شاركت قبل عدة أيام فى أحدى الندوات المصاحبة للدورة 19 لمعرض الإسكندرية الدولى للكتاب الذى تنظمه مكتبة الإسكندرية، وقد شهد معرض هذا العام تطورات إيجابية كثيرة، وشمل برنامجه الثقافى الكثير من الندوات المهمة التى شارك فى حضورها الكثير من الأسماء المؤثرة فى الحياة الثقافية.
ولكنى لاحظت - ولا شك أن غيرى قد لاحظ - تراجع مساهمات مبدعى الإسكندرية فى المعرض، وهى مسألة تستدعى الاهتمام والتفكير خاصة أن الإسكندرية ليست مدينة هامشية، وإنما هى مدينة مركز فاعل فى عصب الثقافة العالمية، كما تمتلك قائمة من الفاعلين الثقافيين والمبدعين فى مختلف المجالات، ومن ثم فإن عدم الالتفات إلى وجودهم أمر يحتاج إلى مراجعة.
وكلى ثقة أن مدير المكتبة الدكتور أحمد زايد عالم الاجتماع الكبير سيضع هذه الملاحظة موضع الاهتمام ليزيد من أثر المكتبة فى محيطها العام خاصة وأنه بذل جهدا خارقا فى متابعة الكثير من ندوات المعرض التى أعدها فريق متميز، كما يسعى دون كلل أو ملل إلى زيادة الميزانيات المخصصة لبرامج القراءة، كما أعلن مسابقات متعددة هدفها الرئيس هو تنمية عادات القراءة وجذب شرائح جديدة من القراء الشباب.
ومن بين الندوات التى أتيح لى حضورها وأرغب فى التوقف أمام ما دار فيها من نقاشات، ندوة حول أدب الرعب، وهو موضوع يستحق الاهتمام والمتابعة والتحليل نظرًا لتأثير مؤلفى هذا النوع من الأدب على أسواق النشر والتوزيع واتجاهات القراءة ليس فى مصر وحدها وإنما فى أغلب دول العالم.
ويعلم المتابعون أن غالبية مبيعات الكتب اليوم تكاد تنحصر بين كتب الجريمة وأدب الرعب لأسباب مختلفة وقد حرصت على متابعة النقاش الدائر فى الندوة لأن ما قرأته حول هذه الظاهرة لم يشبع اهتمامى ولم يجب عما يشغلنى من تساؤلات، فأردت التعرف على حجمها الحقيقى بالاستماع مباشرة لبعض نجومها المؤثرين، وأغلب هؤلاء حقق جماهيرية كبيرة، وكثيرون منهم يعتبرون أنفسهم تلاميذ فى مدرسة أسسها الراحل أحمد خالد توفيق والدكتور نبيل فاروق.
وبعيدًا عن الشهادات التى صدرت عن المؤلفين والمؤلفات ممن شاركوا فى الندوة؛ فإن ما أثار اهتمامى حقا هو وعى القراء الذين حضروها وتحدثوا فيها، فقد روى الكثير منهم أسباب ارتباطه بأدب الرعب وشغفه بمحتواها وجاءت الأسباب لتكشف الفهم المحدود لقيمة الأدب بشكل عام ولوظائفه المعرفية ومعايير تصنيفه إلى جانب انعدام الخبرة الجمالية ذاتها التى يحتاجها كل قارئ حقيقى.
وقد روت واحدة من الحضور تجربتها فى كتابة رواية رعب تدور حول مطاردات يقوم بها أفراد من الجن لمحاصرة بطلها الرواية لكن المؤلفة أعلنت أنها كلما رغبت فى كتابة فصل معين كان جهاز الكومبيوتر يتعطل دون أى أسباب مفهومة لكنها ردت أسباب العطل إلى حضور الجن فى النص، كما أكدت أن زميلة لها قرأت مسودة الرواية، وأفسد الجن حياتها تماما وتشعبت الأحاديث حول الجن وتمثلاته فى الحياة وفى النصوص الدينية.
وعلى نفس المنوال جاءت أغلب التعقيبات التى صدرت عن هذا الجمهور المتنوع وتسىء من وجهة نظرى لهذا النوع من الأدب، فهى تحصر دوره فى التسلية والمغامرات ولا شىء آخر، كما أنها تفسر النصوص الإبداعية التى تستند إلى الخيال الإبداعى وتردها إلى دائرة الدين وليس إلى الخيال، وتحكم عليها بمدى مطابقتها لفهم سطحى للدين يستجيب قبل أى شىء آخر لإيمان هؤلاء الأفراد محدودى الثقافة والتعليم بالخوارق والمعجزات إلى جانب تسليمهم التام بأدوار الجن والشياطين وغيرها من الغيبيات البعيدة كل البعد عن العلم والتى لا صلة حقيقية بينها وبين ما كان ينشده الدكتور أحمد خالد توفيق فى سعيه نحو تأكيد قيمة العلم ومكانته وليس نفيه نفيًا كما يفعل هؤلاء الذين ينظرون إلى أنفسهم كقراء وصناع معايير وهنا المأزق والكارثة.