عيد الأضحى في مصر.. موائد متجددة ونكهات متوارثة عبر الزمن - بوابة الشروق
الجمعة 6 يونيو 2025 6:48 م القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

عيد الأضحى في مصر.. موائد متجددة ونكهات متوارثة عبر الزمن

رنا عادل
نشر في: الخميس 5 يونيو 2025 - 11:44 م | آخر تحديث: الخميس 5 يونيو 2025 - 11:46 م

يحل عيد الأضحى على المصريين، حاملاً معه مشاعر البهجة وطقوساً دينية واجتماعية متوارثة، تتصدرها شعيرة ذبح الأضحية وتوزيعها، وتبرز فيها الموائد كمساحة أساسية للاحتفال، حيث يتألق المطبخ المصري بروح المشاركة والتنوع الثقافي بين محافظات مصر المختلفة.

وعلى الرغم من مرور السنين وتغيّر أنماط المعيشة، فإن بعض الأطباق ما زالت تحافظ على مكانتها في المناسبات، يتقدمها طبق "الفتة" الذي يوحّد البيوت المصرية من شمالها إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها، ويعكس مزيجًا غنيًا من التاريخ والذوق والموروث الشعبي.

ومن أجل إلقاء الضوء على هذا التنوع، حاورت "الشروق" الكاتب والمحرر عبد الله عثمان، مؤلف كتاب "تاريخ في خزانة المطبخ"، للحديث عن أبرز الأطباق التي يشتهر بها المطبخ المصري في عيد الأضحى، وكيف تختلف طرق تحضيرها باختلاف العادات والمناطق.

- الفتة: طبق العيد الذي لا يغيب

لا تكتمل موائد عيد الأضحى في مصر دون طبق الفتة، الذي يحتل مكانة خاصة في الذاكرة الجماعية للمصريين. ولأن لكل طبق حكاية، كشف عبد الله عثمان أن الفتة ليست مجرد أكلة بل إرث ثقافي عريق.

ففي ثلاثينيات القرن التاسع عشر، لاحظ المستشرق البريطاني إدوارد وليم لين أن الفتة هي الطبق الأساسي على موائد المصريين خلال العيد، موثقًا مكوناتها: لحم الضأن المقطع إلى قطع صغيرة يُرص فوق كسرات من الخبز، ثم يُغمر بمرق اللحم، ويُضاف الخل والثوم، ويُقلّى بالزبدة مع رشة بهارات. وهي وصفة لا تختلف كثيرًا عن الفتة التي نعرفها اليوم.

بل إن التاريخ يأخذنا أبعد من ذلك. ففي عصر المماليك، كتب الأديب الكردي أحمد بن الحجار أرجوزة تخيلية طريفة بعنوان "الملك لحم الضأن"، صوّر فيها حربًا ساخرة بين هذا الطبق الشهي ومجموعة من أطعمة السوق كالأجبان والحلويات والمخللات.

وحتى يومنا هذا، ما زالت "فتة الضاني" تحافظ على وجودها في كل المحافظات، مع اختلاف طرق إعدادها حسب الجغرافيا والعادات. ففي بعض البيوت يُستخدم الخبز الشامي المحمّص، بينما يفضل أهل الصعيد الخبز الشمسي، ويصنع السيناويون "الفراشيح" خصيصًا لهذا الطبق.

أما في الإسكندرية، فتُضاف إليها الصلصة الحمراء، بينما تُقدَّم بلا أرز في النوبة وسيوة وسيناء والصحراء الغربية، بعكس محافظات الوجه البحري والصعيد والقاهرة حيث يُضاف الأرز كعنصر أساسي.

- خبز الفتة.. تنوع يعكس الجغرافيا

وأكّد عثمان أن تنوّع الخبز المستخدم في الفتة يُعبّر عن التنوع الجغرافي والثقافي في مصر. ففي الوجه البحري، تخبز النساء قبل العيد "الرقاق" الرقيق المخصص للفتة، والذي يُباع في محلات القاهرة أيضًا. أما في الصعيد، فالأولوية للخبز الشمسي، ذو النكهة المميزة والمذاق الريفي العريق.

في شمال سيناء، يُعدّ "الفراشيح" خصيصًا لهذا الطبق. وهو خبز رقيق مصنوع من الدقيق والماء وقليل من الملح، لكن نكهته تكمن في طريقة تسويته، حيث يُفرد على "المنقد" الساخن ويُحرّك بسرعة وخفة حتى ينضج.

- أطباق أخرى على مائدة العيد

وإلى جانب الفتة، يزخر المطبخ المصري بأطباق متنوعة تظهر في العيد، تختلف حسب المنطقة والعادات. ففي شمال سيناء مثلًا، تُحضَّر أكلة "الصيادية" من السمك المجفف، وتُقدَّم غالبًا على الغداء.

أما الإفطار، فيبدأ عادة بـ"الكبدة المشوحة"، وهي طقس مشترك بين معظم البيوت المصرية صباح أول أيام العيد. وإلى جانب ذلك، تتميز مائدة الإفطار السيناوية بطبق "الجريشة"، وهو قمح مجروش يُسقى بالمرق ويُضاف إليه بعض التوابل واللبن.

في الوجه البحري، تعتاد النساء على إعداد "المهلبية" أو "الحلويات" من اللبن والنشا والسكر، وتُزين بالزبيب وجوز الهند، لتكون أولى أطباق العيد الحلوة التي تجمع الأسرة.

- كل جزء من الذبيحة له طبق

وأشار عثمان إلى أن المصريين كانوا دائمًا ما يُبدعون في الاستفادة من كامل الذبيحة، حيث تتحول الأجزاء المختلفة إلى أطباق لذيذة ومتنوعة، فيُعدّ الممبار، وطواجن الكوارع والعكاوي، وكباب الحلة، والكباب والكفتة، والريش، ولحمة الرأس.

ويُراعى اختيار الأطباق المصاحبة بعناية: فالريش تُقدَّم مع محشي ورق العنب، واللحمة المسلوقة تُفضَّل مع الفتة، ولحمة الرأس تؤكل مع الخبز، بينما تُقدَّم الطواجن مع الأرز بالشعيرية.

- تنوع طرق الطهي حسب الطبقات والتقاليد

وأضاف أن الطبقة المتوسطة تميل غالبًا في العيد إلى إعداد المكرونة بالبشاميل، والرقاق باللحم، والطواجن بالخضروات، كجزء من المائدة المتنوعة. وكان الشواء على الفحم في السابق أقل شيوعًا، واقتصر غالبًا على المطاعم والفئات الاجتماعية العليا، وذلك بسبب تفضيل كثير من المصريين سلق اللحم للاستفادة من مرقه في إعداد أطباق مختلفة ومنها الفتة. إلا أن السنوات الأخيرة شهدت انتشارًا أوسع لتقاليد الشواء بين شرائح مختلفة من المجتمع.

وفي سيناء، يتم الشواء بطرق فريدة، مثل دفن اللحم تحت الخشب المشتعل، أو شيّ الخراف والتيوس الكاملة على آلة دوارة تُحرّك يدويًا.

- كفتة داود: من موائد العثمانيين إلى المطبخ المصري

كما أوضح أن من الأطباق الشهيرة في عيد الأضحى، تأتي "كفتة داود"، التي دخلت مصر في القرن السادس عشر على يد داود باشي، والي مصر العثماني، وكان مغرمًا بها ويُقدّمها في موائد عامة، حتى أنه كان يُقيم مسابقة طريفة، فيضع خاتمًا من العقيق داخل إحدى كرات الكفتة كمفاجأة للضيف المحظوظ.

وتتميز الكفتة المصرية بتتبيلة غنية يدخل فيها ماء البصل، وتتحول إلى "الطرب" عند تغطيتها بمنديل من الدهن قبل الشواء، لتُصبح طبقًا غنيًا بالنكهة والدسم.

- مذاقات نوبية وسواحلية لا تشبه غيرها

وفي الجنوب، لا تقل المائدة النوبية تنوعًا وتميّزًا. فنساء النوبة يأخذن أولى قطع اللحم والكبد والكلاوي والكرشة، ويشوحنها بالبصل والتوابل لتُقدَّم كطبق "الكاشيد" مع خبز "الدوكة". وفي القصير وحلايب وشلاتين، يُحضَّر "السلات" بشوي اللحم على زلط مسخن، وتُطهى الأمعاء المحشوة باللحم والدهن بنفس الطريقة.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك