الدكتور عمرو حسن يكتب لـ الشروق: برمجة الجنين والأنيميا - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 سبتمبر 2025 7:44 م القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

برأيك.. من البديل الأنسب لـ ريبيرو في النادي الأهلي؟

الدكتور عمرو حسن يكتب لـ الشروق: برمجة الجنين والأنيميا

الدكتور عمرو حسن أستاذ النساء والتوليد بجامعة القاهرة
الدكتور عمرو حسن أستاذ النساء والتوليد بجامعة القاهرة

نشر في: الإثنين 22 سبتمبر 2025 - 7:27 م | آخر تحديث: الثلاثاء 23 سبتمبر 2025 - 2:20 م

في زمن تُعاد فيه صياغة ملامح الجمهورية الجديدة، ويؤكد الرئيس عبد الفتاح السيسي أن بناء الإنسان المصري هو التحدي الأكبر أمام الدولة، تتصدر قضية صامتة لكنها شديدة الخطورة المشهد الصحي والاجتماعي في مصر: الأنيميا بين النساء المصريات، هي ليست مجرد حالة إرهاق أو ضعف عابر، بل أزمة وطنية عميقة تهدد صحة المرأة اليوم وتنعكس بشكل مباشر على جودة الأجيال القادمة، تلك الأجيال التي ستحمل على عاتقها مسؤولية بناء مستقبل هذا الوطن.

الأرقام التي كشفها المسح الصحي للأسرة المصرية لعام 2021 تدق ناقوس الخطر بقوة؛ فقد تبين أن 38% من السيدات المصريات يعانين من الأنيميا، أي أن أكثر من سيدة واحدة من بين كل ثلاث نساء مصابة بالمرض، هذه النسبة ارتفعت مقارنة بعام 2014 الذي سجل 25%، وعام 2000 الذي بلغ 23%، لتقترب من أعلى معدل سُجل عام 2005 بنسبة 39%، معظم الحالات مصنفة كأنيميا بسيطة بنسبة 29%، وهو ما يعني أن العلاج ممكن وسهل إذا توفرت التوعية والرعاية الصحية المبكرة، كما أظهر المسح أن النسبة ترتفع مع العمر، حيث بلغت 34% بين الفتيات المراهقات (15–19 عامًا)، لتصل إلى 40% بين السيدات في الأربعينات، وهو مؤشر خطير يعكس اتساع نطاق المشكلة عبر مختلف الفئات العمرية.

لكن خطورة الأنيميا لا تتوقف عند حدود الأرقام فقط، فالمسألة أعمق بكثير من تعب جسدي أو إرهاق مؤقت ، الأنيميا تعني نقص الهيموغلوبين في الدم، وبالتالي نقص كمية الأوكسجين التي تصل إلى خلايا الجسم… وإلى الجنين الذي يتكوّن داخل رحم الأم ، هنا يدخل العلم بمفهوم برمجة الجنين (Fetal Programming)، وهو ما يعني أن بيئة الحمل الفقيرة بالحديد والأوكسجين تُبرمج أعضاء وأجهزة الجنين بشكل غير صحي، فتكون النتيجة أجيالًا أكثر هشاشة وضعفًا: نمو معرفي أقل، قدرات ذهنية أضعف، جهاز مناعي هش، قلب وأوعية دموية أقل كفاءة، واستعداد مبكر للإصابة بالأمراض المزمنة كالسكري والضغط وأمراض القلب ، ببساطة، أنيميا الأم اليوم قد تصنع مواطنًا أقل إنتاجًا غدًا.

هنا تتجاوز الأزمة حدود الطب لتصبح تحديًا اقتصاديًا وسياسيًا وتنمويًا في الوقت نفسه ، فأم مرهقة صحيًا تعني تكلفة علاجية أعلى تتحملها الدولة، وطفل ضعيف البنية يعني عبئًا إضافيًا على منظومة التعليم وسوق العمل والإنتاج ، إن الأنيميا بين نساء مصر ليست قضية فردية تخص كل سيدة بمفردها، بل هي قضية أمن قومي وصحي تمس مستقبل رأس المال البشري المصري، الذي يمثل الركيزة الأساسية لأي مشروع تنموي طموح تسعى إليه الدولة.

وإذا كانت الأنيميا اليوم تصيب أكثر من ثلث سيدات مصر، فهي في الحقيقة تهدد ثلث أجيال الغد ، نحن أمام معركة لا تقل خطورة عن أي تحدٍ اقتصادي أو سياسي تواجهه الدولة ، فالأم السليمة تعني طفلًا سليمًا، والطفل السليم يعني مواطنًا قادرًا على التعلم والعمل والإنتاج والمشاركة الفعّالة في بناء وطن قوي قادر على المنافسة عالميًا.

حسم هذه المعركة اليوم لم يعد خيارًا، بل ضرورة وطنية ملحّة، لأن ما يجري في دم المرأة المصرية اليوم… سيجري غدًا في شرايين الوطن بأسره.

* مستشار وزير الصحة وأستاذ النساء والتوليد بطب قصر العيني



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك