عن الصين وسياستها تجاهنا.. درس التدرجية والدور الهادئ - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الثلاثاء 1 أبريل 2025 11:47 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

عن الصين وسياستها تجاهنا.. درس التدرجية والدور الهادئ

نشر فى : الجمعة 31 مايو 2024 - 7:00 م | آخر تحديث : الجمعة 31 مايو 2024 - 7:00 م

 

إبان الحرب الباردة والصراع الأمريكى - السوفييتى، تمكنت الدول الفاعلة فى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من إدارة علاقات وتحالفات متشابكة مع الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتى السابق ونجحت، خاصة فى خمسينيات وستينيات القرن العشرين، فى التحصل على امتيازات استراتيجية حقيقية من «اللعب مع الكبار«. واليوم، ولأن زمن الانفرادية الأمريكية انتهى ولأن المتنافسين على الهيمنة العالمية صاروا أكثر من قطبين، يتجدد سعى دول منطقتنا للإفادة من تكالب الكبار على الحصول على المكاسب الاقتصادية والتجارية والعسكرية والسياسية. وبين الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبى وروسيا، تعد الصين القوة الكبرى الأحدث ظهورا فى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

 •  •  •

 تتحدد الأهداف الاستراتيجية للصين فى منطقتنا وفقا لمصالحها الاقتصادية والتجارية ومعدلات نموها السريعة (بين ٢٠٠٠ و٢٠٢٠، تضاعف حجم الاقتصاد الصينى أكثر من ٥ مرات) ووفقا لاحتياجاتها المتزايدة من الطاقة. بين ١٩٩٠ و٢٠٠٩، تضاعفت واردات بكين من بترول وغاز طبيعى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أكثر من ١٠ مرات. فى ٢٠٢٠، أظهرت البيانات الحكومية والعالمية أن الصين تستورد ثلث احتياجاتها من الطاقة من بلدان مجلس التعاون الخليجى بنسب تتراوح بين ١٥ بالمائة من السعودية و٧ بالمائة من عمان و٦ بالمائة من الإمارات العربية المتحدة و٥ بالمائة من الكويت.

فضلا عن مسألة الطاقة، صارت الصين بحلول ٢٠٢٠ الشريك التجارى الأول لمجلس التعاون الخليجى ولبلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا باستثناء تونس والمغرب مثلما أصبحت بفضل مبادرة «الحزام والطريق» المستثمر الحكومى الأول فى عموم المنطقة. كذلك أنجزت الشركات الصينية المملوكة للدولة العديد من المبادرات الصناعية ومشروعات البنى التحتية والمرافق الأساسية والنقل الكبرى كما هو الحال فى بناء شركة الصين للسكك الحديدية لشبكة المترو فى مكة المكرمة، وفى قيام شركة الصين للشحن ببناء الملحق الجديد لميناء خليفة فى الإمارات، وفى استثمارات الشركات الصينية فى ميناء الدقم فى عمان، وفى العاصمة الإدارية الجديدة ومشروعات النقل الحديثة فى مصر.

تشارك الصين، إذا، فى عديد المبادرات والمشروعات الكبرى فى عموم المنطقة وتتحرك استثمارات شركاتها المملوكة للدولة وفقا لخريطة إقليمية تعطى أولوية لخطوط التجارة والملاحة الرئيسية فى الخليج وخليج عمان ومضيق باب المندب والبحر الأحمر وقناة السويس.

•  •  •

ليست الأهداف الاستراتيجية للصين فى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا باستثناء على مجمل توجهاتها فى السياسة الخارجية. توظف بكين سياستها الخارجية لخدمة أهدافها الداخلية المتمثلة فى النمو الاقتصادى والاستقرار الاجتماعى والسياسى والتقدم العلمى والتكنولوجى وحماية الأمن القومى. الأولوية الأسمى للسياسة الخارجية الصينية هى تحفيز النمو الاقتصادى فى الداخل من خلال زيادة التبادل التجارى مع جميع دول العالم، وزيادة الاستثمارات الموجهة إلى البنى التحتية ووسائل النقل والقطاعات الصناعية وتكنولوجيا الاتصالات فى دول الجنوب. الأولوية الأسمى للسياسة الخارجية الصينية هى ضمان الاستقرار الاجتماعى والسياسى وحماية الأمن القومى بمنع تدخلات القوى الغربية فى الشئون الداخلية والدفاع عن مصالح بكين فى جوارها الجغرافى المباشر فى المحيطين الهادى والهندى. الأولوية الأسمى للسياسة الخارجية الصينية هى تطوير قوتها الصلبة وقوتها الناعمة بحيث ينظر العالم للعملاق الآسيوى فى المستقبل كمصنعه الأكبر، ومطوره العلمى والتكنولوجى الأهم، وكمصدر لثقافة ملهمة يفهمها ويقدرها الناس فى الجوار المباشر وتدريجيا فى كافة نواحى المعمورة.

