عن تطور الديون وتدشين «نادي المقترضين» - محمود محي الدين - بوابة الشروق
الخميس 25 سبتمبر 2025 12:46 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

برأيك.. من البديل الأنسب لـ ريبيرو في النادي الأهلي؟

عن تطور الديون وتدشين «نادي المقترضين»

نشر فى : الأربعاء 24 سبتمبر 2025 - 8:10 م | آخر تحديث : الأربعاء 24 سبتمبر 2025 - 8:10 م

صدر منذ أيام تحديث لقاعدة بيانات المديونية الدولية، وتعليقًا عليها أكد صندوق النقد الدولى أن الديون استقرت على ما هو أعلى من 235 فى المائة من الناتج المحلى الإجمالى العالمى، بما يُعادل 251 تريليون دولار. وجاء ذلك بانخفاض فى ديون القطاع الخاص، لأعلى قليلًا من 140 فى المائة ليعوض زيادة استدانة الديون السيادية لأكثر من 90 فى المائة من الناتج المحلى الإجمالى. وفى هذا تتصدر الدولتان الأكبر اقتصادًا فى العالم مشهد الاستدانة، إذ بلغت نسبة الدين الحكومى الأمريكى 120 فى المائة من الناتج المحلى الإجمالى، فيما وصلت هذه النسبة فى الصين إلى 90 فى المائة.

 


وبينما انخفضت نسبة مديونية البلدان النامية إلى 56 فى المائة من ناتجها، فإن خدمة الديون؛ من أقساط وفوائد، استمرت فى الارتفاع بسبب ارتفاع تكلفة الاقتراض. بما يجعل هذه البلدان فى مواجهة حادة مع ثلاثة ضغوط حرجة تتمثل فى أن الاحتياجات الضرورية للتمويل تتجاوز الموارد المالية العامة المحدودة، وأن الإنفاق العام للتصدى للأزمات قد أنهك الموازنات، وأن التراجع الحاد فى الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وكذلك المساعدات الإنمائية الدولية، قد قيَّد مصادر التمويل الجديد.
تُزكى هذه المستجدات الدعوات القائمة لمواجهة أزمة المديونية الدولية للبلدان النامية، ورغم أنها اشتهرت فى شكلها المعاصر بأنها أزمة صامتة، على عكس أزمات صادحة سابقة شغلت الرأى العام العالمى كأزمة ديون أمريكا اللاتينية فى الثمانينيات، وأزمة الأسواق الناشئة الآسيوية فى التسعينيات، فإن صمت الأزمة الراهنة فسرته بتوافق ضمنى بين الدائن والمدين على اصطناع السكينة حيالها، ولمَ لا؟ فالدائن متحوِّط بمخصصات ضد مدينه فلن يعضله العجز عن السداد شيئًا، والأخطر أن المدين منخرط فى لعبة الديون، فهو يستنزف إيراداته ويعتصر من إنفاقه ويختصر من أولوياته حتى يسدد الأقساط فى مواقيتها من دون إخفاق. وصرنا فى حالة تجعل المدين المتعثر بين بديلين أفضلهما بمرارة العلقم؛ فله أن يعلن تعثره وعجزه عن السداد، كما فعلت سريلانكا وغانا وتشاد وزامبيا وإثيوبيا، فيواجه انقلاب أسواق المال عليه وتخفيض التصنيف الائتمانى، ومنعه من تمويل جديد، وانتظاره الطويل حتى تتم عملية إعادة هيكلة الديون وجدولتها. والبديل الآخر أمام المدين المعسر هو الاستمرار فى سداد المستحقات المفروضة على حساب تمويل أولويات الإنفاق العام، بما فى ذلك على التعليم والصحة العامة، وهو فى ذلك يتفادى الإخفاق فى سداد الديون بالإخفاق فى التنمية.
ومما انتهت إليه مخرجات المؤتمر الرابع لتمويل التنمية الذى عُقد فى مدينة إشبيلية الإسبانية، فى شهر يوليو الماضى، إنشاء مؤسسات وتطوير آليات للتعامل مع أزمة الديون. وهو ما دعمته المقترحات العملية الأحد عشر لمجموعة خبراء الأمم المتحدة التى تصدَّت لأزمتَى الديون والتنمية. وعلينا التمييز بين ثلاثة كيانات: الأول منتدى للديون يلتقى فيه الدائنون والمدينون، ومن مهامه المقترحة تفعيل مبادئ الاقتراض والإقراض المسئول. والثانى آلية حكومية تجمع بين الأطراف الدائنة والمدينة فى نطاق الأمم المتحدة تدمج الإصلاحات فى منظومة الديون فى إطار البناء المالى العالمى، وعليها مراعاة الحساسية والاختصاصات المعتبرة للمؤسسات المالية الدولية. والكيان الثالث والأخير هو إنشاء نادٍ للمقترضين، تقوده الدول المقترضة فى مقابل نادى باريس المُنشَأ منذ سبعة عقود وتقوده البلدان الدائنة.
وقد شاركتُ فى حدث مهم دعت إليه كلٌّ من مصر وزامبيا فى أثناء انعقاد الجمعية العامة، شارك فيه وزراء الخارجية وممثلو بلدان عالم الجنوب، لوضع القواعد العملية لتفعيل توصيات مؤتمر إشبيلية فيما يتعلق بتأسيس نادى المقترضين. وأكد فيه المشاركون أهمية هذه المؤسسة التى نودى بها على مدى السنوات الأربعين الماضية منذ ما اجتهدت بلدان أمريكا اللاتينية فى قرطاجنة عام 1984 لتأسيس هذا النادى ففرَّقت بينها وبين تأسيسه أفعال الدائنين. وجاءت محاولات أخرى بعد أزمات المديونية الدولية على مدى العقود الماضية لم تنجح فيما كانت تصبو إليه أو لم تعطِ لإدارة الديون والتصدى لأزماتها الأولوية المطلوبة، بما جعل ما يُعرف بالنظام المالى العالمى يعانى من انحياز تجاه الدائنين، وتشرذم جهود التنسيق بين الدول المدينة وتفتيت جهودها فى المحافل والمؤسسات الدولية، وعدم كفاية الدعم الفنى المقدم للمدينين، وانحسار مجال تبادل المعرفة بين بلدان الجنوب.
وبرز توجه بضرورة العمل على تدعيم صوت بلدان الجنوب فيما يتعلق بكيفية التعامل مع الاستدانة وتنسيق استراتيجيتها حيالها، وزيادة قدراتها التفاوضية مع الدائنين، وحُسن عرضها مستجدات أوضاعها الائتمانية بأن تغلب الحقائق على الانطباعات السائدة عنها. ولنا فى التقارير الأخيرة لقاعدة البيانات العالمية لمخاطر الأسواق الناشئة والبلدان النامية مثل؛ إذ أفصحت هذه التقارير عن أن حالات التعثر فى هذه البلدان أقل مما تصوِّره الانطباعات. ومن المنتظر من هذا النادى أن يستفيد أعضاؤه من إيلاء هذه التقارير الاهتمام الواجب، وأن يُسهم فى تحديد أولويات الأجندة الدولية، وأن يتكامل بجهوده مع المؤسسات القائمة لإحداث التوازن المطلوب بين الدائنين والمدينين.
ونترقب فى الأسابيع المقبلة تطوير الخريطة العملية لتأسيس نادى المقترضين، لتحدد أهدافه ومهامه وأساليب تحقيقها، وشروط العضوية ومستوياتها، وترتيبات اختيار مقر أعماله، وقواعد الحوكمة فى إدارته، وكيفية اتخاذ القرار، وتمويل أعمال النادى وأنشطته ومصادره. كما يجب أن يحدد دور السكرتارية الفنية، وهو من الأمور المحورية التى تتجلى فيها فرص نجاحه المنشود.

 

نقلًا عن الشرق الأوسط

التعليقات