قبل بضعة أشهر، أكد الأمين العام للأمم المتحدة على حاجة قادة العالم إلى الدفاع عن العمل المناخى والعدالة المناخية، ولا سيما قادة دول مجموعة العشرين، التى تساهم وحدها فى إطلاق 80% من الانبعاثات الضارة عالميا. قال الأمين العام: «إن عصر الاحتباس الحرارى قد انتهى؛ لقد أصبحنا فى عصر الغليان العالمى». وقد سمع هذا التحذير بوضوح فى قمة الأطراف كوب 28 (COP28) التى انعقدت خلال الفترة من 30 نوفمبر إلى 12 ديسمبر فى دولة الإمارات العربية، والتى سعت إلى حشد المزيد من الأموال للتكيف مع تغير المناخ، والتى من المتوقع أيضا أن تثير المزيد من المقاومة من جانب منتجى المواد الهيدروكربونية، ضد استخدام هذه الأموال بكفاءة.
• • •
إجماع الإمارات العربية المتحدة: هو اتفاق شامل وقعته 197 دولة بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبى، ويضع، من بين أمور أخرى، الأساس للانتقال بعيدا عن الوقود الأحفورى، ومضاعفة مصادر الطاقة المتجددة ثلاث مرات، ومضاعفة كفاءة استخدام الطاقة بحلول عام 2030، فضلا عن توفير هيكل تمويلى جديد لتحقيق صافى انبعاثات صفرية بحلول عام 2050.
وقد تم تأسيس «إجماع الإمارات» على الركائز الأربعة لاتفاق باريس، وهى: تسريع التحول العادل للطاقة، وتصحيح تمويل المناخ، والتركيز على البشر والطبيعة، وتشجيع الاندماج فى العمل المناخى. وفقا للتقديرات الأولية، ساهمت قمة الأمم المتحدة للمناخ فى دبى فى تعبئة تمويل قياسى قدره 85 مليار دولار مخصصة للعمل المناخى، بما فى ذلك تدعيم ثلاثة صناديق، هى صندوق الخسائر والأضرار، وصندوق المناخ الأخضر، وصندوق المناخ ألتيرا ALTERRA. مع ذلك، ما زلنا بعيدين كثيرا عن متطلبات التمويل الواقعية لتحقيق الكفاءة والعدالة فى العمل المناخى.
إن استثمار ما بين 5 و 7 تريليونات دولار سنويا فى تخضير الاقتصاد العالمى بحلول عام 2030، سوف يشكل أهمية بالغة لتحقيق الأهداف المناخية العالمية. توفر الجهود الرامية لتحقيق أهداف اتفاق باريس فرصة لتسريع النمو المحلى والإقليمى والعالمى منخفض الكربون، وبالتالى لتحقيق عدد من أهداف التنمية المستدامة.
وفقا لوكالة الطاقة الدولية، بلغت انبعاثات ثانى أكسيد الكربون الناتجة عن وسائل النقل وحدها نحو 8,2 جيجا طن فى عام 2019، وهو ما يمثل أكثر من ربع إجمالى انبعاثات ثانى أكسيد الكربون العالمية. منذ عام 2000، ارتفعت الانبعاثات تدريجيا بنحو 2% سنويا، ولكنها زادت بنسبة أقل من 0,5% فى عام 2019، وهو ما يرجع فى الأغلب إلى زيادة كفاءة الاستهلاك الطاقى، والتحول إلى الكهرباء، وزيادة استخدام الوقود الحيوى. تقدر منظمة الصحة العالمية (WHO) أن أكثر من 80٪ من الأشخاص الذين يعيشون فى المناطق الحضرية، يتعرضون لمستويات من التلوث تتجاوز الحدود الموصى بها من قبل المنظمة.
وقد تضاعف تمويل العمل المناخى العالمى تقريبا من 653 مليار دولار فى الفترة 2019ــ2020 إلى 1,3 تريليون دولار سنويا فى الفترة 2021ــ2022. ومع ذلك، فإن نسبة تمويل المناخ المستخدم «فعليا» للتكيف آخذة فى الانخفاض، حيث انخفضت من 7% فى الفترة الأولى إلى 5% من إجمالى تمويل المناخ فى الفترة الثانية. ومن المرجح أن تكون التكلفة المالية للتحول فى مجال الطاقة كبيرة بسبب كثافة الاستثمار العالية فى انتقال الطاقة. وتكشف نماذج المحاكاة أن التحول، فى جميع مساراته، سيكون كثيف الاستخدام لرأس المال، حيث يتراوح إجمالى النفقات الرأسمالية المطلوبة بحلول عام 2040 من 32,7 مليار دولار أمريكى فى سيناريو التكيف البسيط إلى 94,9 مليار دولار أمريكى لسيناريو إزالة الكربون بشكل عميق ومؤثر. الجانب الأكبر من تلك الاستثمارات يجب أن يسدد مبكرا؛ فبحلول عام 2025، ينبغى تخصيص ما يقرب من 28% من إجمالى التكاليف الرأسمالية لتحول أو انتقال الطاقة. إن كل خيارات الانتقال سوف تتكبد تكلفة مالية كبيرة، والتى سوف تنعكس فى عجز الموازنات العامة للدول كنسبة من نواتجها المحلية الإجمالية.
• • •
من الممكن أن تساهم الجهود المناخية الرامية إلى خفض الانبعاثات وزيادة كفاءة استخدام الموارد فى تحقيق تكيف أكثر إنصافا وشمولا، من خلال خلق فرص عمل أكثر وأفضل فى مجموعة متنوعة من القطاعات، لا سيما عندما تقترن بسياسات لدعم تأهيل القوى العاملة وتحسين المهارات، فضلا عن تنمية وتحفيز القطاع الخاص. سيؤدى الاستثمار فى إزالة الكربون وكفاءة استخدام الطاقة، إلى زيادة الطلب على العمالة لتوليد الطاقة المتجددة، وتركيبها، وصيانتها، ورفع كفاءة المبانى... والتى تحتاج جميعا إلى مجموعة متنوعة من المهارات. الاستثمار فى تنمية المهارات، سواء فى مكان العمل أو من خلال التدريب الفنى والتعليم المهنى المتخصص، من شأنها أن تساعد العاملين فى الدول النامية على تلبية هذه الحاجات المتزايدة. ستخلق تلك الصناعات الناشئة فرصا لرواد الأعمال فى مجالات عدة: مثل تدقيق الطاقة ومراقبتها، بالإضافة إلى تصميم المبانى الخضراء.
وكما يشكل تغير المناخ الخطر الأكبر على كوكبنا، فهو يعد فرصة لا مثيل لها لحشد الجهود الدولية، لتحسين كفاءة قطاعى الطاقة والصناعة، فضلا عن أنظمة النقل والزراعة المستدامة، وتطوير اقتصادات قادرة على الصمود فى مواجهة تغير المناخ، وتحقيق الانتقال العادل إلى اقتصادات صافية الانبعاثات الصفرية. ولاغتنام تلك الفرصة تحتاج الدول النامية إلى موارد تمويل ميسرة، وإطلاق العنان لرأس المال الخاص، فضلا عن نقل المعرفة والمهارات والتكنولوجيا على نطاق واسع.
وإذ اختتمت الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف التى انعقدت فى شرم الشيخ أعمالها باتفاق تاريخى، لتدشين صندوق «الخسائر والأضرار» للدول الأكثر احتياجا، التى تتحمل وطأة تغير المناخ. فقد تم إطلاق هذا الصندوق فى اليوم الأول لمؤتمر الأطراف الثامن والعشرين، وهو ما يمثل وسيلة للدول المتقدمة لتعويض الدول النامية عن الأضرار البيئية التى لحقت بها، عبر عصور من الإفراط فى إطلاق الانبعاثات الكربونية الضارة، بغية تحقيق نهضتها الصناعية. لقد استغرق العالم المتقدم 28 عاما حتى يدرك مسئوليته عن إفساد مناخ كوكب الأرض. ومع ذلك، لم يتلقَ ذلك الصندوق سوى 429 مليون دولار، أقل بكثير من مبلغ 400 مليار دولار، مطلوبة كتعويضات سنوية مقدرة للدول الفقيرة. كما لم يتم تقديم أى تعهدات بتوسيع مستويات التمويل. وبما أن الولايات المتحدة هى المساهم الرئيس فى إجمالى الانبعاثات الغازية المسببة للاحتباس الحرارى العالمى، فإن مساهمتها فى الصندوق بمبلغ 17,5 مليون دولار فقط هى أمر مثير للشفقة!
وقد تعهدت دولة الإمارات بتقديم 30 مليار دولار لصندوق «ألتيرا»، بما فى ذلك خمسة مليارات دولار للدول الفقيرة جنوب الكرة الأرضية، فى أكبر صفقة منفردة يتم الاتفاق عليها فى مؤتمر المناخ كوب 28. يسعى صندوق «ألتيرا» إلى جمع 250 مليار دولار من الاستثمارات المؤسسية بحلول عام 2030 بغرض دعم الحلول المناخية واسعة النطاق فى جميع أنحاء العالم.
من بين 97 ألف فرد حضروا مؤتمر الأطراف، ممثلين لنحو مائتى دولة، كان هناك 2456 من جماعات الضغط المعنية بالوقود الأحفورى، وهو ما يفوق عدد جميع وفود كل دولة على حدة. الأمر الذى يلقى بظلال سلبية على التحركات المناخية الجادة، إذ يضع الكثير من القيود والأغلال على تحركات الدول للانتقال بعيدا عن الوقود الأحفورى، وهو أحد أهم أركان «إجماع دبى» الذى أفرزته قمة المناخ الأخيرة.