«روايات الجيب» والوسائط الحديثة! - إيهاب الملاح - بوابة الشروق
السبت 27 سبتمبر 2025 9:26 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

ما هي توقعاتك لقمة الأهلي والزمالك المقبلة؟

«روايات الجيب» والوسائط الحديثة!

نشر فى : السبت 27 سبتمبر 2025 - 7:45 م | آخر تحديث : السبت 27 سبتمبر 2025 - 7:45 م

(1)
.. وما زال الحديث متصلًا وموصولًا عن الكتاب الصادر أخيرًا عن دار الرواق للنشر والتوزيع بعنوان: «بوب فيكشن - كيف غيّرت روايات الجيب حياتى» للكاتب والروائى الموهوب أحمد عبد المجيد؛ يقدّم فيه استعراضًا نوستالجيًا ومسحًا استقصائيًا لمساحات مهمة من تاريخ كتب الجيب، وروايات الجيب، والروايات البوليسية، التى مثّلت العتبة الأولى والنافذة الأولى التى شُرعت لمواليد أواخر السبعينيات ومطالع الثمانينيات، والتى تواصلوا من خلالها مع عوالم الخيال والمتعة والإثارة التى تمنحها «القراءة»، وما تركته من أثرٍ فى حياتهم بعد ذلك، وما لعبته من أدوارٍ وشكّلته من مسارات. لم يخرج كاتب هذه السطور من دوائر تأثيرها، وكانت عاملًا حاسمًا فى احترافه القراءة والكتابة والعمل الصحفى والثقافى عمومًا!


يستفيض مؤلف الكتاب فى الحديث الذى يختلط فيه الذاتى بالموضوعى، والتاريخى بالشخصى، والتوثيقى بالذكريات الذاتية.. إلخ، ليقدّم لنا فيضًا مذهلًا من الكتابة الممتعة «الحنينية» التى تتجاوب مع مشاعر وانفعالات مئات الآلاف من أبناء ما يسمَّى بجيلى الثمانينيات والتسعينيات، الذين يراوحون الآن بين الخامسة والثلاثين والخمسين من أعمارهم فى مصر والعالم العربى، وصاروا ينظرون إلى العقود الفائتة مذهولين من سرعة مرورها واحتشاد ذكرياتها، وأصبحوا يُصنَّفون باعتبارهم ينتمون إلى ما يُسمَّى بجيل إكس (1960-1980) وجيل الألفية (1980-2000)!!


على المستوى الشخصى، يتوج هذا الكتاب فترة من العمر مثّلت ورقة عزيزة جدًا وغالية وحنونة من أوراق ذكرياتنا الأولى، حنيننا إليها لا ينفد: انبثاقات البهجة الأولى والتعرف على العالم، وتفتح العين على شغف القراءة، وارتباط الوجدان بكلمات «روايات الجيب»، و«سلاسل المغامرات»، و«أدب الرعب»، و«الخيال العلمى»، و«الروايات البوليسية» المثيرة، إلخ.


(2)
إنها مرحلة «روايات مصرية للجيب» بامتياز، التى صدر أول أعدادها من سلسلة (رجل المستحيل) فى العام 1984 بعنوان: «الاختفاء الغامض». وغرقنا «لشوشتنا» فى محبة وإدمان روايات نبيل فاروق البوليسية والمخابراتية، وفى الخيال العلمى. وفرضت حضورها وهيمنتها وانتشارها الساحق قرابة عقدين من الزمان، لا ينافسها منافس مهما كان!


وأصبحنا نعيش أحلامنا الفتية وخيالاتنا المتقدة مع «أدهم صبرى» رجل المخابرات المصرى الذى لا يُقهر، ورفيقته الفتاة الجميلة الرقيقة منى توفيق التى بكينا على ما ظنناه وفاتها فى الثلاثية الشهيرة (الأعداد 42، 43، 44). ثم نعبر أنهار الخيال والسفر عبر الزمن مع فريق «نور الدين» العلمى الجبار الذى يسافر عبر الزمن ويسقط فى هوة النسيان، ويقاوم الغزو الفضائى للأرض، ويكتشف البطل الخارق (س-18) الذى كان هدية صناع أتلانتس إلى الفراعنة الأفذاذ!!


