نشرت مؤسسة Institute for Security Studies مقالا للكاتب TIMOTHY WALKER عن ضرورة حماية منطقة أعالى البحار من التلوث وجعلها منطقة آمنة وصديقة للبيئة. تعمل المنظمات الدولية على التوصل إلى اتفاقيات وقوانين تلزم الدول بحماية البحار والمحيطات من التلوث، ومن هذه المنظمات «المنظمة البحرية الدولية» التى تهدف إلى تحسين الأمان فى البحار ومكافحة التلوث. وللتأكيد على أهداف المنظمة، رفعت المنظمة فى ذكرى اليوم العالمى البحرى شعار «تراثنا ــ الشحن الأفضل من أجل مستقبل أفضل».
استهل الكاتب حديثه بالإشارة إلى أن معظم التجارة العالمية تتم عن طريق النقل البحرى، ومن ثم فإنه من الصعب أن يكون النقل البحرى أكثر أمانا وصديقا للبيئة، ومراعاة معايير عمل جيدة لجميع البحارة. إن العدد الهائل من السفن التى تمر فى المحيطات، والتنوع فى البحارة ومالكى السفن، من شأنه أن يعقد هذه الأمور خاصة عندما يتعلق الأمر بصنع السياسة والمصلحة العامة.
إلى جانب هدف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة للحفاظ على المحيطات والموارد البحرية من أجل التنمية، باتت القواعد الجديدة لسلامة النقل البحرى تركز على حماية البيئة بشكل كبير. فعلى سبيل المثال، اتفقت المنظمة البحرية الدولية (IMO) فى وقت سابق من هذا العام مع شركات الشحن على كيفية تخفيض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحرارى إلى النصف بحلول عام 2050.
قد يبدو الاعتناء ببيئتنا بشكل أفضل أمرا بديهيا، لكن فى بعض الحالات يصعب القيام بذلك. السفن تعبر المناطق التى لا تقع فى نطاق سيادة الدولة، والتى لا يمكن لأى دولة أن تطالب بالسيادة، وتسمى تلك المنطقة بـ«أعالى البحار» أى المناطق الواقعة خارج الحدود الوطنية للدولة، وتشكل نحو 58٪ من مساحة المحيط.
***
تطالب معظم الدول المنطقة الاقتصادية التى تبعد 200 ميل بحرى عن سواحلها، أن تمنحها حقوقا اقتصادية للموارد فى المنطقة، فضلا عن الحق المحدود للدولة كما هو منصوص عليه فى اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار. فكما أشارنا إلى أن منطقة «أعالى البحار» ليست تحت سيادة أى دولة، فعلى متن السفينة، تتطبق قوانين دولة علم السفينة (أى جنسية السفينة)، ولكن فى كل مكان هناك فوضى.
اجتمع الدبلوماسيون والعلماء فى مقر الأمم المتحدة بنيويورك فى شهر سبتمبر 2018 فى أول سلسلة من المفاوضات. ينبغى، على مدى العامين المقبلين، أن تسفر الجهود عن نص قانونى ملزم يتيح تنظيم استثمار الموارد البحرية من دون المساس بالتنوع البيئى، فضلا عن التوصل إلى وسائل إنشاء مناطق بحرية محمية وتجنب الإفراط فى الصيد، مع دراسة الآثار البيئية الناجمة عن استغلال الموارد المعدنية.
من الجدير بالإشارة إلى أن تحديد توقيت المفاوضات تم من خلال عدة عوامل. فلقد ولد السلسلة الوثائقية البريطانية «الكوكب الأزرق»، الذى سرده وقدمه السير دافيد أتينبورو، موجة من الاهتمام العام داخل الدولة بعالم المحيطات والبحار خاصة صانعى السياسات. إن تأثير «ثورة البلاستيك» plastic revolution على البحار أضحت مفهومة بشكل كبير عن أى وقت مضى، حيث هناك كم هائل من الطيور والثدييات والسلاحف البحرية والمخلوقات الأخرى تفقد حياتها بسبب المخلفات البلاستيكية، ومن ثم تفسد المنظومة البيئية للمحيطات.
هناك عامل رئيسى آخر ألا وهو استغلال الموارد البحرية وقاع البحار مثل المعادن والنفط فى أعالى البحار، ومن ثم لدى العديد من الدول والجهات الفاعلة الاقتصادية اهتمام متزايد بالاستفادة القصوى من الموارد التى تقع فى منطقتها الاقتصادية.
تعرف الموارد الموجودة فى قاع البحار فى منطقة «أعالى البحار» باسم التراث المشترك للبشرية. وهذا يعنى أنه لا يمكن لأى دولة أن تستغلها حتى تتمكن من الاتفاق على كيفية الاستفادة المتبادلة من هذا المورد المشترك. أما بالنسبة لمشكلة صيد الأسماك دون وجود سلطة تحدد وتراقب الاستخدام المستدام، فقد أضرت وأنفدت مخزون السمك فى كل أرجاء العالم.
***
إن هذه مسألة تهتم بها جميع الدول، خاصة الدول الإفريقية، التى كان نفوذها محدودا نسبيا. إن القضايا التى تجرى مناقشتها حاليا ل تكن مجرد اهتمام الدول الساحلية وحسب بل أيضا تهتم بها الدول غير الساحلية (الحبيسة)، فلم يعد هناك عائق أمام السعى وراء المصالح البحرية.
