يظن الكثير أن توقيع العقوبات الدولية على سوريا جاء بعد اندلاع الثورة السورية في 15 مارس 2011 والتعامل الأمني العنيف معها من نظام بشار الأسد، ولكن الحقيقة هي أن الشعب السوري يرزح تحت هذه العقوبات لنحو أربعة عقود من الزمان، ولأسباب مختلفة.
ما هي هذه العقوبات؟ ولماذا وُقّعت؟ ومتى بدأت؟ وهل تشهد انفراجة في الأيام القادمة؟ يجيب التقرير التالي عن كل هذه التساؤلات.
1979 الولايات المتحدة تصنف سوريا بـ"دولة راعية للإرهاب"
في مطلع 1976، دخل الجيش السوري الأراضي اللبنانية، وذلك بعد عام واحد من اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975، والتي كانت بين الحركة الوطنية ومنظمة التحرير الفلسطينية – التي كانت تتخذ من لبنان مقرًا لها في ذلك الوقت – من جهة، والجبهة الوطنية اللبنانية التي تضم اليمين المسيحي اللبناني من جهة ثانية، واستمرت لمدة 15 عامًا متسببة في حصد أرواح 150 ألف لبناني.
ودعمت القوات السورية الجبهة الوطنية التي تضم اليمين المسيحي، خوفًا من تغلب منظمة التحرير الفلسطينية والحركة الوطنية، الأمر الذي سيشعر إسرائيل بالتهديد، ويدفعها بالتالي لغزو لبنان.
وبالرغم من أن دخول الجيش السوري إلى لبنان حدث برعاية أمريكية، وفقًا لما روته الدكتورة بثينة شعبان المستشارة السياسية للرئيس السابق بشار الأسد، في كتابها "وثيقة وطن"، إلا أنه بحلول عام 1979 أدرجت الولايات المتحدة سوريا ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب بعد دعم دمشق المعلن لفصائل المقاومة الفلسطينية، و”حزب الله” اللبناني، مما نتج عنه فرض حظر شامل على صادرات الأسلحة والمبيعات الدفاعية لسوريا، كما شملت العقوبات قيودًا على تصدير المواد ذات الاستخدام المزدوج (المدني والعسكري).
1986 قضية هنداوي وفصل جديد من العقوبات على سوريا
توجهت امرأة أيرلندية تُدعى آن مورفي إلى مطار هيثرو بلندن، لتركب الطائرة إلى تل أبيب، وقبل صعودها إلى الطائرة، خضعت لتفتيش حقيبتها اليدوية ليعثر حارس أمن إسرائيلي على كيلوجرام ونصف الكيلوجرام من مادة السيمتكس شديدة الانفجار بداخل جيبها المخفي.
تبين فيما بعد ضلوع خطيب مورفي الأردني نزار هنداوي، في وضع المتفجرات بحقيبة يدها، بهدف تفجير الطائرة الإسرائيلية المتوجهة إلى تل أبيب، وكشفت التحقيقات البريطانية آنذاك عن علاقة هنداوي بالمخابرات السورية، وطُرد السفير السوري في لندن، كما أُغلقت سفارتها في دمشق، وفُرضت عقوبات جديدة ضد سوريا، عبر قانون مكافحة الإرهاب الأمريكي، الذي استهدف بشكل خاص البنية المالية والتجارية للبلاد.
2003 بوش الابن يوقع على "قانون محاسبة سوريا"
شكل "قانون محاسبة سوريا"، والذي وقعه الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن في 2003، بعد شهر من حصوله على الأغلبية في مجلس الشيوخ الأمريكي، فصلًا جديدًا من العقوبات المفروضة على النظام السوري.
وقالت الإدارة الأمريكية إنها أقرت هذا القانون لإنهاء الوجود السوري في لبنان، كما أنها تعتبر سوريا تهديدًا للاستقرار الإقليمي، نظرًا لدعم النظام السوري للجماعات الإرهابية وتدريبها داخل الأراضي السورية، والسماح لها بالتسلل إلى العراق عبر أراضيها.
بدأ تطبيقه رسميًا في مايو 2004 باعتبار سوريا تشكل تهديدًا للاستقرار الإقليمي.
تضمّن القانون فرض قيود على تصدير السلع الأمريكية إلى سوريا، باستثناء الغذاء والدواء، ومنع شركات الطيران السورية من السفر إلى الولايات المتحدة، وتوسيع العقوبات بحق عدد من المسؤولين السوريين.
لكن استيراد السلع من سوريا، بما فيها المواد النفطية، والمعاملات المصرفية معها، بقيتا خارج نطاق العقوبات التي أقرها القانون، وكذلك الحال بالنسبة للاستثمارات الأمريكية في سوريا التي لم يطلها المنع.
