الشعب المصرى يتسم بخفة الدم، ويكمن المرح تحت جلده، وهو لا يكف عن استدعاء البهجة وسط الأزمة، ولذلك اخترع النكات التى يعبر بها من بوابة التحديات الغلاظ التى ربما تقصم ظهور شعوب كثيرة، متسلحا بروح تسخر من كل ما يعكر صفوه، وتنفيسا لمراجل الغضب أو الكدر، وبما يجنب المصريين ورود المهالك النفسية، ويقيهم شر تدنى معنوياتهم فى أصعب الظروف والمحن.
حب المصريين للنكتة، كسلاح فى وجه صعوبات الحياة، كان وراء السيل المنهمر الذى حفلت به وسائل التواصل الاجتماعى فى الأيام العشرة الأخيرة على الأقل، من نقد لقانون التسجيل فى الشهر العقارى، الذى لقى معارضة شديدة، وكان سببا فى مسارعة الحكومة لتشكيل لجنة وزارية لتيسير إجراءات تنفيذه، قبل إعلانها إجراء تعديلات عليه، بما يرجئ تنفيذه حتى نهاية العام الجارى.
إعلان الحكومة عن إجراء تعديلات على قانون التسجيل فى الشهر العقارى، جاء، أيضا، عقب ساعات من تقديم الأغلبية البرلمانية فى مجلس النواب، مشروع قانون بتعديل المواد التى أدخلت الشارع المصرى فى دوامة من الجدل والنقاش الحاد، ونزع فتيل أزمة وغيوم ضبابية تجمعت فى أفق الحياة السياسية، وكان يمكن لها أن تهدد السلم الاجتماعى، فى وقت تواجه فيه مصر ما يكفى من تحديات محلية وإقليمية ودولية.
وخيرا فعل الدكتور مصطفى مدبولى، الذى قال إن إرجاء نفاذ القانون حتى نهاية العام الجارى، بدلا من تطبيقه فى 6 مارس الجارى سيتيح الفرصة للتعاون مع البرلمان فى طرح الأفكار للتيسير على المواطنين والتحفيز على التسجيل، وعلى رأسها فصل سداد ضريبة التصرفات العقارية عن إجراء التسجيل العقارى وتوصيل المرافق».
وعلى المنوال نفسه جاءت تعديلات حزب مستقبل وطن صاحب الأغلبية البرلمانية على قانون التسجيل فى الشهر العقارى، والذى تحدث عدد من نوابه عن ضرورة إجراء أوسع نقاش داخل وخارج البرلمان من أجل الوصول لأفضل صيغة تمكن الحكومة من تحقيق هدفها «بحصر العقارت فى مصر، وضمان حقوق الملكية للمواطنين، والتيسير على الناس، وتبسيط الإجراءات عند التسجيل».
التأكيد على إجراء أوسع نقاش مجتمعى سواء داخل البرلمان وخارجه، نقطة مهمة، والحكومة مدعوة إلى التحلى بسعة الصدر عند هذا النقاش اذ يجب أن يعكس آراء جميع الأطراف، وبما يجنبنا اللغط، ويقلل حجم الاعتراضات على القوانين التى نضطر إلى تعديل بعضها قبل أن يجف الحبر الذى طبعت به، كما حدث فى قانون التصالح فى مخالفات البناء بالأمس القريب، وقانون التسجيل فى الشهر العقارى الآن.
القانون محل الجدل هو نتاج مجلس النواب السابق الذى كان يترأسه الدكتور على عبدالعال، نعلم ذلك، ولأننا أبناء اليوم، المطلوب من السادة النواب الحاليين أن يمارسوا دورهم التشريعى عند مناقشة التعديلات المزمع إدخالها على القانون، وحتى لا ندفع ثمن تقاعس أو تهاون البعض عند وضع التشريعات التى تمس حياة الملايين من المصريين، فلو كان النواب فى المجلس السابق تلمسوا نبض وآراء الناس فى دوائرهم لتجنبنا التوتر المجتمعى الذى عشناه فى الأيام الأخيرة.
نريد قانونا يحمى ملكيات الناس.. يرفع نسبة التسجيل العقارى، ويقلل المعاملات العرفية، ويمكن الحكومة من معرفة ما يدور فى سوق العقار، وتحصيل حق الدولة من ضرائب ورسوم معقولة لا تلهب الظهور بالأعباء، وبما يحجم فى الوقت ذاته من النزاعات على الملكية، وأن تختفى معه أيضا اللافتات التى كانت تتصدر المساحات الفضاء والمبانى المهجورة وتحمل كلمات تشير إلى أنها ملك فلان أو علان، مصحوبة بجملة «لعن الله لصوص الأراضى».