسكرية بارزة وذات وزن، وكذلك العديد من عقولها النووية المهمة، فضلًا عن تدمير عدد كبير من مراكزها الاقتصادية والنفطية والإعلامية.
ليس هذا فحسب، بل تستطيع تل أبيب التباهى بتمكنها من تحييد جبهات المحور الإيرانى فى المنطقة خلال أيام المواجهة، عكس ما كان متوقعًا من أنها ستهب بكل ما تمتلك من قوة لنصرة «الأخ الأكبر»، كما يمكنها أيضًا الادعاء أن طهران بعد هذه الحرب باتت تعرف، وتدرك جيدًا الكثير من الخطوط الحمراء التى لا يمكن لها تجاوزها، مثل محاولة تطويق الكيان الصهيونى عن طريق أذرعها العربية أو تطوير وامتلاك أسلحة نووية وصاروخية تخل بتفوق القوة الكاسح لصالح الدولة العبرية.
أما الولايات المتحدة الطرف الثالث فى هذه المواجهة، فيمكنها بالطبع التباهى بأنها كقوة عالمية عظمى متفردة بالسلاح والتكنولوجيا، تستطيع بدء الحروب ووضع حد لها وفق شروطها ومصالحها، ومن ثم فإنها تعتبر هجومها الجوى الواسع الذى أطلقت عليه اسم «مطرقة منتصف الليل»، قد أدى إلى تدمير شامل وناجح للمنشآت النووية الإيرانية فى فوردو ونطنز وأصفهان، وبالتالى القضاء على التهديدات التى كان يشكلها البرنامج النووى الإيرانى عبر إعادته سنوات كثيرة إلى الوراء، وأنه لم يعد هناك مبرر لمواصلة هذه الحرب الضروس، الأمر الذى دفعها إلى إعلان قرار وقف إطلاق النار، وبالتحديد بعد وقت قصير من قيام طهران بـ«رد رمزى» استهدف قاعدة العديد العسكرية الأمريكية فى قطر.
على أى حال، ادعاء كل طرف فى هذه المواجهة انتصاره، ليس أمرًا غريبًا على الإطلاق، بل نراه طبيعيًا إلى حد كبير، لا سيما أن يا منهم لم يسقط الآخر بالضربة القاضية التى تجعله يستسلم ويرفع «الراية البيضاء»، وهو ما يدفعنا إلى التساؤل: هل يعنى انتصار الجميع فى مواجهة الـ12 يومًا، انتهاء الحرب وعدم اللجوء أو الاحتكام للسلاح مرة أخرى؟
بالتأكيد لا.. فما حدث لا يؤسس لأوضاع مستقرة فى الإقليم، خصوصًا أن إيران بعد هذه المواجهة باتت على قناعة تامة وكبيرة بضرورة امتلاك «الرادع» الذى يمنحها الحصانة ويمنع عنها الأذى الخارجى، ونعنى بذلك حيازة السلاح النووى وتطوير قدراتها الدفاعية والصاروخية والجوية، وفق تصريحات الكثير من قادتها، وهو ما يجعلها فى مرمى الاستهداف مجددًا من قبل إسرائيل والولايات المتحدة، وبالتالى فإن وقف إطلاق النار الحالى، لن يكون أكثر من هدنة مؤقتة لمعركة كبيرة مؤجلة أو «استراحة محارب» لفترة قد تطول أو تقصر، وفق تبلور الظروف المناسبة وتطورات الأحداث على الأرض، وما ستتمخض عنه جولات التفاوض المقبلة.