فعلى سبيل المثال، أعلن وزير الدفاع الإثيوبى أخيرا أن دولته تعتزم إعادة إنشاء فرع بحرى تابع لقواته المسلحة. كما تدرك البلدان غير الساحلية الأخرى مصالحها البحرية، مثل زامبيا، التى انضمت إلى المنظمة البحرية الدولية فى عام 2015.
ويتيح اليوم العالمى للملاحة البحرية، الذى صادف يوم 27 سبتمبر، فرصة سنوية للتأمل النقدى فى التقدم والتحديات على الصعيد العالمى. سواء كانت قوانين جديدة أو زيادة الوعى بالأخطار التى تهدد الأمن البحرى، فمن شأنها أن تساعدنا على تقدير الطبيعة البحرية المتأصلة لمجتمعاتنا واقتصاداتنا والكوكب نفسه.
احتفلت المنظمة البحرية الدولية والمجتمع البحرى العالمى باليوم البحرى العالمى، والذى كان يحمل شعار: « تراثنا ــ الشحن الأفضل من أجل مستقبل أفضل». وعلى مدى 70 عاما، كانت المنظمة البحرية الدولية، وهى الوكالة البحرية المتخصصة التابعة للأمم المتحدة، مسئولة عن سن مجموعة من القوانين البحرية وتنفيذها. ولكن يجب تقييم دور المنظمة البحرية الدولية فى توفير الشحن الآمن والملاحة على خلفية الاجتماعات الرفيعة المستوى الجارية حاليا. وستحدد هذه الاجتماعات مستقبل الحوكمة والصحة فى بحارنا ومحيطاتنا.
***
أعلنت جنوب أفريقيا أخيرا أنها ستستضيف اجتماع المنظمة البحرية الدولية والحدث العالمى لليوم البحرى لعام 2020. ويعد هذا الحدث من بين أرفع الاجتماعات البحرية الدولية التى تجمع بين كبار المسئولين من جميع أنحاء العالم.
ينبغى البناء على فكرة «تمكين المرأة فى المجتمع البحرى» فى عام 2019، جنبا إلى جنب مع تمكين البلدان الإفريقية والمنظمات من أجل تنفيذ الاستراتيجيات البحرية ووضع حد للتهميش البحرى الإفريقى.
فمن الجدير بالذكر أن المنظمة البحرية الدولية دعمت إنشاء سبع رابطات إقليمية للنساء فى القطاع البحرى عبر إفريقيا وآسيا ومنطقة البحر الكاريبى وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط وجزر المحيط الهادئ. وسيضمن اختيار موضوع «تمكين المرأة فى المجتمع البحرى» تجديد التركيز على النساء فى المنظمة البحرية ومن ثم تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
إن اختيار شعار تمكين المرأة فى المجتمع البحرى سيوفر فرصة للتوعية بأهمية المساواة بين الجنسين، بما يتماشى مع أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، وتسليط الضوء على المساهمة الهامة للمرأة فى جميع أنحاء العالم للقطاع البحرى.
فى حين أن النقل البحرى كان تاريخيا صناعة تهيمن عليها الذكور، فإن المنظمة البحرية الدولية تبذل جهودا متضافرة لشغل النساء وظائف فى هذا المجال. ففى عام 1988، افتتح عدد قليل من معاهد التدريب البحرى أبوابها للطالبات. وكانت المنظمة البحرية الدولية فى طليعة وكالات الأمم المتحدة المتخصصة التى شكلت برنامجا عالميا يعرف باسم إدماج المرأة فى القطاع البحرى. نفذت على عدة مراحل، ووضعت إطار مؤسسى لإدراج البعد الجنسى فى سياسات وإجراءات المنظمة البحرية الدولية، مع قرارات اعتمدت لضمان الوصول إلى التدريب البحرى وتوفير فرص العمل للمرأة فى القطاع البحرى.
واليوم، إن تمكين المرأة فى هذا المجال من شأنه أن يشجع الاقتصادات على الازدهار فى جميع أنحاء العالم، ويحفز النمو والتنمية، ويفيدنا جميعا فى العمل فى المجتمع البحرى العالمى فى الوقت الذى نسعى فيه نحو شحن بحرى آمن، ونظيف ومستدام.
وتعمل الآن خريجات معاهد التدريب العالمية التابعة للمنظمة البحرية الدولية، والجامعة البحرية العالمية (WMU) والمعهد الدولى للقانون البحرى (IMLI) كمديرين بحريين وصناع قرار، ولديهن تأثير إيجابى كنماذج يحتذى بها فى تشجيع المجندين الجدد، كما تدعم المنظمة البحرية الدولية تمكين المرأة من خلال المنح الدراسية الخاصة بالجنسين؛ عن طريق تسهيل الوصول إلى التدريب التقنى الرفيع المستوى للنساء فى القطاع البحرى فى البلدان النامية.
ختاما، يضيف الكاتب أن اليوم البحرى العالمى ليس مجرد احتفال، إنما فرصة لتصحيح اختلال توازن القوى فى إدارة البحار والمحيطات فيما يتعلق بنوع الجنس، والدول الساحلية والدول غير الساحلية، وبين أفريقيا وبقية العالم.
إعداد: زينب حسنى عزالدين
النص الأصلى: