فى أصول التقويمين المصرى القبطى والغربى الميلادى - تامر ممدوح - بوابة الشروق
الأحد 5 يناير 2025 10:59 ص القاهرة

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فى أصول التقويمين المصرى القبطى والغربى الميلادى

نشر فى : الخميس 2 يناير 2025 - 7:45 م | آخر تحديث : الخميس 2 يناير 2025 - 7:45 م

لأن الفلاح المصرى القديم فى وادى النيل هو أول من بدأ الاستقرار فى أراضيه الخصبة واعتمد على مياه النيل فى الزراعة والعيش، كان من الطبيعى أن يحتاج لتنظيم أوقات العام ومواسمه.
لاحظ المصرى القديم أن 365 يوما تقريبا يمرون بين بدء فيضان النيل، والذى يتزامن مع شروق النجم الذى أسماه سوبدت (واسمه الحديث سيريوس-الشعرى اليمانية) فى سماء منف وتكرار ظهوره مرة أخرى، ولهذا قرر أن يكون العام مكونا من 365 يوما قسمهم إلى 12 شهرا كل منهم 30 يوما وأضاف شهرا قصيرا فى آخر العام مكونا من خمس أيام فقط لإكمال أيام العام. كذلك قسم العام إلى ثلاثة فصول تدور حول نشاطه الزراعى. كان كل فصل مكون من أربعة شهور: الفيضان (أخيت) ويمتد من منتصف يوليو حتى انحسار مياه الفيضان عن الأراضى الزراعية فى منتصف نوفمبر، الظهور (برت) (أى ظهور الأرض عقب انحسار الفيضان) ويبدأ من نهاية فصل الفيضان حتى منتصف مارس حيث يبدأ فصل الحصاد (شمو) الذى ينتهى مع بدء فيضان العام الذى يليه. ولم يميز المصريون القدماء السنوات بعدد يبدأ من زمن معين (مثلما نقول أن هذا العام هو العام 2025 بعد ميلاد المسيح) بل اكتفوا بنسبتها لسنين حكم الملك أى «فى السنة رقم كذا من حكم الملك فلان». كان هذا التقويم يختلف عن التقويم الدينى المعتمد فى أعياده على ظهور القمر لذلك سمى بالتقويم المدنى. بدأ استخدام التقويم المدنى فى مصر القديمة فى وقت ما فى نهاية الألفية الثالثة قبل الميلاد.
ولأن السنة الفلكية: وهى المدة التى يكتمل فيها دوران الأرض حول الشمس دورة كاملة نسبة لموضع الأرض بالنسبة للنجوم البعيدة الثابتة مثل النجم سوبدت -أى تكرار ظهور النجم فى نفس مكانه فى السماء - ليست 365 يوما بل أكثر بربع يوم تقريبا (أكثر قليلا من ست ساعات)، بدأ شروق النجم سريوس فى التأخر عن بداية العام، فبعد أول أربعة أعوام أصبح يحدث الشروق فى اليوم الثانى للشهر الأول، وبعد أربعة أعوام أخرى أصبح يحدث الشروق فى اليوم الثالث وهكذا. ويعود مرة أخرى للتزامن مع أول أيام العام بعد مرور 1460 عاما.
ولأن السنة المدارية: وهى المدة التى يكتمل فيها دوران الأرض حول الشمس دورة كاملة نسبة لتعاقب الفصول الأربعة – أى الفرق مثلا بين حدوث الاعتدال الربيعى، أى تساوى الليل بالنهار وتكرار حدوثه مرة ثانية ليست 365 يوما بل أكثر بربع يوم تقريبا (أقل قليلا من ست ساعات)، تحركت كذلك مواعيد الفصول الأربعة مع تحرك التقويم.
استمر الوضع هكذا حتى عهد البطالمة حين قرر بطليموس الثالث الذى كان يحكم مصر منتصف القرن الثالث الميلادى إدخال يوم إضافى بحيث يصبح الشهر القصير ستة أيام (بدلا من خمسة) كل أربع سنوات لضبط التقويم وإعادة الفصول لمواضعها. وكُتبت هذه القرارات فى مرسوم سمى «الكانوبى» ووجد أكثر من نسخة منه مكتوبة على الأحجار فى مناطق مختلفة من مصر. ولكن لم يلق هذا القرار قبولا من الكهنة المصريين ومن العامة كذلك، واستمر استخدام التقويم كما هو دون ضبط.
• • •
على الجانب الآخر من المتوسط كان الرومان يستخدمون تقويما قمريا غير منتظم حتى منتصف القرن الأول قبل الميلاد. ففى عهد يوليوس قيصر تم إصلاح التقويم واتباع السنة الشمسية المدارية المكونة من 365 يوما وربع يوم. قرر يوليوس قيصر اتباع هذا التقويم بعد اطلاعه على التقويم المصرى الفلكى النجمى عبر الفلكى المصرى/الإغريقى سوسيجينيس السكندرى.
وتم تعويض الربع يوم عن طريق إدخال يوم إضافى كل أربعة سنوات (كما اقترح بطليموس الثالث قبل ذلك). ولضبط بدايات الفصول المدارية (الربيع – الصيف – الخريف - الشتاء) فى مواعيد ثابتة فى التقويم الجديد، قرر يوليوس قيصر جعل العام 46 قبل الميلاد (العام 708 منذ تأسيس روما كما كان يتم الحساب وقتها) مكونا من 446 يوما وبدء التقويم اليوليانى (نسبة ليوليوس قيصر) المنتظم فى يوم 1 يناير 45 ق.م بنفس أسماء وعدد أيام الشهور التى نعرفها الآن حيث تم فقط تغيير اسم الشهر السابع من التقويم ليصبح على اسم مؤسس التقويم يوليوس قيصر (شهر يوليو). وكان الشهر الثامن من التقويم 30 يوما وفبراير كان 29 يوما (و30 يوما فى السنة الكبيسة). وتم ضبط الاعتدال الربيعى وهو اليوم الذى يتساوى فيه النهار بالليل ليكون يوم 25 مارس من التقويم (وبالتالى الانقلاب الشتوى كان يوم 25 ديسمبر).
قام أغسطس أوكتافيوس قيصر بعد وصوله للحكم عام 27 ق.م. بتعديل بسيط فى التقويم اليوليانى، حيث أخذ يوما من فبراير ليصبح شهرا مكونا من 28 يوما (أو 29 يوما فى السنة الكبيسة) وجعل الشهر الثامن (سيكستسليس) الذى أسماه باسمه (أغسطس) 31 يوما حتى يكون بنفس طول شهر يوليو الذى سمى على اسم سلفه يوليوس قيصر. واتبعت الإمبراطورية الرومانية كلها هذا التقويم منذ ذلك الحين.
اتساقا مع التقويم الرومانى اليوليانى الجديد أصدر أغسطس قيصر فرمانا عام 25 ق.م (وكانت مصر قد أصبحت ولاية رومانية منذ العام 33 ق.م) بإصلاح التقويم المصرى بإضافة اليوم المقترح قبل ذلك حتى تكون متسقة مع التقويم اليوليانى. ولتمييزه عن التقويم المصرى القديم سمى بالتقويم السكندرى ولاحقا بالتقويم القبطى واستقرت أسماء الشهور على (توت – بابة – هاتور – كيهك – طوبة – أمشير – برمهات – برمودة – بشنس – بؤونة – أبيب – مسرى – النسئ). وأصبحت بداية التقويم (1 توت) توافق 29 أغسطس بالتقويم اليوليانى والاعتدال الربيعى يوم 29 برمهات (يوافق وقتها 25 مارس) والانقلاب الشتوى يوم 29 كيهك (يوافق 25 ديسمبر). وتقرر إضافة اليوم الزائد على الخمس أيام (النسئ) كل أربع سنوات وذلك فى العام الذى يسبق العام الكبيس فى التقويم اليوليانى. بهذا التعديل أصبح التقويم القبطى تقويما يعتمد السنة الشمسية المدارية وليس تقويما يعتمد السنة الفلكية النجمية كما كان وقت تأسيسه.
توافق بداية العام القبطى (1 توت) مع يوم 29 أغسطس فى التقويم اليوليانى أو 30 أغسطس فى السنة الكبيسة فى التقويم القبطى. المشكلة أن هذا اليوم لا يتوافق مع شروق النجم سريوس الذى كان يوافق بدء العام عند تأسيس التقويم المصرى القديم. فقد أثبتت الحسابات أن الشروق النجمى لسريوس عند مدينة منف كان يوافق 18 يوليو فى التقويم اليوليانى فى تلك الفترة (وكان يوم 16 يوليو فى العام 3500 ق.م وهو فى العام الماضى (2024) حدث يوم 3 أغسطس بالتقويم الجريجورى الذى نستخدمه الآن الموافق 21 يوليو فى التقويم اليوليانى القديم. وتغير موعد الشروق النجمى بالنسبة للتقويم اليوليانى القديم أو الجريجورى الحالى هو بسبب فرق 20 دقيقة تقريبا بين زمن إكمال الأرض دورة كاملة حول الشمس محسوبا نسبة لتكرار الفصول (السنة المدارية) ونفس الزمن محسوب نسبة لموقع النجوم الثابتة بالنسبة للأرض (السنة الفلكية). فى كل الحالات، يوم 29 أغسطس بعيد كل البعد عن موعد الشروق النجمى لسيريوس.
• • •
فى بداية القرن الرابع الميلادى بعد نهاية حكم دقلديانوس ونهاية عصر الاستشهاد، قررت كنيسة الإسكندرية اعتماد 29 أغسطس عام 284 (عام بداية حكم دقلديانوس) كعام البداية epoch (العام رقم 1) لتقويم جديد يتبع نفس توقيتات التقويم القبطى السكندرى تحت اسم تقويم الشهداء.
فى الغرب، وفى القرن السادس الميلادى، كان الراهب ديونيسيوس اكسسجونوس يعيش بروما وكلفه البابا يوحنا الأول، بابا روما، بإعداد جداول لمواعيد عيد القيامة بعد اكتشاف أخطاء فى الجداول التى تم إعدادها سابقا. اعتمد ديونيسيوس فى الإعداد للجداول الجديدة على القديمة التى أعدها أحد أتباع البابا كيرلس عمود الدين، بابا الإسكندرية، والتى كانت تستخدم التقويم القبطى أو تقويم الشهداء. قام بحساب سنة بشارة الملاك للعذراء مريم بميلاد المسيح حتى ينسب كل تواريخ جدوله لهذه السنة. بناءً على ذلك، كان العام الذى أُعد فيه الجداول هو عام الرب Anno Domini (A.D.) رقم 525، الذى يوافق 525 عاما منذ ميلاد المسيح وفقا لحسابات ديونيسيوس. لكن لم يتم استخدام هذه الطريقة فى حساب الأعوام بشكل واسع إلا فى القرن الثامن الميلادى بعدما استخدمه عدد من المؤرخين لتسجيل الأحداث وأصبحت الأعوام السابقة على ميلاد المسيح هى أعوام ما قبل المسيح Before Christ B.C.). انتشر استخدام هذه الطريقة فى حساب السنوات تدريجيا فى أنحاء العالم الغربى.
ولكن هل كانت حسابات ديونيسيوس دقيقة؟ لهذا حديث آخر.

تامر ممدوح مدرس بكلية الهندسة، جامعة القاهرة
التعليقات