2005 اغتيال الحريري يورط سوريا في مزيد من العقوبات
في 14 من فبراير 2005 اغتيل رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، ولقي 21 شخصًا مصرعهم إثر انفجار ضخم هز بيروت، وأشارت أصابع الاتهام إلى تورط النظام السوري وحزب الله، خاصة أن العلاقات بين الحريري والحكومة السورية شهدت توترًا قبل أيام من اغتياله.
تجدد بعدها، في 2006، "قانون محاسبة سوريا" مع توسيع دائرة العقوبات لتشمل القطاع المصرفي السوري، حيث استهدفت بشكل مباشر البنك التجاري السوري، وحُظرت كافة أنواع التعاملات المالية بين البنوك الأمريكية والبنك التجاري السوري. وقد تم تجديد هذا القانون مرة أخرى من قبل إدارة الرئيس باراك أوباما في مايو 2010.
2011 الثورة السورية و"قانون قيصر"
انطلقت شرارة الثورة السورية في 15 مارس 2011 بمظاهرات سلمية في بعض المدن والقرى السورية المهمشة، إلا أن التعامل القمعي من جانب جيش نظام الأسد، والذي تبعه انشقاق لبعض أفراد الجيش وتكوين الجيش السوري الحر، أدى إلى تحول الاحتجاجات إلى حرب أهلية استمرت لمدة 13 عامًا، وقتل فيها ما لا يقل عن 234,145 مدنيًا، و177,021 شخصًا لا يزالون قيد الاختفاء القسري، إضافة إلى دمار هائل في البنى التحتية منذ مارس 2011، وفقًا لبيانات الشبكة السورية لحقوق الإنسان.
أدت أعمال العنف التي انتهجها نظام بشار الأسد، إلى إقرار الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مزيدًا من العقوبات، بهدف الضغط على الإدارة السورية للتوقف عن قمع السوريين.
كان من أبرز هذه العقوبات “قانون قيصر”، الذي أقرته الولايات المتحدة وبدأت تطبيقه في عام 2020، والذي هدف بشكل رئيسي إلى زيادة الضغط على الأسد ونظامه وفرض عزلة اقتصادية شاملة عليه.
استهدف القانون الجهات الأمنية والعسكرية، مؤسسات ومسؤولين حكوميين، قطاع الطاقة والنفط، قطاع المصارف والمؤسسات المالية، تجّار الحرب والأفراد الداعمين للنظام ماليًا، شركات وأفرادًا دوليين مرتبطين بالنظام السوري.
كما تضمن الجهات المتأثرة بشكل غير مباشر، مثل المؤسسات الحكومية غير المشمولة بالعقوبات، قطاع الأعمال التقليدي غير المرتبط بالنظام، مؤسسات المجتمع المدني، المواطنين العاديين الذين تحملوا العبء الأكبر من الأزمات الاقتصادية الناتجة عن العقوبات.
إسقاط نظام الأسد واستيلاء الإسلاميين.. هل يغيّر المعادلة؟
في 8 ديسمبر 2024 استيقظ العالم على نبأ إسقاط جبهة تحرير الشام برئاسة أحمد الشرع، الملقب سابقًا بـ"أبو محمد الجولاني"، لنظام الأسد الذي ظل يحكم سوريا على مدار 5 عقود.
أصدرت الولايات المتحدة الأمريكية، في يناير الماضي، ترخيصًا عامًا جديدًا، يحمل اسم GL 24، يهدف إلى السماح بمعاملات محددة مع المؤسسات الحاكمة في سوريا بعد 8 ديسمبر 2024، تمتد لمدة 6 أشهر قابلة للتمديد أو التعديل وفقًا لتطورات الوضع السياسي في سوريا.
ويشمل هذا الترخيص، السماح للشركات والأطراف الدولية بالتعاقد مع الوزارات والهيئات والمديريات الحكومية السورية، باستثناء وزارة الدفاع والاستخبارات.
كما تسمح الرخصة بتقديم الخدمات والمساعدات، بما في ذلك الهبات المخصصة لدفع رواتب الموظفين الحكوميين، بالإضافة إلى الإعفاءات للشركات بالدخول لإصلاح شبكات الكهرباء ومحطات الطاقة، كما تغطي المعاملات المرتبطة ببيع أو توريد أو تخزين النفط، الغاز الطبيعي، والكهرباء داخل سوريا أو إليها، وتسهل تحويل الأموال الشخصية غير التجارية إلى سوريا، بما في ذلك عبر البنك المركزي السوري.
ولكنها تستثني قطاعات الاتصالات والمصرف المركزي وجبهة تحرير الشام، والشخصيات المحسوبة على نظام الأسد.
ولكن تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأخيرة في واشنطن قبل مغادرته إلى الشرق الأوسط، والتي قال فيها: "إننا يجب أن نتخذ قرارًا بشأن العقوبات المفروضة على سوريا، وأن نخففها بشكل جيد"، تعطي الأمل للسوريين نحو مزيد من الإجراءات التي تخفف هذه العقوبات.