حدثتكم مرة عن السباق المحموم بين سيدتين من قريباتنا الفضليات، تخرجتا فى كليتين من كليات القمة وتزوجتا بعد تخرجهما بقليل، وقد صار لكل منهما الآن خمسة أبناء، وقلت لكم إن إحداهما تمكنت من توجيه طعنة نجلاء للثانية حين أخفت عنها خبر حملها لعدة شهور، لكن الأخيرة لم تستسلم، وقررت أن ترد على الغدر بمثيله، فحملت بعد علمها بالخبر بشهر واحد، وأمس الأول، زفّت الأولى إلينا خبر قدوم طفلها السادس، ووعدتنا أن تواصل المسيرة، مادام فيها رحم ينبض، وبويضات قابلة للتخصيب، وبشّرتنا الثانية فى اتصال هاتفى مباغت، أنها ستلد بعد ثلاثة أشهر حسب تأكيدات الطبيب، وكررت ما قالته الأولى فى حسم جازم، وزادت عليه أنها ستواصل الإنجاب حتى آخر نفس فى حياتها!.
كنت قبلها بلحظات أقرأ تصريحات ماجد عثمان مدير مركز معلومات مجلس الوزراء، والتى قال فيها إننا نزيد اثنين ونصف مليون نسمة كل سنة، وأننا نحتاج أن نهبط بهذا المعدل إلى النصف حتى تظل حالنا على ما هى عليه من السوء ولا تزيد تدهورا، وأن معدلات زيادة المواليد تتجاوز معدلات بناء المدارس بأكثر من الثلثين تقريبا، وأن استمرار الزيادة السكانية بهذه الطريقة يعنى أننا مقبلون على كارثة، وفى حالة نجاح الحملة القومية للسكان سيصل عدد سكان مصر إلى 120 مليون نسمة عام 2050، وفى حالة فشلها، سنصل إلى 150 مليونا.
أخذت سماعة التليفون من زوجتى التى كانت منغمسة فى عبارات المجاملة المعتادة فى مثل هذه الظروف، وصحت فى قريبتنا بغضب: حرام عليكم، هذه جريمة نرتكبها فى حق أنفسنا، وكلنا بندفع فواتيرها، زحام فى الشوارع، تكدس فى المرور،انهيار فى التعليم،زيادة فى البطالة، انتشار للجريمة، حتى أماكن الفسحة والاستجمام لم تعد تطاق، اتخنقنا.
ردت علىّ بهدوء يغيظ: هو احنا اللى بنرزقهم خليها على الله،وبعدين بدل ماتقوللى الكلام ده قول للحكومة بتاعتك تبطل نهب وسرقة.
طبعا أنا قلت للحكومة «بتاعتى» ما أرادته قريبتى وأكثر، لكن الشعب «بتاعى» لابد أن يتوقف عن كثير من عاداته السيئة وأولها كثرة الخلفة، عليه أن يفكر فى حياته بطريقة «اعقلها وتوكل» لا بطريقة «خليها على الله»، عليه أن يكون أكثر حرصا على الوقت، وأكثر إتقانا للعمل، وأكثر إحساسا بالآخرين، عليه أن يدرك أن الحكومات والأنظمة مهما طال أمدها وامتد بطشها إلى زوال، أما هو فسيبقى، وسيجنى ما زرعته يداه.
هذا بعض مما لا يود المستمعون سماعه.