قال المستشار طاهر الخولي، المحامي بالنقض، إن قرار الرئيس السيسي برد قانون الإجراءات الجنائية سيغلق أبواب الجدل والطعن على دستورية أحد أهم القوانين التي تمس حياة وحريات المواطنين والعدالة، بما يستوجب أن يخرج محصنًا من أي عوار دستوري قد يربك منظومة العدالة في مصر.
وأوضح الخولي في تصريح لـ"الشروق" أن القانون الجديد يجب أن يُنظر إليه باعتباره "دستور المحاكمات الجنائية" لما يتضمنه من مواد تمس بشكل مباشر حماية الحريات الأساسية، مثل التفتيش والقبض والإجراءات الخاصة بالأشخاص والمساكن.
وأشار إلى أن مشروع القانون يطرح بدائل جديدة للحبس الاحتياطي، مثل المنع من مغادرة المسكن، حظر السفر، وتقييد استخدام الهاتف أو التواصل مع الآخرين باستثناء ذويه، فضلًا عن إجراءات تحفظية كمنع الزيارات أو الإقامة الجبرية، مشيرًا إلى أن هناك بدائل أخرى يمكن التوسع في مناقشتها لتكون قابلة للتطبيق وتستفيد منها منظومة العدالة.
وفيما يتعلق بالمحاكمات عن بُعد، رأى الخولي أن الآليات المطروحة بحاجة إلى مناقشة أكثر عمقًا، مرشحًا أن يُترك الأمر للبرلمان القادم لضمان صياغة أكثر دقة ووضوحًا.
وأكد الخولي أن قانون الإجراءات الجنائية الحالي الذي يعود إلى عام 1950 بات في حاجة ملحة إلى تحديث شامل، على أن تتم صياغة نصوصه بشكل قانوني محكم يقطع الطريق أمام أي غموض أو تلاعب في التطبيق.
وفي خطوة مفاجئة أعلنت رئاسة الجمهورية اليوم أن الرئيس عبد الفتاح السيسي وجه برد مشروع قانون الإجراءات الجنائية إلى مجلس النواب لبحث الاعتراضات على عدد من مواد مشروع القانون.
وهذه المرة الثانية في عهد الرئيس السيسي التي يعيد فيها مشروع قانون إلى مجلس النواب لإعادة النظر فيه بعدما كان قد اعترض على مشروع قانون التجارب السريرية عام 2018 وأعاده ثم صدر بعد التعديلات عام 2020.
التنظيم الدستوري لإعادة مشروع القانون إلى مجلس النواب
تنص المادة 123 من الدستور على أن "لرئيس الجمهورية حق إصدار القوانين أو الاعتراض عليها. وإذا اعترض رئيس الجمهورية على مشروع قانون أقره مجلس النواب، رده إليه خلال ثلاثين يوماً من إبلاغ المجلس إياه، فإذا لم يرد مشروع القانون في هذا الميعاد اعتبر قانوناً وأصدر. وإذا رد في الميعاد المتقدم إلى المجلس، وأقره ثانية بأغلبية ثلثي أعضائه، اعتبر قانوناً وأصدر".
والمادة 123 من الدستور تحتسب فترة الـ30 يوما التي من الممكن أن يعترض فيها رئيس الجمهورية على مشروع القانون، من تاريخ إبلاغه به وليس من تاريخ موافقة مجلس النواب نهائيا عليه.
وذكرت رئاسة الجمهورية أن مشروع قانون الإجراءات الجنائية ورد من مجلس النواب إلى الرئاسة بتاريخ 26 أغسطس الماضي بطلب إصداره.
وهذا يعني أن قرار الرد صدر من رئيس الجمهورية في الموعد المحدد دستوريا وفق المادة 123 من الدستور.
أسباب إعادة النظر في مشروع القانون
قالت رئاسة الجمهورية إن مناشدات عديدة تلقاها الرئيس السيسي لإعادة النظر في بعض مواده.
والمواد المعترض عليها تتعلق باعتبارات الحوكمة والوضوح والواقعية، بما يوجب إعادة دراستها لتحقيق مزيد من الضمانات المقررة لحرمة المسكن ولحقوق المتهم أمام جهات التحقيق والمحاكمة.
كما تشمل زيادة بدائل الحبس الاحتياطي للحد من اللجوء إليه.
وإزالة أي غموض في الصياغة يؤدي إلى تعدد التفسيرات أو وقوع مشاكل عند التطبيق على أرض الواقع.
وإتاحة الوقت المناسب أمام الوزارات والجهات المعنية لتنفيذ الآليات والنماذج المستحدثة في مشروع القانون والإلمام بأحكامه ليتم تطبيقها بكل دقة ويسر وصولاً إلى العدالة الناجزة في إطار من الدستور والقانون.
إشادة بجهود البرلمان
وأشاد الرئيس السيسي بجهود مجلس النواب الموقر في إقرار مشروع قانون الإجراءات الجنائية وما استحدثه فيه من تنظيم موضوعات لأول مرة.
من تلك الموضوعات: إجراءات منع المتهمين من السفر ووضعهم على قوائم ترقب الوصول، وإجراءات التعويض المادي عن الحبس الاحتياطي في حالات محددة وتخفيض مدده، وإجراءات التحقيق وتجديد الحبس والمحاكمة عن بعد من خلال استخدام وسائل تقنية المعلومات، وإجراءات حماية الشهود، وإجراءات التعاون القضائي الدولي في المسائل الجنائية، وكذلك التعديلات الجوهرية التي أدخلها مجلس النواب على عدد آخر من نصوص قانون الإجراءات الجنائية الساري.
وبالتالي يستمر قانون الإجراءات الجنائية الساري حاليا مطبقا حتى إشعار آخر.