لكي تستعد وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) بفعالية للتهديدات من جانب القوى العظمى، يتعين عليها تبسيط وتوحيد نظام قيادتها الإقليمية، وذلك وفقا للمحلل الأمريكي روبرت بيترز، وهو زميل أبحاث أول في مجال الردع الاستراتيجي في مركز أليسون للأمن القومي التابع لمؤسسة "هيريتدج" الفكرية..
وأوضح بيترز في تحليل نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأمريكية أن الهيكل الحالي لخطة القيادة الموحدة- وهي الوثيقة التي تحدد أدوار ومسؤوليات القيادات القتالية الأمريكية، مثل القيادة الأوروبية (يوكوم) وقيادة العمليات الخاصة (سوكوم) والقيادة الاستراتيجية (ستراتكوم)- عفا عليه الزمن في مواجهة تحديات اليوم.
وتمنح خطة القيادة الموحدة، التي يتم تحديثها بشكل دوري، القيادات القتالية سلطة على أجزاء مختلفة من العالم ومهام رئيسية، بما في ذلك الردع النووي والدفاع عن الوطن والخدمات اللوجستية. واليوم، تأخرت عملية إجراء تحديث كبير لخطة القيادة الموحدة، حيث لم تعد مناسبة لاستراتيجية كبرى تهدف إلى ردع عدوان صيني.
ونظرا لأن التركيز الحالي لخطة القيادة الموحدة على الحدود الجغرافية الصارمة، حيث تركز القيادة الأوروبية (يوكوم) على روسيا، وتركز قيادة منطقة المحيطين الهندي والهادئ (إندوباكوم) على الصين، فإن التخطيط والقيادة الحاليين للقوات العسكرية يتم بمعزل عن القيادة القتالية. ويمنع هيكل القيادة المنعزل هذا التخطيط المتكامل والعالمي المطلوب للجيش الأمريكي في حالة نشوب حرب مع الصين.
ويرى بيترز أيضا أن الهيكل الحالي غير فعال، حيث يضم عددا كبير للغاية من مقرات القيادة والموظفين. ويقود كل قيادة قتالية ضباط بالجيش يحملون رتبة أربع نجوم، ويعمل بها مجموعة من الجنرالات والأدميرالات وكبار المسؤولين التنفيذيين المدنيين – فضلا عن عشرات الضباط من الرتب المتوسطة الذين يدعمون الجنرالات. ويتعين النظر فيما إذا كان دمج العديد من القيادات الإقليمية يمكن أن يؤدي إلى تخطيط وعمليات أكثر كفاءة، ويعزز استعداد وزارة الدفاع لبيئة الأمن العالمي المتدهورة.
وقال بيترز إن التغييرات التالية على خطة القيادة الموحدة ستصلح هذه العيوب:
1- جعل هيئة الأركان المشتركة القيادة المدعومة (أي القائدة) للعمليات العالمية خلال حرب مع الصين. في الوقت الحالي، تعرّف خطة القيادة الموحدة قيادة منطقة المحيطين الهندي والهادئ (إندوباكوم) على أنها القيادة الرئيسية للتخطيط للصراع مع الصين. ينبغي على وزارة الدفاع دراسة تحديث خطة القيادة الموحدة، بحيث تظل (إندوباكوم) هي القيادة الرئيسية في غرب المحيط الهادئ، بينما تقوم هيئة الأركان المشتركة بتنسيق تخطيط وتنفيذ العمليات العالمية ضد الأهداف الصينية خارج مسرح عمليات المحيط الهادئ.
واعتبر بيترز أنه في العديد من الجوانب، سوف يعد إشراف هيئة الأركان المشتركة على حرب عالمية تكرارا لعلاقات القيادة في كل من الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة. في الحرب العالمية الثانية، أشرفت هيئة الأركان المشتركة وهيئة الأركان المشتركة الأمريكية البريطانية الأكبر على العمليات العالمية ضد دول المحور، ونسقت العمليات العسكرية في المحيط الهادئ وشمال أفريقيا وأوروبا وجنوب آسيا. وفي الحرب الباردة، أصدرت هيئة الأركان المشتركة خطة القدرات الاستراتيجية المشتركة، التي "حددت توزيع القوات الموجودة واستخدامها ودعمها حال اندلاع حرب" مع الاتحاد السوفيتي.
وقال إن وزارة الدفاع الأمريكية لم تدرك إلا في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، في أواخر فترة الحرب الباردة، أن احتمال اندلاع حرب مع الاتحاد السوفيتي أقل من احتمال اندلاع صراع إقليمي في منطقة تشرف عليها قيادة موحدة، وظهرت الحقبة الحالية من القيادات القتالية القوية بيروقراطيا.
ومع احتمال عودة حرب عالمية، حان الوقت لإعادة النظر في الدور التاريخي لهيئة الأركان المشتركة في تنسيق تخطيط وتنفيذ العمليات العالمية أثناء أي صراع.
وسينصب تركيز عمليات الطوارئ الخاصة بالقيادة القتالية أثناء أي صراع مع الصين على منع تعطيل نشر ودعم قوات الولايات المتحدة والحلفاء، وكذلك التعطيل المحتمل للموارد الحيوية التي تحتاجها الصين لبدء العدوان أو تصعيده أو مواصلته.
2- توجيه جميع القيادات القتالية الجغرافية للتخطيط لحالة طوارئ مع الصين. وسيتعين على القيادات القتالية الجغرافية تقديم خطط عمل ضد الصين إلى هيئة الأركان المشتركة في مناطقها المعنية..
وأكد بيترز أن أي صراع مع الصين ستكون له تداعيات عالمية، وقد يمتد إلى جميع أنحاء العالم، ومن الممكن أن تندلع عمليات قتالية في أفريقيا وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط. ومن المرجح أن تكون قدرة قيادة منطقة المحيطين الهندي والهادئ (إندوباكوم) على تخطيط وتنسيق والإشراف على مثل هذه العمليات، مع التركيز على الجبهة المركزية للحرب مع الصين في غرب المحيط الهادئ محدودة.
وسيكون لتنفيذ عمليات خارج قيادة منطقة المحيطين الهندي والهادئ (إندوباكوم) أهمية خاصة في صراع طويل الأمد يصبح فيه اعتماد الصين على واردات الطاقة نقطة ضعف رئيسية. كما ستزداد أهمية التخطيط العالمي خارج قيادة منطقة المحيطين الهندي والهادئ (إندوباكوم) مع توسيع الصين لوجودها العسكري العالمي وسعيها إلى بناء قواعد في الخارج.
3- إدراج مهمة "القبة الذهبية" للدفاع الصاروخي ضمن خطة القيادة الموحدة. ويجب أن تحدد خطة القيادة الموحدة القيادة الفضائية الأمريكية كجهة مسؤولة عن نشر وتشغيل نظام القبة الذهبية، وكذلك القيادة المدعومة لعمليات الدفاع الصاروخي العالمية. وستحظى هذه القيادة بدعم وكالة الدفاع الصاروخي الحالية - وهي وكالة دعم قتالي بثلاث نجوم - ستركز على البحث والتطوير للأنظمة الشاملة. ويتوافق هذا مع إعلان الرئيس دونالد ترامب في 20 مايو الماضي أن الجنرال مايكل جيتلين من قوة الفضاء سيكون المسؤول التنفيذي للقبة الذهبية.
4- دمج قيادة أفريقيا مع القيادة الأوروبية. وتشكل أفريقيا، على عكس أمريكا الشمالية ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ وأوروبا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية، تحديات بارزة ومحددة فيما يتعلق بالمصالح الأمريكية. ومع ذلك، فإن هذه المصالح لا تبرر وجود قيادة قتالية كاملة بقيادة جنرال يحمل أربع نجوم وعناصر مناسبة من الموظفين. وبدلا من ذلك، ينبغي أن تستوعب القيادة الأوروبية قيادة أفريقيا وتشكل "قيادة أطلسية" جديدة تدمج حدود القيادتين السابقتين.
وفي كلتا الحالتين، يجب أن يظل الأمن الأوروبي وردع العدوان الروسي هو الواجب الذي يحتل الأولوية. وبموجب الترتيب الجديد، ينبغي إنشاء فرقة عمل مشتركة بين الوكالات في أفريقيا لمواجهة تحديات الإرهاب أو التهديدات التي قد تشكلها روسيا أو الصين في أفريقيا.
5- نقل جرينلاند من القيادة الأوروبية إلى القيادة الشمالية. ونظرا لأهمية جرينلاند لدفاع أمريكا الشمالية - وخاصة الدفاع ضد الهجمات الصاروخية التي يتم شنها من أوراسيا - فمن المنطقي للغاية نقل جرينلاند بالكامل إلى منطقة عمليات القيادة الشمالية.
واختتم بيترز تقريره بالقول إنه لا يقدم هذه التوصيات باستخفاف- ولكن يجب على خطة القيادة الموحدة مواكبة التحديات التي تهدد المصالح الأمريكية والشعب الأمريكي. ويمتلك الرئيس ووزير الدفاع سلطة إصدار خطة قيادة موحدة جديدة وفقا لرغبتهما، ويتعين عليهما ممارسة هذه السلطة الآن.