حلم نتنياهو.. وكابوس العرب!‬ - خالد سيد أحمد - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 3:50 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حلم نتنياهو.. وكابوس العرب!‬

نشر فى : الجمعة 27 سبتمبر 2024 - 10:20 م | آخر تحديث : الجمعة 27 سبتمبر 2024 - 10:20 م

قبل نحو عام، تساءل الكثيرون فى هذه المنطقة «أين العرب؟» مما يحدث من مجازر ضد الفلسطينيين، ولماذا لم يهبوا لوقف العدوان الصهيونى؟، وما السر أو المبرر الذى يدفعهم إلى ترك أبناء قطاع غزة فريسة لآلة القتل والدمار الإسرائيلية، ولماذا لم يهرولوا لإنقاذهم من الموت قبل فوات الأوان؟.
بالتأكيد لم يجدوا إجابات شافية، تفسر هذا الصمت على حرب الإبادة الجماعية والتجويع ضد الفلسطينيين، باستثناء بيانات الإدانة والتنديد أو التحركات الدبلوماسية الخجولة، حتى تلاشى السؤال تدريجيا من الفضاء العام، إما إحباطا أو يأسا أو اقتناعا بعدم جدوى البكاء على اللبن المسكوب، لكن الأسئلة المشروعة عادت للتداول مجددا قبل أيام، عندما استدارت آلة الدمار الإسرائيلية لتفعل فى جنوب لبنان ما فعلته فى قطاع غزة، الذى أضحى أثرا بعد عين.
الصمت العربى على إبادة غزة، أدى إلى سقوط ما يقارب من ٤٢ ألف شهيد بينهم ١٧ ألف طفل، ونحو ١٠٢ ألف من الجرحى، وتدمير ٨٠٪ من مبانى القطاع بشكل كلى وجزئى إلى جانب تدمير المستشفيات والمرافق الأخرى والمصانع والورش والشركات، وأضحى أكثر من ٢ مليون فلسطينى نازحين، فيما ذكرت تقارير ودراسات وتقديرات غربية أن تكلفة إعادة إعمار قطاع غزة جراء العدوان الصهيونى، ستتجاوز 80 مليار دولار.
أما على الجبهة اللبنانية التى اشتعلت قبل أيام قليلة فقط، وبالتحديد منذ هجمات البيجر واللاسلكى التى نفذتها الدولة العبرية ضد شبكة اتصالات حزب الله، وما تبعها من عدوان عسكرى إسرائيلى واسع على جنوب لبنان، فقد نتج عنه استشهاد وإصابة آلاف اللبنانيين وتدمير مئات المنازل، ما دفع صندوق النقد الدولى إلى التحذير من أن «الصراع الحالى يخلف خسائر بشرية فادحة ويلحق الضرر بالبنية الأساسية المادية فى جنوب لبنان، ويؤدى إلى تفاقم الوضع الاقتصادى الكلى والاجتماعى الهش بالفعل فى لبنان».
إزاء وضع كارثى مثل هذا، ليس من المستغرب أبدا، عودة التساؤل فى ألم وحسرة وغضب «أين العرب؟»، ولماذا يتركون العدو الصهيونى يكرر ما فعله فى قطاع غزة على أرض لبنان؟، وهل أصبحت أوطاننا مستباحة إلى هذه الدرجة من قبل إسرائيل؟.
تساؤلات مشروعة للغاية من جانب أبناء المنطقة العربية، الذين من حقهم الحصول على إجابات شافية وأفعال حقيقية توقف هذا النزيف الهائل للدم العربى منذ السابع من أكتوبر الماضى، لكن على أرض الواقع، تبدو الصورة مختلفة إلى حد كبير؛ حيث جرت فى الأنهر العربية مياه كثيرة خلال السنوات الماضية، جعلت من قضايا الصراع مع إسرائيل، والتداعيات الناتجة عنه فى ذيل أجندة الاهتمامات لدى بعض الدول العربية، بل إنه أضحى من الخطأ النظر إلى تلك الدول باعتبارها جسدًا واحدًا، فيما يتعلق بكيفية وآلية وطرق التعامل مع انتهاكات وجرائم الكيان الصهيونى بحق الفلسطينيين واللبنانيين وغيرهم من أبناء المنطقة، الذين اكتووا بهذا الورم السرطانى منذ أكثر من 70 عاما.
بوضوح أكثر.. يمكننا تقسيم الدول العربية فى نظرتها لجرائم الاحتلال إلى ثلاثة أقسام.. الأول يحمل قدرا هائلا من الغضب تجاه ما يجرى من جرائم ضد الشعوب العربية على يد إسرائيل، وخشية حقيقية من إمكانية فرضها سيناريوهات خطرة على دول المنطقة مثل التهجير والتوطين، لكنه يجد نفسه مكبلا باتفاقات سياسية سابقة، وأوضاع اقتصادية حالية صعبة، وواقعا عربيا مفككا، تجعله يسخر كل طاقته لتطويق واحتواء حرائق الانفجار فى الإقليم، كما أنه يحسب حركته جيدا حتى لا يستدرج إلى «فخ» لا يستطيع الخروج منه، خصوصا فى ضوء هذا التواطؤ الدولى المخجل مع الجرائم الصهيونية.
القسم الثانى من العرب يعتقد أن العدوان ضد غزة وجنوب لبنان، وغيرها من الجرائم التى ترتكبها آلة القتل الإسرائيلية فى العديد من الساحات العربية الأخرى، ليس سوى مواجهة ساخنة بين مشاريع إقليمية متنافسة ومتصارعة، وتحديدا بين الدولة العبرية من جهة، وإيران عبر أذرعها العسكرية فى المنطقة من جهة أخرى، وبالتالى ليس من الحكمة التورط فيما لا يرغب أو يريد الذهاب إليه، ويرى أنه من الأولى إقدام الجمهورية الإسلامية على المواجهة والدفاع عن أذرعها ومصالحها، لا سيما أنها تعرضت فى الفترة الماضية، لهجمات إسرائيلية فى العمق شكلت جرحا لكبريائها وكرامتها وصورتها كقوة إقليمية مؤثرة.
أما القسم الثالث والأخير من العرب، فهو غارق منذ سنوات طويلة مضت فى مشاكله وأزماته الداخلية وصراعاته وحروبه الأهلية، ومن ثم لا يمكن التعويل عليه فى دعم ومساندة الفلسطينيين واللبنانيين، بل إن أقصى ما يستطيع فعله، هو الدعاء لهم بالثبات والصمود فى وجه العدوان الصهيونى المتوحش.
هذه الصورة العامة للواقع العربى الراهن، توضح إلى حد كبير أسباب غياب موقف عربى حقيقى يتصدى لآلة الدمار الإسرائيلية، وتفسر عدم خشية الكيان الصهيونى المدعوم غربيا وأمريكيا بالمال والسلاح والتكنولوجيا المتقدمة والحصانة السياسية والدبلوماسية من المساءلة والمحاسبة والعقاب عن التوغل أكثر فى الدم العربى، بل إن هذا الوضع العربى المفكك، ربما يكون للأسف عاملا مساعدا ــ ما لم نستفق قبل فوات الأوان ــ فى تحقيق حلم رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو بتغيير وجه وخريطة الشرق الأوسط بقوة السلاح، وهو ما سيشكل بالتأكيد حال تحققه، كابوسا للعرب فى العقود المقبلة.

التعليقات