بينما تستعد الولايات المتحدة لتولى رئاسة مجلس القطب الشمالى، حان الوقت لتقييم الولايات المتحدة من حيث قدرتها والتزامها بقيادة المنطقة. وفى حين أن هناك العديد من العناصر المهمة فى قيادة القطب الشمالى، واردة فى الاستراتيجية الوطنية الأمريكية نحو القطب الشمالى، فإن المقياس النهائى لقدرة الدولة على القيادة لا يأتى من السياسة وحدها، بل أيضا من استعدادها لتخصيص الموارد اللازمة لتعزيز المصالح الوطنية وتشكيل قواعد عالمية مواتية للسلام والاستقرار، والمسئولية. وفى هذا السياق، لم تبرهن الولايات المتحدة بعد على وجود التزام قوى لقيادة القطب الشمالى فى القرن الحادى والعشرين. ولعل أوضح مظاهر ذلك ضعف أسطول السفن كاسحات الجليد الأمريكية، الذى يتكون حاليا من كاسحة جليد ثقيلة واحدة فقط، مع عدم وجود استراتيجية وطنية ذات مصداقية للمحافظة على هذه القدرة، ناهيك عن توسعتها.
وعلى الرغم من أن إطار مجلس القطب الشمالى يركز تحديدا على المصالح غير العسكرية المشتركة، فمن الخطأ افتراض أن تكون المنطقة فى مأمن من الحوادث فى المستقبل، سواء من الزيادات فى السياحة والشحن، وتطوير الطاقة، أو حتى صراع جيوسياسى محدود. ويجب على الولايات المتحدة الحفاظ على قدرة كاسحات الجليد الثقيلة لضمان سهولة الوصول إلى المنطقة على مدى السنة وتكون جاهزة للرد فى حال تهديد السلامة أو الأمن أو التهديد البيئى.
***
وبينما لا يزال النشاط التجارى فى منطقة القطب الشمالى محدودا اليوم، تشهد علامات زيادة الاستثمار الاقتصادى ارتفاعا، بما فى ذلك إعلان رويال داتش شل نوايا استئناف الحفر فى منطقة القطب الشمالى فى وقت لاحق من هذا العام، واعتزام كريستال كروز العبور فى عام 2016 من الممر الشمالى الغربى بسفينتها السياحية كريستال سنيريتى التى يبلغ ارتفاعها لها 820 قدما بحمولة ألف راكب. ويعتبر البحث عن الموارد الهائلة غير المستغلة فى القطب الشمالى وفتح الممرات البحرية بداية لمستوى غير مسبوق من مستويات النشاط البشرى.
وقد اقترح البعض أن تستثمر شركات مثل شل فى كاسحات الجليد الخاصة بها، وقدرات التعامل مع حالات الطوارئ الخاصة بالحفر فى منطقة القطب الشمالى، بحيث تكون رصيدا للحكومة الأمريكية وقت اللزوم. وهذه رؤية قصيرة النظر تعجز عن إدراك المخاطر الأساسية المرتبطة بترك قدرات الوقاية والاستجابة للقطاع الخاص فقط.
وفى حين لا يوجد لدى كاسحة جليد واحدة الكفاءة ولا القدرة على تنظيف تسرب نفطى كبير فى القطب الشمالى، أو فى أى مكان آخر، فهناك بعض السيناريوهات يمكن أن تساعد على منع حدوث التسرب فى المقام الأول، والتخفيف من شدة تسرب، وتوفير وسيلة لضمان الرقابة الحكومية على المشهد والسيطرة على أى حادث.
وبالنسبة للسياحة فى القطب الشمالى، من المهم أن ندرك أن عملية إنقاذ جماعية تشمل مئات من الركاب على متن سفينة سياحية ــ أحد السيناريوهات الأكثر صعوبة للبحث والإنقاذ المهنيين ــ تصبح أكثر صعوبة فى البيئة القطبية النائية والصعبة.
