عام مضى وعام يجىء.. اشرعوا منافذ الأمل! - إيهاب الملاح - بوابة الشروق
الأحد 15 ديسمبر 2024 5:30 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عام مضى وعام يجىء.. اشرعوا منافذ الأمل!

نشر فى : السبت 31 ديسمبر 2022 - 8:15 م | آخر تحديث : السبت 31 ديسمبر 2022 - 8:15 م

ــ 1 ــ
ثلاثة أعوام عصيبة (2020ــ2022) ، بأحداثها ووقائعها الكبرى، بضخامة الأثر المترتب على ما تم فيها وجرى خلالها على سكان الكرة الأرضية جميعا، ومنهم عموم المصريين.
عشنا واحدة من أصعب اللحظات التى مرت على البشرية فى تاريخها: جائحة مرعبة ومخيفة حصدت ملايين البشر، وفقد الكثيرون أحباءهم بمرارة، وحزن. وما كاد العالم يتنسم بشائر التعافى وانحسار الجائحة، وبداية عودة الحياة إلى ما يشبه طبيعتها حتى فوجئ العالم بالحرب الروسية الأوكرانية «العبثية» التى أدخلتنا فى نفق مظلم وخانق لم ينج من آثاره المزعجة أحد فى عموم المعمورة.
أزمة عالمية خانقة، ارتفاع فى أسعار الطاقة والمواد الغذائية، تراجع قيمة الجنيه أمام الدولار، ارتباك فى تحديد الأولويات وعدم إمكانية التنبؤ بالقادم، فى ظل توتر عالمى متصاعد وارتباك سياسات عام، وتراجع معدلات التنمية المحلية، وزيادة التضخم لمعدلات غير مسبوقة..
حالة من الجنون والهلع فى الأسعار ومشاعر الناس، وإحباطاتهم المتتالية.. وصولا إلى حافة التسليم باليأس والعجز والعبثية واللا جدوى (بلغة الساخرين المتهكمين على السوشيال ميديا) وكأن لسان حال البشرية كلها يتلخص فى هذا السطر المبدع «فعندما تستحكم القبضة.. ولا يوجد منفذ واحد للأمل.. تؤمن القلوب القانطة بالمعجزة»
(الحرافيش لـ نجيب محفوظ).

ــ 2 ــ
وأتصور أن هذه المعجزة هى الإيمان بالأمل فى القادم، الإيمان بقدرتنا على تجاوز كل هذه المشكلات والتحديات ومواجهتها بعزيمة وصبر وإيمان مواز بالعلم والتخطيط والأخذ بالأسباب، وعدم الارتكان إلى الصدفة والعشوائية، ومعالجة الأمور كيفما اتفق وحسبما تيسر!
المسألة ــ فى ظنى ــ أكبر بكثير من مجرد أزمة مالية عالمية، وفى تراجع قيمة العملات المحلية أمام الدولار، وفى مواجهة سد العجز فى المواد الغذائية، وسلاسل الإمداد العالمية، كل هذه التحديات والمشكلات تخيم على رءوس الجميع، دولا وأنظمة وشعوبا، لكن ما يمايز بين دولة ودولة ونظام ونظام وحكومة وحكومة هو طريقة إدارة هذه الملفات والتعامل معها بحنكة واقتدار وذكاء وحساسية وترقب!
إن المسألة دائما تتعلق بطريقة إدارة الملفات ذاتها، فى ذلك التوقيت الحرج، وفى ظروف أقل ما توصف به أنها غير مسبوقة تاريخيا، ومشهد دولى وإقليمى على حافة الهاوية، فضلا عن ارتباك وتوتر المشهد العربى كله الذى يسبح فوق محيط من اللهب دائما!
ولهذا يكرر دوما عقلاء الوطن وخبراء الاقتصاد ورسم السياسات والتخطيط أن من الخطل وسوء التدبير التعامل مع قضايا شائكة وحساسة تُلامس جذور الأعصاب العارية للشعور القومى العام، دون الوضع فى الاعتبار مقومات الجغرافيا وحضور التاريخ والخارطة النفسية والشعورية لشعبٍ يعانى من شروخاتٍ وتصدعات عنيفة فى الوجدان العام خصوصا فى السنوات الأخيرة.

ــ 3 ــ
ويجب أن يعى القائمون على مثل هذه الملفات أن مفهوم الوطن ومضمونه، لا يقتصر فقط على أرض ذات حدود معينة، ولكنه بيئة روحية تحدها الآراء والمعتقدات التى ترسخ فى نفوس القاعدة العريضة من الناس، وتتصل بهذه الحدود وذرات الرمال!
ليس بالحسم والصرامة وإحكام القبضة وتجاهل مشاعر الناس، وإغفال هذا الشعور القومى العام تُدار الأمور وتتخذ القرارات وتسن التشريعات وتمرر وسط أداء حكومى يجتهد حقيقى فى مواجهة التحديات لكنه غير قادر فعلا على تقليص الآثار المؤلمة على نفوس الناس وحيواتهم، مما يؤدى إلى ازدياد دوائر الوجع والشعور بالإحباط والعجز وهذا خطير، خطير جدا، فالشعور بالعجز واحد من أسوأ الأمراض الاجتماعية التى تصيب الأمم والشعوب.
فى مثل هذه الظروف، لا يمكن فصل الحاضر عن الماضى، والسياسة عن الجماهير التى ــ شئنا أم أبينا ــ اختلف وعيها وطريقة استجابتها لما يدور حولها عن ذى قبل، فليس من المعقول أبدا التعامل معها على أنها محض «مفعول به»، لا يحسب حسابها ولا يعتد بمشاعرها ووجدانها الجمعى العام.. أكرر، يجب بل ينبغى أن يوضع هذا الاعتبار على رأس أولويات اتخاذ القرار؛ أى قرار، خاصة فيما يتصل ويمس عمق وجوهر هذا الشعور.

ــ 4 ــ
وبرغم ذلك كله؛ فإن الأمل دائما موجود وحاضر، مهما تكاثفت الغيوم واربدَّت السحب وكشر الطقس عن أنيابه! مشهد بسيط وعابر صبيحة اليوم الذى تلا السقوط الغزير للأمطار على الجمهورية، لاحظت ببساطة انتشار العربات والآليات الحديثة المزودة بمحركات وخراطيم شفط المياه على عموم طريق الواحات لمسافة عدة كيلومترات، وما بين خروجى فى التاسعة صباحا وعودتى فى الرابعة عصرا، تم شفط كميات رهيبة من المياه التى عاقت الحركة والمرور لساعات وساعات فى اليوم السابق! ما دلالة هذا المشهد؟
فى ظنى أن مشهدا يبدو بسيطا مثل هذا تغير فيه الإجراء وسرعة رد الفعل والنتيجة المترتبة على هذا الفعل يبشر بأملٍ ويبشر بأن هناك ــ ولو ببطء ــ تغييرا فى الاستجابة للمشكلات المزمنة التى تواجهنا منذ سنوات، ونحن أمامها محلك سر، لا فعل ولا رد فعل!
لقد ظللت أتأمل فى دلالات هذا المشهد، فأنا مواطن بسيط ظل لسنوات يعانى فى الحركة إذا ما سادت موجة طقس سيئ وهطلت الأمطار بشدة، وتوقفت الحياة تماما وأصيبت بالشلل، فإننا نظل هكذا لأيام حتى تقوم الطبيعة بِلأْمِ ما أفسدته!

ــ 5 ــ
لكن هذه المرة كان الأمر مختلفا! لقد كان هناك سرعة فى رد الفعل، استجابة شبه منظمة، عربات عديدة جديدة وليست متهالكة، تعمل بنظام وتنسيق، فكانت النتيجة أنه فى أقل من ست ساعات وبطول شريان حيوى مثل طريق الواحات يربط بين شرق القاهرة وغربها، استعاد الطريق حيويته وتدفقت الحركة المرورية سريعة وسلسة، ولأول مرة أشعر بسعادة ورضا حقيقى عن مثل هذا الأمر الذى كان بالنسبة لى من الأحلام (أو الأوهام) !
طيب لو تخيلنا أن هذا الأمر عمم فى كل مشكلاتنا ومعوقاتنا وأصبح هناك شعور داخلى بالراحة والرضا عن هذا الإجراء أو ذاك! اشرعوا منافذ الأمل.. فبلدنا يستحق.