البحث العلمي في عصرنا الحالي - محمد زهران - بوابة الشروق
السبت 14 ديسمبر 2024 8:32 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

البحث العلمي في عصرنا الحالي

نشر فى : الجمعة 30 أغسطس 2024 - 7:40 م | آخر تحديث : الجمعة 30 أغسطس 2024 - 7:40 م

البحث العلمى فى القلب قبل العقل:

 البحث العلمى يحتل مكانة مهمة فى قلوب الجميع. قد يتعجب القارئ الكريم من تلك العبارة لكن لو تأملتها لوجدتها منطقية. على مستوى الدول لا توجد دولة لا تعترف بأهمية البحث العلمى حتى وإن كانت تلك الدولة لا تقوم بما يكفى منه. على مستوى الأفراد يحب كل فرد أن يوصف بالعالم، على مستوى جمهور الناس لو قابل الناس شخصين أحدهما يعمل بالتدريس (سواء المدرسى أو الجامعى) والآخر يعمل بالبحث العلمى ففى الغالب الأعم سيشعر الناس بالإعجاب قد يصل للانبهار بمن يعمل فى البحث العلمى أكثر ممن يعمل بالتدريس، لأن الشخص العادى لا يعرف ما يدور فى عملية البحث العلمى لكنه «يظن» أن التدريس مجرد «واحد قرا كلمتين وراح يقولهم» وما أبعد ذلك عن التدريس الحقيقى. لذلك لا أحد ينكر فضل البحث العلمى سواء فى تقدم الدول أو من ناحية الوجاهة الاجتماعية.

فى مقالنا اليوم أود أن ألقى الضوء على بعض النقاط التى قد تغيب عمن لا يعمل فى مجال البحث العلمى، وأهمية معرفة تلك النقاط للعامة هى القدرة على تقييم الأخبار العلمية التى تنشر فى الصحف، أو مواقع التواصل الاجتماعى، أو الأخبار السياسية، أو الاقتصادية أو حتى الجنائية التى تتعلق بالعلم والتكنولوجيا.

العلم والتكنولوجيا مرتبطان. البحث العلمى يتعلق بالاكتشافات المتعلقة بالكون حولنا. التكنولوجيا هى الاستفادة من هذا العلم لتصميم اختراع أو تقديم خدمة تفيد البشر، على سبيل المثال العلم يدرس الفيروسات والميكروبات والتكنولوجيا تستخدم تلك المعرفة لتصميم لقاحات ضدها أو علاج لها.

...

أهداف البحث العلمى:

البحث العلمى يمكن أن يكون موجها لحل مشكلة موجودة بالفعل مثل توليد الطاقة بدون تلويث للبيئة ويمكن أن يكون من باب الفضول العلمى الذى يعطى حلولاً لمشكلات قد تظهر فى المستقبل مثل استكشاف الكواكب والنجوم البعيدة فى الكون.

البحث العلمى أيضا قد يكون له مردود سريع أو مردود على المدى الطويل. هذا معناه أن هناك أربعة أهداف للبحث العلمى:

   •  حل مشكلة موجودة ومردود سريع مثل إيجاد لقاح لفيروس مستجد.

   •  حل مشكلة موجودة لكن المردود يأتى على المدى الطويل مثل مشكلة الاحتباس الحرارى.

   •  الفضول العلمى ونتيجة البحث تظهر سريعا مثل أبحاث الذكاء الاصطناعى فى أولها قبل أن تصبح سلعة.

   •  الفضول العلمى ونتيجة البحث تظهر على المدى الطويل مثل استكشاف الفضاء.

كل دولة يجب أن توزع إمكاناتها وميزانيتها المخصصة للبحث العلمى على الأهداف الأربعة تبعا لسياستها العلمية وأولوياتها. الهدف الرابع مثلاً قد لا تستسيغه الدول ذات الإمكانات المحدودة.

هذا عن البحث العلمى لكن ماذا عن الباحثين أنفسهم؟

...

أهداف الباحثين للقيام بالبحث العلمى:

الباحثون يقومون بالبحث العلمى من أجل عدة أهداف:

   •  البحث عن الحقيقة من أجل مساعدة الإنسانية.

   •  الترقى فى السلك الأكاديمى والبحثى عن طريق نشر الأبحاث العلمية فى المجلات والمؤتمرات المحكمة والمعتبرة والحصول على تمويل للبحث العلمى.

   •  البحث عن الجوائز المرموقة مثل نوبل وتيورنج وآبل.

   •  المنظرة.

نحتاج أبحاثا من علماء النفس والاجتماع ليقولون لنا أى الفئات الأربعة هى الأكثر انتشارا فى كل بلد والعوامل التى تؤدى بالباحث إلى الانتماء إلى نوع أو أكثر من الأنواع الأربعة. لكن من ملاحظاتى خلال تعاملى مع المجتمع الأكاديمى والعلمى بعامة خلال العقدين السابقين وجدت أن أغلب (بدون تعميم) من يعملون فى البحث العلمى فى الدول النامية ينتمون إلى النوع الثانى والرابع إلا من رحم ربى، أما فى الدول المتقدمة فهم ينتمون إلى النوع الثانى والثالث فى الأغلب. من النادر جدا أن نجد من ينتمى للفئة الأولى فقط دون الفئات الثلاث الأخرى.

جدير بالذكر أن انتماء الباحث لفئة أو أكثر من تلك الفئات لا يرتبط بقدرة وكفاءة الباحث، فقد يكون الباحث عبقريًا وكفئًا لكنه يبحث عن الجوائز والمنظرة. 

حيث إننا نتكلم عن عبقرية وكفاءة بعض الباحثين يجب أن نتطرق لنظرية المؤامرة.

...

نظرية المؤامرة:

لا ننكر أنه فى التاريخ الحديث حدثت اغتيالات لعدد من العلماء لوقف أسهامهم فى تطور بلدانهم، لكن وفاة أحد الباحثين اليوم لا يعنى بالضرورة أنه قد تم بفعل فاعل وذلك للأسباب الآتية:

   •  أبحاث السواد الأعظم من الباحثين لا يرقى إلى المستوى الذى يجعل أبحاثهم خطيرة على الدول الأخرى.

   •  العلم فى أيامنا هذه أصبح شديد التعقيد وبالتالى المشكلة البحثية يعمل عليها فريق من الباحثين، إذا اختفى أحدهم فالآخرين سيكملون العمل. لم نعد فى العصر الذى يجلس فيه الباحث وحده ويعمل بمفرده ليزيح الستار عن أسرار الكون.

   •  أغلب الأبحاث منشورة فى المجلات والمؤتمرات العلمية ويعلم بها المجتمع العلمى كله.

...

همسة فى أذن علماء المستقبل:

أحب أن أهمس فى أذن باحثينا خاصة الذين يخطون خطواتهم الأولى فى عالم البحث العلمى بالآتى:

   •  لا تبدأ رحلتك فى البحث العلمى وعينك على الجوائز والشهرة، هذه نقطة ضعف خطيرة لأنها تجعلك تختار مشكلة بحثية قد لا توائم شخصيتك وطريقة تفكيرك وبالتالى ستفشل وقد تصاب بالاكتئاب. أيضا التكالب على الجوائز قد يقود إلى ممارسات غير أخلاقية فى ظل المنافسة الشديدة.

   •  المشكلات البحثية لها شخصية والباحث أيضا له شخصية وطريقة تفكير، لذلك اختر المشكلة البحثية التى تلائمك.

   •  حاول دائما أن تنشر علمك لأن هذا واجب عليك حتى وإنك لا تعمل بالتدريس، فمن يدرى فقد يصل الشخص الذى أخذ من علمك إلى اكتشاف كبير وبالتالى سيكون لك يد فى هذا حتى ولو لم يعلم به العالم.

   •  قوة البحث العلمى أفضل من عدد الأبحاث. العدد ليس أفضل وسيلة لقياس كفاءة الباحث.

   •  قم بالبحث العلمى الذى يفيد بلدك إفادة واقعية فى حياة الناس وليس إفادة فى عدد الأبحاث أو التصنيف.

يلاحظ القارئ الكريم أننى استخدمت لفظة «باحث» فى أغلب المقال وليس «العالم». إذا أعطيت نفسك لقب «العالم» فأنت تتجه إلى «المنظرة»، من يعمل فى البحث العلمى هو باحث. نتائج أبحاثك هى من ستعطيك لقب «العالم» وليس أنت. أعتقد أننا يجب أن نجد ترجمة عربية لكلمة (scientist) غير «العالم» لأن الكلمة الإنجليزية تعنى من يمتهن العلم ولكم كلمة «العالم» هى لقب للفخر. نطمع أن يكون عندنا جيش من الباحثين يثمرون الكثير من العلماء.

محمد زهران عضو هيئة التدريس بجامعة نيويورك فى تخصص هندسة وعلوم الحاسبات، حاصل على الدكتوراه فى نفس التخصص من جامعة ميريلاند الأمريكية، له العديد من الأبحاث العلمية المنشورة فى الدوريات والمؤتمرات الدولية، بالإضافة إلى الأبحاث والتدريس.. له اهتمامات عديدة بتاريخ وفلسفة العلوم ويرى أنها من دعائم البحث العلمى، يستمتع جداً بوجوده وسط طلابه فى قاعات المحاضرات ومعامل الأبحاث والمؤتمرات، أمله أن يرى الثقافة والمعرفة من أساسيات الحياة فى مصر.
التعليقات