أثار إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن نية فرنسا الاعتراف رسميًا بدولة فلسطين في الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر المقبل، انقسامًا سياسيًا واضحًا داخل المشهد الحزبي الفرنسي، بين من رحب واعتبرها "لحظة تاريخية" طال انتظارها، ومن وصف القرار بـ"المتسرع والخطر السياسي".
اليسار يصفق.. لكن يطالب بالمزيد
وعبرت أحزاب اليسار الفرنسي عن تأييد واسع لقرار ماكرون، لكنها رأت أن "الرمزية وحدها لا تكفي". فزعيم حركة "فرنسا الأبية" جان-لوك ميلانشون (يسار متطرف) اعتبر أن ماكرون تأخر كثيرًا.
وقال ميلانشون: "القرار يمثل نصرًا أخلاقيًا لمعسكرنا، لكن لماذا الانتظار حتى سبتمبر؟ وماذا عن فرض حظر على الأسلحة؟ نحن نطالب بإجراءات ملموسة، وبوقف فوري للعدوان الجاري، هذا الاعتراف لا يجب أن يبقى شكليًا فقط"، بحسب صحيفة "سود ويست" الفرنسية.
بدورها، قالت مارين تونديلييه، الأمينة الوطنية لحزب "الخضر": "موقف فرنسا مهم، لكنه يجب أن يكون نقطة انطلاق لمساعدة سكان غزة الذين يواجهون كارثة إنسانية".
أما فابيان روسيل، الأمين العام للحزب الشيوعي الفرنسي، فدعا إلى ترجمة الاعتراف إلى خطوات عملية: "الوقت ليس للبيانات الرمزية، بل لاتخاذ إجراءات حقيقية لحماية الشعب الفلسطيني، ومعاقبة حكومة نتنياهو".
اليمين واليمين المتطرف: رفض وتحذير من "مكافأة الإرهاب"
في المقابل، واجه القرار انتقادات حادة من أحزاب اليمين، لا سيما اليمين المتطرف، الذي اتّهم ماكرون بتقديم "هدية سياسية" لحركة حماس، بحسب صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية.
وقال رئيس حزب التجمع الوطني جوردان بارديلا: "هذه الخطوة تمنح شرعية غير مسبوقة لحماس، وتظهر أن القرار مدفوع بمصالح انتخابية داخلية أكثر من كونه بحثًا صادقًا عن السلام".
أما إريك سيوتي، زعيم "اتحاد اليمين الجمهوري"، فوصف القرار بأنه "متسرّع وغير شرعي": "ماكرون لا يملك التفويض لاتخاذ قرارات بهذا الثقل. المسألة يجب أن تُعرض على البرلمان، خاصة بعد هزيمته في الانتخابات".
من جانبها، التزمت مارين لوبان الحذر، رغم أن موقفها التقليدي كان داعمًا لحل الدولتين. لكنها اكتفت بالتحذير من تداعيات القرار "في ظرف أمني دولي معقد".
* الأغلبية الرئاسية الفرنسية: احتفاء "بتاريخية اللحظة"
في معسكر الحكومة، قوبل القرار بإشادات واسعة. وزير الزراعة مارك فيزنو وصفه بـ"الخطوة التاريخية والمستحقة"، بينما أكدت رئيسة الوزراء السابقة إليزابيث بورن أن الاعتراف يعكس "التزام فرنسا بحل الدولتين كسبيل وحيد للسلام العادل".
* أصوات مستقلة: دعم مشروط ودعوة للتحرك الإنساني
رئيس الوزراء الأسبق دومينيك دو فيلبان اعتبر الاعتراف "تاريخيًا وشجاعًا"، لكنه دعا إلى خطوات عاجلة: "الكلمات وحدها لا تكفي. على فرنسا أن تطلق فورًا مبادرة إنسانية ضخمة لغزة تشمل الغذاء والدواء والمساعدات الطبية."
* المجتمع المدني والتمثيل اليهودي: انقسام وغضب
ردود الفعل المجتمعية لم تقل سخونة. فقد وصف مجلس المؤسسات اليهودية في فرنسا (CRIF) القرار بأنه "خطيئة أخلاقية وخطر سياسي"، مؤكدًا أن الاعتراف "دون شروط مسبقة سيُعتبر مكافأة للإرهاب".
في المقابل، خرج ناشطون مؤيدون لفلسطين في مظاهرات رمزية بباريس، رافعين لافتات تطالب بـ"إجراءات فعلية لوقف الإبادة في غزة"، معتبرين أن "الاعتراف وحده لا يوقف القتل".
ووفقا لصحيفة "سود ويست" الفرنسية، فإن القرار الفرنسي أعاد رسم خطوط الانقسام التقليدية بين اليسار الداعم واليمين المعارض، لكنه كشف أيضًا عن تحوّل داخلي في المزاج السياسي تجاه القضية الفلسطينية. في حين يتطلع أنصار ماكرون إلى تسجيل إنجاز دبلوماسي غير مسبوق، يرى خصومه أن توقيت الخطوة وظروفها يضعانها في خانة "الاستعراض السياسي".