***
وأخيرا، يمكن أيضا تصور سيناريو مستقبلى ــ على الرغم من أنه مستبعد فى المدى القريب ــ تحتاج فيه السفن البحرية الأمريكية الوصول إلى القطب الشمالى، ويكون من الضرورى وجود كاسحات الجليد لتنفيذ هذه المهمة. ولعل هذا احتمال بعيد فى وضع القطب الشمالى الحالى، ولكنه من الطوارئ التى ينبغى إعداد الأمة لها فى المستقبل.
وتعتبر سفينة النجم القطبى التابعة لخفر السواحل ويقترب عمرها من 40 عاما من العمر، كاسحة الجليد الامريكية الوحيدة التى يتيح لها حجمها وقوتها الوصول غير المقيد إلى المناطق القطبية. ويتكلف إعادة تنشيط هذه السفينة، التى بنيت فى السبعينيات ما يقرب من 60 مليون دولار، ومن المقدر أن يمتد عمرها من سبع إلى عشر سنوات، فقط. وهذا يمثل تحديا صعبا وفريدا من نوعه فى حالات الطوارئ، فإذا تعرضت ــ على سبيل المثال ـ السفينة لعطل ميكانيكى وعلقت فى الجليد، ليس لدى الولايات المتحدة الوسائل لإخراجها وربما تضطر إلى طلب المساعدة من بلد أجنبى. وقد صرح قائد خفر السواحل الأميرال بول زوكونفت بأنه «لا يوجد لدى خفر السواحل إنقاذ ذاتى فى مهمة بالقطب الشمالى، أو فى القطب الجنوبى».
وبينما تعمل العشرات من كاسحات الثلج الصغيرة والمتوسطة الحجم بنجاح فى أجزاء أخرى من العالم، فإن الوصول غير المقيد إلى القطب الشمالى فى أى وقت من العام يتطلب الكاسحات الثقيلة التى تتجاوز قوتها 45 ألف حصان. وبالإضافة إلى ذلك، تحتاج الولايات المتحدة أيضا إلى قدرة كاسحات الجليد الثقيلة من أجل مهمات مثل إعادة التموين السنوى لمحطة ماكموردو فى القطب الجنوبى، وهى عملية برعاية مؤسسة العلوم الوطنية ويتولى خفر السواحل تنفيذها.
فإذا كان ضمان القدرة على الوصول إلى أى منطقة من مناطق العالم مبدأ أساسى من مبادئ سياسة الأمن القومى الأمريكى لعقود، وينبغى ألا يكون القطب الشمالى استثناء. وتتخلف الولايات المتحدة عن دول القطب الشمالى الأخرى، مثل روسيا، التى أظهرت التزاما دائما بضمان الوصول إلى القطب الشمالى بكاسحات الجليد الثقيلة.
***
وربما تعتبر هذه الاستثمارات متناسبة مع حجم الساحل القطبى الشمالى لروسيا وترتبط بالمنطقة الاقتصادية الخاصة بها، وكلاهما أكبر بكثير من مثيله فى الولايات المتحدة أو أى دولة أخرى فى القطب الشمالى. ولا شك أن هناك إمكانية لمناقشة عدد كاسحات الثلوج الثقيلة التى ستحتاجها الولايات المتحدة فى المستقبل. وخلصت دراسة أعدها خفر السواحل عام 2011 إلى أن الوفاء بمفهوم العمليات البحرية 2010 الذى يدعو إلى التواجد المستمر، على مدى العام فى كل من المنطقتين القطبيتين سيتطلب ستة كاسحات ثقيلة وأربع كاسحات متوسطة. وكذلك، أشارت الدراسة إلى أن هناك حاجة إلى ثلاث كاسحات ثقيلة وثلاث متوسطة للتواجد فى القطب الشمالى.
ويمثل استبدال سفينة النجم القطبى تحديا فريدا من نوعه. فلم يتم بناء مثل هذه السفن منذ أربعة عقود فى الولايات المتحدة، وتشير معظم التقديرات إلى أن بناء سفينة واحدة فقط فى حوض أمريكى لبناء السفن يحتاج إلى برنامج مدته عشر سنوات بتكلفة مليار دولار تحت سيطرة كاملة من الحكومة الاتحادية. ويوضح هذا أهمية الحصول على سفينة جديدة بعد الفترة الباقية من العمر الافتراضى للنجم الجنوبى أمرا ملحا.
وباختصار، ينبغى أن يكون للولايات المتحدة القدرة على الوصول إلى المناطق القطبية ودخولها بشروطها الخاصة. ولا يوجد كيان أفضل من حرس السواحل الأمريكى لتحقيق هذه الضرورة من ضرورات الأمن القومى حيث يمتلك السلطة والروح التنظيمية لتوفير درجة عالية من السلامة، والأمن، والمصالح البيئية دون أن يصحب ذلك تهديد بصبغة عسكرية مفرطة. ويبقى خفر السواحل أيضا واحدا ضمن عدد قليل من الجهات الحكومية القادرة على التعاون مع الروس، استنادا إلى سنوات من التعاون البحرى مع حرس الحدود.
وفى حين تبدو الحاجة للاستثمار فى كاسحات الجليد واضحة، يفتقر خفر السواحل إلى الموارد اللازمة للاعتياد على ذاته فى هذه المهمة. حيث تعتبر هيئة خفر السواحل، التى تعانى من نقص تمويل مزمن، الحصول على كاسحة جليد جديدة يأتى فى ترتيب بعيد ــ فى أحسن الأحوال ــ عن ضرورات استثمار أخرى. حيث تعتبر القواطع متوسطة التحمل حجر الزاوية فى مهمات خفر السواحل فى الخارج فى نصف الكرة الغربى، بل أنها صارت أقدم من كاسحات الجليد. ومن ثم، يعتبر الأولوية الأهم استبدال هذه القواطع التى صنعت فى الستينيات. والسؤال هنا ليس ما إذا كان خفر السواحل يريد كاسحات جليد جديدة، بل كيف تأتى الكاسحة الجديدة فى مواجهة أولويات أخرى، أكثر إلحاحا فى ظل القيود الحالية فى الميزانية.
***
ولعل الحل التمويلى الأنسب هو الذى يعكس مدى اتساع المصالح الحكومية الأصلية فى القطب الشمالى، بما فى ذلك السلامة، والأمن، وحماية البيئة، وتسهيل التجارة البحرية والتنمية الاقتصادية المسئولة، والدفاع الوطنى، والبحث العلمى. وبعبارة أخرى: التمويل من أجهزة الحكومة لتقديم، ثروة وطنية متعددة المهام.
وتعتبر الولايات المتحدة «دولة قطب شمالى»، وهو مصطلح يستخدمه بفخر، صناع القرار لتسليط الضوء على مصالحنا الوطنية الجوهرية فى المنطقة والاعتراف الأساسى والمهم بأن ألاسكا والأراضى المرتبطة بها فوق الدائرة القطبية الشمالية هى فى الواقع جزء من الولايات المتحدة. ولسوء الحظ، لم تتجاوز الولايات المتحدة هذا الوضع الأساسى لأصحاب المصلحة إلى مستوى قيادة استباقية ووضع الاستثمار من أجل المستقبل. ولدى الولايات المتحدة تراث مصالح موثق جيدا فى القطب الشمالى، مع عدم وجود توافق فى الآراء على جعله أولوية وطنية فى سياق الميزانية الحالية.
وفى نهاية المطاف، يجب أن تصبح كاسحات الجليد القطبى موضوع المناقشات الجادة للموارد، ويجب أن تحظى فى النهاية بدعم واسع من الحزبين. فى ذلك الوقت، ينبغى تخصيص تمويل إضافى لخفر السواحل لدعم امتلاك كاسحات الجليد الثقيلة التى تشتد الحاجة إليها، ولكن ليس على حساب برامج أخرى تتطلب تمويلا أكثر إلحاحا. حتى ذلك الحين، دعونا نكون أكثر واقعية حول قدرتنا والالتزام بالقيادة فى القطب الشمالى.
جيسون تاما، وهيزر جرينلى وديفيد باراتا