مع بداية العام الدراسي الجديد، يواجه كثير من أولياء الأمور تحديا خاصا مع أبنائهم الذين يدخلون المدرسة لأول مرة، فبينما يمر بعض الأطفال بالتجربة بسلاسة يعاني آخرون من صعوبة في الانفصال عن المنزل والأم، أو في التأقلم مع النظام المدرسي الجديد.
وتضع الدكتورة بثينة عبد الرؤوف، الخبيرة التربوية، خريطة واضحة للتهيئة النفسية من خلال حديثها لـ"الشروق"؛ لتمر تلك الفترة بسلام على الطفل وولي الأمر.
* البداية الصحيحة تحمي الطفل من الصدمات
قالت الدكتورة بثينة عبد الرؤوف، إن دخول الطفل تجربة الدراسة لأول مرة، سواء في الحضانة أو المدرسة، يمثل تحديا صعبا بطبيعته، فالطفل يواجه عالما جديدا يفرض عليه الالتزام والانفصال عن المنزل والأم، ومع ذلك، يختلف مستوى الصعوبة من طفل لآخر؛ فالأطفال الذين سبق لهم التعامل مع الآخرين حتى لو لفترات قصيرة يتأقلمون أسرع.
فيما يواجه الطفل الذي يدخل المدرسة أو الحضانة للمرة الأولى دون خبرة سابقة في التواجد بين مجموعة من الأطفال صعوبة أكبر، إذ يختبر للمرة الأولى الانفصال الكامل عن والدته ويلتزم بقواعد صارمة داخل فصل مزدحم.
كما شددت الخبيرة التربوية، على أن هذه المرحلة المبكرة شديدة الأهمية، فإذا لم يتعامل معها الوالدان بحذر قد تترك في نفس الطفل عقدة من الدراسة تستمر معه طويلا.
* دور الأسرة خطوات أساسية للتهيئة
ونوهت بأن مسئولية التهيئة النفسية والسلوكية للطفل تقع أولا على عاتق الأسرة، وتقدم عددًا من الخطوات العملية:
1. زيارة المدرسة مسبقا
يجب أن تصطحب الأم أو الأب الطفل أثناء التقديم في المدرسة أو في أي فرصة قبل الدراسة ليشاهد بنفسه المباني والأماكن التي سيذهب إليها يوميا فهذه الجولة المبكرة تكسر حاجز الخوف وتجعله يشعر أنه يعرف المكان مسبقا.
2. الارتباط الشرطي الإيجابي
عند شراء ملابس المدرسة أو الحقيبة أو الأحذية أو الأدوات، من الأفضل إشراك الطفل في اختيارها بنفسه، هذه المشاركة تخلق ارتباطا شرطيا إيجابيا بين المدرسة وأشياء جديدة ومبهجة تشبه فرحة العيد، ويفضل أيضا أن يختار بنفسه الاستيكرات أو الأشكال التي يضعها على أدواته مما سيعزز حماسه للذهاب.
3. التعويد على الاستيقاظ المبكر
من أكبر مشاكل اليوم الأول أن يجبر الطفل فجأة على الاستيقاظ في السادسة صباحا بعد اعتياده النوم حتى العاشرة أو الحادية عشرة؛ لذا تنصح الدكتورة بثينة، ببدء التدريب قبل الدراسة بأيام على الأقل، من خلال تقديم موعد الاستيقاظ تدريجيا من العاشرة إلى التاسعة ثم الثامنة، حتى الوصول إلى السابعة صباحا وبهذا لا يرتبط الذهاب إلى المدرسة بإحساس مزعج بالتعب والنعاس.
4. التدريب على الاستقلالية
من المهم أن يكون الطفل قادرا على دخول الحمام والاعتماد على نفسه في النظافة الشخصية قبل الالتحاق بالمدرسة، خصوصا في المدارس الحكومية التي تضم عشرات الأطفال تحت إشراف محدود فعدم الاعتماد على النفس قد يعرض الطفل لمواقف محرجة أو سخرية من زملائه، ما يسبب له صدمة نفسية يصعب تجاوزها.
* دور المدرسة.. بين الاحتفال والدعم النفسي
لا تقتصر مسئولية التهيئة على الأسرة فقط، بل على المدرسة أيضا، إذ تشير الخبيرة التربوية، إلى أن كثيرا من المدارس الخاصة تنظم حفلات ترحيب للأطفال الجدد في أول يوم تتضمن بالونات وألعاب وهدايا بسيطة، ما يخلق جوا احتفاليا يساعد على كسر الحاجز النفسي، وإذا لم تفعل المدرسة ذلك يمكن للأسرة أن تعوض من خلال إحضار بالونات أو مفاجآت بسيطة للطفل وزملائه، ليظل اليوم الأول مرتبطا بالبهجة لا بالتوتر.
وترى الدكتورة بثينة، أن وجود أخصائي نفسي واجتماعي في المرحلة الابتدائية أكثر أهمية منه في المرحلة الثانوية، لأن التدخل المبكر يساعد في التعامل مع سلوكيات مثل العدوانية المفرطة أو البكاء المستمر أو رفض المدرسة لكن للأسف هذا الجانب مهمل في أغلب المدارس، حتى الخاصة منها رغم أنه عنصر جوهري في نجاح العملية التعليمية.
* اختلاف شخصيات الأطفال يحدد طريقة التعامل
وتوضح الخبيرة التربوية، أن الأطفال يختلفون بشكل كبير في طباعهم وردود أفعالهم، وبالتالي تختلف طرق تهيئتهم للمدرسة، فهناك طفل هادئ بطبعه يلتزم بالتعليمات بسهولة لكنه قد يكون خجولا، وهنا تنصح الأم بتشجيعه على اللجوء للمعلمة إذا تعرض لأي مضايقة وعدم السكوت.
في المقابل، هناك طفل متحرك ونشيط يفضل اللعب والحركة المستمرة، وقد يسبب بعض الإزعاج داخل الفصل، وهنا يجب أن تهيئه الأم مسبقا لفكرة احترام القواعد وعدم ضرب الآخرين أو التعدي عليهم.
كما تبرز فئة أخرى من الأطفال قد يعانون مشكلات في الكلام أو بطء في التعبير، وهؤلاء يحتاجون لصبر ودعم أكبر من الأسرة والمعلمة معا.
وتوضح الخبيرة، أن مسئولية متابعة هذه الفروق تقع على المعلمة أو المعلمة المساعدة داخل الفصل، لكن الدور الأساسي يبدأ من البيت، حيث تقدم الأم لطفلها بدون ضغط إرشادات بسيطة تناسب شخصيته وتساعده على التكيف.
* ضرورة تواصل الأهل مع مجتمع المدرسة
جزء آخر من التهيئة يتعلق بقدرة الأهل على متابعة علاقات أبنائهم بزملائهم؛ لذا تنصح الدكتورة "بثينة عبد الرؤوف"، الأمهات بالتعرف على أسر الأطفال الآخرين خاصة الذين ينجذب إليهم طفلهم، لأن شخصية الوالدين تنعكس غالبا على أبنائهم فإذا لاحظت الأم أن والدة أحد أصدقاء ابنها شخصية عصبية أو عنيفة، يمكنها التدخل لحماية طفلها من تأثيرات سلبية محتملة، كما أن متابعة الأصدقاء المقربين تساعد الأم على فهم البيئة الاجتماعية التي يقضي طفلها وقته فيها.
* بدائل الحضانة لمن لم يلتحق بها
كما تنصح أن يمر الطفل بتجربة التمدرس بدون ضغط قبل دخول الصف الأول الإبتدائي، حتى وإن لم تسمح الظروف بالتحاقه بحضانة تقليدية أو بسنوات الـKG في المدرسة وتقترح خيارات بديلة مثل الحضانات التابعة للمساجد أو الكنائس، أو الحضانات التي تستقبل الأطفال ليوم واحد فقط، أو الأماكن التي تقيم بعض الأنشطة والفعاليات للأطفال لتنمية مهاراتهم، المهم أن يعتاد الطفل على فكرة الذهاب لمكان منظم والتفاعل داخل مجموعة حتى لو لمرات معدودة.