عن هذه المرحلة يقول أحمد عبد المجيد: «طوال خمس سنوات، من سن التاسعة وحتى الثالثة عشرة أو الرابعة عشرة من عمرى، قرأت مئات من تلك الكتيبات الممتعة. ومع كل كتيب، كنت أعيش مشاعر سعادة وشغف لا توصف وأنا أتصفحه، وتجرى عيناى على سطوره، وبداخلى تتردد الأسئلة: من ارتكب الجريمة؟ كيف ستنجو الشخصية من هذا المأزق؟ هل سأسبق البطل فى حل اللغز؟ ماذا سيحدث بعد ذلك؟».


أجيال كاملة أحبت القراءة وتشكل وعيها من خلال هذه الأعمال. بعضهم أكملوا الخط إلى نهايته وصاروا كتّابًا - مثلما فعلت أنا، ومثلما أصبح مؤلف الكتاب - وبعضهم خاضوا الحياة متسلحين بالخيال وحب القراءة اللذين اكتسبوهما من تلك الكتيبات.


(3)
لا أتردد فى القول إن هذا الكتاب المهم سيكون محور أحاديث ومناقشات عديدة لشهور طويلة قادمة؛ فالموضوع يتجاوز فكرة «التأريخ» و«التوثيق» لكتب الجيب، وبالتحديد ما عُرف بروايات الجيب خلال عقدى الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضى على يد الراحلين الكريمين نبيل فاروق وأحمد خالد توفيق، إلى ما أحدثاه من تأثير مذهل وعميق وشديد الاتساع والامتداد فى جيلين أو ثلاثة أجيال على الأقل خلال الفترة من منتصف الثمانينيات (وتحديدًا العام 1984 الذى ظهرت فيه للمرة الأولى روايات مصرية للجيب) وحتى أواخر تسعينيات القرن الماضى.


وحينما أفرزت ثورة المعلومات والاتصالات وانفجار الوسائط الحديثة أشكالا أخرى للنشر (المواقع الإلكترونية والمدونات، على سبيل المثال) بدأت تزاحم الشكل التقليدى لكتب الجيب، وتتسبب فى انحسارها رويدًا رويدًا، وإن لم تقضِ عليها تمامًا أو تتسبب فى اختفائها أو اندثارها.


وأتصور أن المرحلة التى نحياها حاليًا بدأت فى تخليق وإفراز أشكال من صناعة المحتوى، وتمهيد الطريق للبحث والمعرفة والقراءة (نفس الأهداف التى كانت تتغياها كتب الجيب منذ أول ظهور لها فى الثقافة العربية وحتى نهاية القرن العشرين) من خلال الوسائط الحديثة الصوتية والمرئية والذكاء الاصطناعى. وأعتبر أن ظهور ما يسمى بالـ«ريلز» أو الفيديوهات القصيرة، أو المحتوى المركّز المكثّف مكتوبًا كان أو مسموعًا، ما هو إلا تطوّر فى الشكل والوسيط والنافذة العارضة ليس إلا.


(4)
إن هذا الكتاب «محاولة تذكير بأعمال البدايات التى أمتعتنا، رسالة تقدير لأعمال جميلة منحتنا البهجة بلا حدود، وسعى لفهم العوالم التى ساهمت فى تنشيط حواس الاستقبال وتفعيل طاقة المخيلة، وتمهيد الطريق لتشكيل عقولنا وتفتح وعينا فى مرحلة مبكرة وحرجة من أعمارنا».. وقد أصاب هدفه، وأدى مهمته على أكمل وجه، وبنجاح منقطع النظير.