كنت وما زلت من محبى أ.د محمد مختار المهدى، إمام الجمعية الشرعية والأستاذ بجامعة الأزهر.. وكنت كلما قابلته قبّلت يده قائلا: لا تظن أنى أقبل يدك من أجل علمك أو فقهك.. فمثلك كثيرون فى ذلك لا أقبل يدهم.. ولكنى أقبل يدك إجلالا لدورك ودور الجمعية الشرعية فى رعاية وتربية قرابة ثلاثة أرباع مليون يتيم على مستوى الجمهورية.. فأنتم داخلون ضمن الحديث النبوى الرائع «أنا وكافل اليتيم فى الجنة كهاتين» فيبتسم ثم يحتضننى فى حب.
تذكرت ذلك بعد أن صدمنى قرار تجميد أرصدة الجمعية الشرعية مع جمعيات أخرى مماثلة سأكتب عنها قريبا.
لم أتصور أن يصدر مثل هذا القرار البائس فى مصر.. فلم يحدث ذلك فى عهد عبدالناصر ولا السادات ولا مبارك.
فالجمعية الشرعية هى مأوى الفقراء واليتامى والمساكين فى كل مكان.. وهى لا تفرق بين مسلم ومسيحى إذا احتاج إلى عونها.. ولا تسأل عن دين الطفل المبتسر الذى يريد أن يدخل الحضانة.
فكم قال لى آباء الأطفال المبتسرين إنه لولا الجمعيات الخيرية مثل الجمعية الشرعية التى اشتهرت مستشفياتها بالحضانات ما وجد الفقير له مكانا فى الوقت الذى تتعطل فيه بعض حضانات المستشفيات الحكومية عمدا أو إهمالا بالأسابيع والأشهر مع ارتفاع كلفة الحضانات الخاصة.. فهناك أكثر من عشرة آلاف حضانة لدى الجمعية الشرعية وحدها ولديها 30 مستشفى متخصصا على أعلى مستوى فى معظم محافظات الجمهورية.. وهى التى كانت دوما تتحمل مسئولية الدعوة الوسطية فى ظل الظروف الصعبة التى كانت تمر بها مصر.
فالجمعية تعطى قرابة 2200 درس دينى وسطى فى العام الواحد بعيدا عن الحزبية المقيتة والتعصب أو التطرف.
يا قوم: إذا احتاج الفقير إلى العلاج والدواء فلم يجده فماذا يفعل؟
إنكم تدفعون الناس للثورة أو الجوع.. ما ذنب بنك الطعام حتى يحدث له هذا التجميد.. وهل خطأ بعض موظفيه يعمم عليه العقاب هكذا.. ألم تقرأوا قوله تعالى «أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى.. وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى»؟
يا حكومة: إذا تطرف الناس فلا تتطرفى.. وإذا غضب الناس فأين حكمتك.. وإذا طاش عقل الناس فأين عقلك.. لماذا العجلة والتسرع والقرارات غير المدروسة.. أيتها الحكومة هل تعلمين أنه لولا مراكز الكلى للجمعيات الخيرية بمختلف أنواعها ما استطاع المرضى الفقراء أن يواصلوا حياتهم؟
لقد وصلت بعض المستشفيات الحكومية إلى قمة الإهمال فى الخدمات الصحية.. فضلا عن المعاملة السيئة وضعف الإمكانيات وتزويغ الكثير من الأطباء.
لقد افتتحت الجمعية الشرعية عدة مخابز منها مخبز قريب من عيادتى.. يعطى الخبز مجانا لأسر الأيتام والفقراء الذين تتكفلهم الجمعية فى سابقة فريدة فى مصر.. فلا يرهقهم همّ الشراء ولا همّ الطابور.
وقد أنشأت 700 محطة لتنقية المياه فى القرى النائية.
ولذا فإننى أناشد الحكومة الرجوع عن قرارها الخاطئ بتجميد أموال الجمعيات الخيرية الإسلامية.. وعلى رأسها الجمعية الشرعية وأنصار السنة وبنك الطعام وغيرها ممن لا يتسع المقام لذكرها.. خدمة للحكومة نفسها فى المقام الأول؛ لأنها فى الكثير من الأحوال لا تعرف مصلحتها، كما لا تعرف كثير من القوى السياسية المصرية مصلحتها أيضا.
إننا نضر أنفسنا قبل أن نضر غيرنا..
يا قوم لا تكونوا مثل الدبة التى قتلت صاحبها.. وإياكم واليتيم والفقير والمسكين والأرملة.. لأنهم أحباب الله وأولياؤه.. وحذارِ من سخطهم فقد يكون فيه سخط الله.