كلما رزق الله ابنا أو ابنة من العائلة أو أصدقائها حرصت على معرفة اسم المولود الجديد ذكرا كان أم أنثى، وهذه طبيعة اهتمام لازمنى منذ سنوات معدودة حين بدأت أتأمل فى دلالات الأسماء كلَّ حقبة وأحاول وضعها فى سياق المشهد السوسيولوجى والسياسى العام للوقوف على اتجاه الواقع المجتمعى فى هذه الحقبة أو تلك.
فالأسماء التى تشيع فى مرحلة وتختفى فى مرحلة لتحل محلها أسماء وتنتشر لمواليد حقبة أخرى لا تأتى من فراغ بل لها دلالاتها على أكثر من صعيد سياسى واجتماعى وغيره.
فعندما شاع فى البحرين مثالا لا حصرا اسم جميلة فى أوائل الستينيات كانت له دلالاته القومية «جميلة بوحريد» المناضلة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسى، كذلك عندما اختفى الاسم ايضا للاختفاء دلالته فى ذات السياق.
وبعض الأسماء شاعت لزعماء رغم أن زعامتهم متواضعة مثل عبدالسلام عارف، الذى اختار الناس لأبنائهم اسم عارف وانتشر لكن اتضح لنا فيما بعد تواضع ذلك الزعيم من حيث الوعى والحنكة السياسية والثقافية.
وبعض الزعماء العرب حازوا شهرة وإعجابا جماهيريا لكن أسماءهم لم تطلق بكثرة على ابناء تلك المرحلة التى شهدت بروز نجمهم فى سماء الإعلام العربى مقارنة بأسماء الممثلين والممثلات الذين شكلت أسماؤهم موضة حقبة من الحقب العربية التى عشناها آنذاك.
وسوف نلاحظ أن الأسماء التقليدية الخليجية حافظت على مكانتها بل عاد انتشارها بقوة خلال العقود الأربعة الأخيرة، وإن جاءتها مرحلة تراجعت وكادت أن تختفى أمام مد أسماء حقبة التمدن التى ارتفعت فيها بورصة أسماء مثل نبيل وسمير وشوقى وغيرها من أسماء لن نجد لها فى الخليج تاريخا فى شجرة العائلات التى اختارت تلك الأسماء لمواليدها فى ظاهرة التمدن الجديد يومها.
وكذلك أسماء الفتيات جرى عليها ما جرى على أسماء الأولاد، ثم عادت الأسماء التقليدية ذات الجذور التاريخية فى الأسرة الخليجية إلى الصدارة وما زالت مع استثناءات قليلة لا سيما للفتيات.
وجاءت فترة من الفترات فى الستينيات ونحن لم نزل بعد فى المرحلة الثانوية أن شاعت أسماء أجنبية لبعض الشباب البحرينيين، فقد اختاروا لهم «نيك نيم» إن صحت التسمية نظرا لولعهم وشديد إعجابهم بالأجانب الغربيين وشاع اسم «جيمى وجونى» من بين الأسماء الأجنبية التى تلقب بها البعض، ورحم الله «جيمى» ابن حالة بو ماهر الذى أولع بالغربيين وعاش لفترة معهم فأطلق على نفسه اسم «جيمي» وكان به سعيدا يشعر أنه غادر حالة بو ماهر وأصبح غربيا بعد هذا اللقب ولله فى خلقه شئون، ولم يكن صاحبنا وحيدا فى ذلك فله اشباه كثر.
واختيار الاسم الأجنبى له دلالته بلا شك، وهى هنا دلالة سوسيولوجية «اجتماعية» تعكس حالة ولا تعكس ظاهرة حيث لم تنتشر لتكتسب صفة الظاهرة، وهى حالة لها أسبابها ودواعيها والعوامل التى ساعدت عليها.
ربما كانت البوصلة ضائعة فى الأسماء آنذاك وفى مرحلة عربية مرتبكة ما بين مدنيتها فى مفهوم مدنى قاصر وما بين جذورها التقليدية ولم تستطع التوفيق بين المرحلتين، رغم العقل العربى التوفيقى بامتياز أو بالأدق رغم انتشار وتمكن الثقافة التوفيقية فى المجتمع العربى.
وها قد عدنا كما سبقت الاشارة إلى الاسماء التقليدية والقديمة فى ظاهرة مجتمعية خليجية شبه عامة، وقد يعانى الولد او البنت التى اختار لها والدها اسما تقليدا تيمنا باسم جدته «ميثه» مثلا فيما هو الأب يحمل اسما حداثيا مثل سمير أو فريد ليصبح اسمها «ميثه فريد» او «ميثه سمير» وهو تضاد واضح لكنه فى النهاية اختيار مرحلة وكل انسان فينا ابن مرحلته وانعكاس لها.
وتظل الأسماء كما قلنا ونقول مؤشرا سوسيولوجيا للمرحلة يمكن من خلالها التعرف على تضاريس المرحلة على أكثر من صعيد ومن جانب.