وذلك، تعطى السياسة الخارجية الصينية أهمية كبرى لتوظيف مواردها ومصادر قوتها الصلبة والناعمة فى جوارها المباشر حيث تايوان والدول الآسيوية القريبة منها وحيث العلاقات التاريخية المعقدة مع اليابان وكوريا وفيتنام وحيث التنافس مع الولايات المتحدة. كذلك، تهتم الصين بمنطقة الخليج بشقيه العربى والإيرانى حيث تستورد ما يقرب من ٦٠ بالمائة من إمدادات الطاقة وتحتاج إلى الاطمئنان لحضور ترتيبات أمنية تحول دون تهديد شبكات النفط والغاز الطبيعى ودون تهديد تجارتهما.

كما أن اهتمام السياسة الخارجية الصينية بعموم الشرق الأوسط وبالقارة الإفريقية يعود إلى أولوية التبادل التجارى والاستثمارات والمساعدات التنموية بين الصين وبين المنطقتين اللتين فيهما أسواق واسعة ومواد خام هائلة ونقص بالغ فى البنى التحتية الأساسية وشبكات المواصلات والنقل والاتصالات ولا تحصلان على الكثير من الاستثمارات الغربية. لا تنظر الصين إلى السياسة الخارجية كمجال لفرض انحيازاتها الأيديولوجية على الآخرين إن بتصنيفات الصديق والعدو أو بالربط بين التجارة والاستثمار وتقديم المساعدات التنموية وبين الاستجابة إلى شروط سياسية أو اقتصادية بعينها أو برهن العلاقات الجيدة مع دول إقليم معين بحضور علاقات سلام وتعاون بين تلك الدول وبعضها البعض.

تقدم منطقة الخليج على وجه خاص ومنطقة الشرق الأوسط فى العموم أمثلة واضحة على غياب المشروطية عن السياسات الصينية. فالصين صارت الشريك التجارى الأول لجميع دول المنطقتين، وتستورد احتياجاتها من الطاقة من إيران والسعودية اللتين تورطتا فى حرب بالوكالة فى اليمن إلى أن توسطت بينهما دبلوماسية بكين، ولها اتفاقات تعاون استراتيجى وشراكات واسعة مع إيران والسعودية وإسرائيل وتركيا دون أن تلتفت إلى طبيعة العلاقات بين تلك الدول وبعضها البعض.

سياسة الصين الخارجية هى أقرب ما تكون إلى ما يشار إليه أحيانا فى أدبيات العلاقات الدولية بسياسة «الخيمة الكبيرة» والتى تعنى بناء التحالفات وزيادة التجارة والاستثمار وتقديم المساعدات مع دول الجوار والدول فى المناطق الهامة لمصالح الصين دون نظر لانحيازات أيديولوجية أو لاعتبارات سياسية.

•  •  •

لا تنظر الصين للسياسة أيضا كمجال لاستخدام القوة العسكرية لتحقيق أهداف بعينها. تعارض دبلوماسية بكين الحروب وتدعو إلى الحلول السلمية للصراعات المسلحة وتعمل على الحفاظ على الأمن الإقليمى والعالمى، وهى لذلك توسطت بين إيران والسعودية وطرحت مبادرة سلام لإنهاء الحرب الروسية - الأوكرانية ويجول وزير خارجيتها هذه الأيام على العواصم الأوروبية الكبرى لحشد التأييد للمبادرة الصينية. أما فى جوارها المباشر، فلم تلوح الصين أبدا بتوظيف القوة العسكرية إلا حين تصاعدت وتيرة التهديدات الأمريكية بحماية استقلال تايوان بالسلاح.

وفيما خص الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فإن الصين لم تأت إلى منطقتنا كقوة غزو واحتلال على عكس ما فعلت القوى الاستعمارية الأوروبية فى الماضى البعيد وما فعلته الولايات المتحدة الأمريكية فى الماضى القريب بغزوها الدامى للعراق وأفغانستان واحتلالها المدمر لهما. كما أن الصين لم تدعم أبدا الاحتلال الإسرائيلى للأراضى العربية فى ١٩٦٧ أو تصمت عن المطالبة بإنهاء نتائجه غير الشرعية أو تحمى كالولايات المتحدة دولة الاحتلال إسرائيل بدعم اقتصادى وعسكرى هائل وبدعم دولى مستمر على الرغم من نظام الأبارتايد الذى يعانى منه الشعب الفلسطينى تهجيرا واستيطانا وحصارا. على العكس من ذلك، تلتزم الدبلوماسية الصينية بالدعوة إلى تمكين الشعب الفلسطينى من ممارسة حقه فى تقرير المصير، وفى بناء الدولة المستقلة، وفى رفع اليد المجرمة للمستوطنين عنهم وعن أراضيهم فى القدس الشرقية والضفة الغربية، وفى إيقاف الحرب المدمرة فى غزة.

•  •  •

فى كافة هذه السياقات، وبمبادراتها السلمية وخطوات الدبلوماسية الهادئة، تكتسب بكين يوما بعد اليوم المزيد من تأييد عواصم منطقتنا التى صارت ترحب بالتجارة والاستثمار والمساعدات الاقتصادية الصينية وصارت تعمل أيضا على الالتحاق بالمنظمات والتجمعات الاقتصادية الدولية التى تقودها كمجموعة البريكس ومنظمة شنغهاى للتعاون، وتسعى إلى تشجيعها على التوسط لحل الصراعات، وحفظ السلم والأمن إقليميا وعالميا.

عمرو حمزاوي أستاذ العلوم السياسية ومدير برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي
التعليقات