الرأي العام بين العلم والسياسة - مصطفى كامل السيد - بوابة الشروق
الإثنين 8 سبتمبر 2025 1:11 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

برأيك.. من البديل الأنسب لـ ريبيرو في النادي الأهلي؟

الرأي العام بين العلم والسياسة

نشر فى : الأحد 7 سبتمبر 2025 - 6:25 م | آخر تحديث : الأحد 7 سبتمبر 2025 - 6:25 م

قفزت قضية المعرفة بالرأى العام كحجة رئيسية فى النقاش الذى ما يزال محتدما فى مصر حول قانون إيجارات المساكن. الذين ينتقدون هذا القانون يطرحون العديد من الحجج، وفى مقدمتها ما يعتقدون أنه موقف الرأى العام منه رفضا له، بينما يرى آخرون أن هذا القانون هو أحد عناصر برنامج للإصلاح الاقتصادى، وأن رئيس الدولة الحريص على الإصلاح يمكنه أن يخاطر بشعبيته، كثمن ضرورى لتحقيق هذا الإصلاح. أصحاب وجهة النظر الأولى يفترضون أن أغلبية المواطنين تؤيدهم، وقد لا يرى ذلك أنصار هذا القانون الذين لا يجدون سندا لما يقوله خصومه لأنهم لم يشيروا إلى استطلاع للرأى العام يثبت صحة ما يقولون.

 


مثل هذه الخلافات حول موقف الرأى العام من السياسيين والسياسات كانت الدافع وراء انطلاق جهود قياس الرأى العام على أساس علمى، وهى التى اتخذت صورا عديدة، كانت بداياتها فى الولايات المتحدة الأمريكية فى سنة ١٨٢٤، ثم تسارعت فى ثلاثينيات القرن الماضى، وتعددت مجالاتها وانتقلت منها إلى المملكة المتحدة والدول الأوروبية والعديد من دول العالم الأخرى منذ النصف الثانى من القرن العشرين، وتصدى لبحث قضايا القياس هذه اثنان من أبرز المهتمين بدراسات الرأى العام فى مصر وهما الدكتور ماجد عثمان، ود. حنان جرجس، الأول هو الرئيس التنفيذى للمركز المصرى لبحوث الرأى العام (بصيرة)، وتعاونه د. حنان كنائب له. وقد وظفا خبرتهما فى إدارة أبحاث الرأى العام فى مصر من خلال هذا المركز وقبله، وطرحا أفكارهما فى كتاب يمثل إضافة حقيقية للمكتبة العلوم الاجتماعية فى الوطن العربى ودليل عمل للمنشغلين بهذه القضايا، عنوانه: قياس الرأى العام بصيرة المجتمعات وصناع السياسات.
يضم الكتاب اثنى عشرا فصلًا يحيط بكل جوانب قياس الرأى العام من حيث المفهوم ومجالات الاستخدام وأساليب اختيار العينات وأخطاء استطلاعات الرأى العام وأساليب القياس المباشرة والافتراضية والكيفية، نشر نتائج استطلاعات الرأى العام، وتطرقا كذلك لعلاقة استطلاعات الرأى العام بالإعلام والاعتبارات الأخلاقية والقانونية لإجراء هذه الاستطلاعات، وختما الكتاب بشرح انتقال قياس الرأى العام من النظرية إلى التطبيق. وسأعرض بعض القضايا التى تهم قارئ هذه الصفحة فيما تناوله هذا الكتاب.


ما الرأى العام؟

 


ما درجة عمومية الرأى العام؟ ما المقصود تحديدا بالرأى العام؟ هل هو رأى جميع المواطنين؟ أم أغلبيتهم؟ يعرف الكتاب الرأى العام على أساس ثلاثة معايير:
أولا: أنه رأى أو موقف بالقبول أو الرفض أو بالحياد، فهو أمر موضع تعبير علنى.
ثانيا: أنه لا يقتصر على عدد محدود من الأفراد وإنما يمثل أغلبية.
ثالثا: أنه يدور حول قضايا عامة وفى الغالب قضايا سياسية.
هذا بالفعل هو التعريف المأخوذ به فى قياسات الرأى العام، ولكن نظرا لأن قياس الرأى العام لا يمكن أن يشمل كل المواطنين، فهو يتم باختيار عينة يفترض أنها تمثل خصائص المجتمع ككل. نتيجة قياس آراء هذه العينة هى التى يمكن تعميمها بافتراض أن هناك تماثلا بين الخصائص التى أخذت فى الاعتبار عند اختيارها وخصائص آخرين لم يكونوا فيها. لكن ماذا عن المواطنين الذين ليست لهم آراء. هم ليسوا من لا يعرفون عن الموضوع، ولكنهم لا يهتمون به أصلا، وهؤلاء قد يشكلون نسبة كبيرة من المواطنين خصوصا بين الفقراء أو الأقل تعليما أو الذين لا يعتقدون بمصداقية العملية السياسية. ألن يكون الرأى العام مهما كان اجتهاد تصميم العينة هو فى النهاية رأى الأقلية المهتمة والتى لها موقف؟


مدى مصداقية قياس الرأى العام

 


ويذكر الكتاب حالات صارخة لإخفاق قياسات الرأى العام فى التنبؤ بالمرشحين الذين سينجحون فى الانتخابات فى كل من الولايات المتحدة وبريطانيا. وتشرح مراكز الاستطلاع هذا الإخفاق بمسائل فنية تتعلق بتصميم الاستمارة التى وجهت لأفراد العينة، أو بأخطاء فى اختيار العينة. ولكن ما أشارت له الفقرة السابقة من وجود قطاع من المواطنين لا يهتمون فى العادة بمثل هذه الاستطلاعات، وهم يختلفون عمن يجيبون بأنهم لا يعرفون أو لم يحددوا اختيارهم بعد، ولكنهم فى العادة هم من لا يستجيبون إطلاقا، ويعتبرون أن اللعبة الانتخابية لا تهمهم أصلا وليس لهم تأثير عليها.
قد يعود إخفاق استطلاعات الرأى إلى أن أفراد هذه الشريحة قد يغيرون موقفهم فى آخر لحظة ويشاركون فى الانتخابات، ونظرا لأن نمط تصويتهم لم يكن معروفا مسبقا، فإن قرارات اللحظة الأخيرة تقلب تنبؤات استطلاعات الرأى. تفسير آخر هو أن نموذج التصويت الذى افترضته استطلاعات الرأى قد لا ينطبق على هذه الشريحة، فهم يستجيبون لأسئلة الاستطلاع مسترشدين بما قد لا يسبب لهم الخجل وسط المحيطين بهم، ولكنهم يتخلون عن هذا الخجل عندما يجدون أنفسهم وراء الستار فى مراكز الاقتراع، فيسببون الحرج لخبراء استطلاعات الرأى الذين بنوا نماذج لاختيارات الناخبين لا تأخذ هذه العوامل فى الحسبان. هذه الملاحظة لا تتعلق باستطلاعات الرأى فى البلدان ذات الخبرة الواسعة ومراكز استطلاعات الرأى المرموقة عالميا فحسب، ولكنها تتعلق بكل دول العالم، وخصوصا تلك التى لم تعرف نظم الانتخابات الحرة النزيهة المفتوحة للجميع على قدم المساواة. فهؤلاء الذين لا يستجيبون لاستطلاعات الرأى أيا كان موضوعها فى مصر يشكلون نسبة كبيرة من أفراد العينة المتوخاة.


جدوى استطلاعات الرأى العام

 


المجالات التى تغطيها استطلاعات الرأى العام متعددة، فهى لا تقتصر على التعرف على اتجاهات الناخبين نحو المرشحين المختلفين، ولا على ما يحدث قبل الانتخابات، فبعضها يجرى بسؤال المواطنين والمواطنات عند الخروج من مراكز الاقتراع، كما أنها تشمل التعرف على مواقف المواطنين من سياسات الحكومة، وعلى نوعية القيم التى يسترشدون بها فى سلوكهم، وعلى نظرتهم للدول الأجنبية وما إذا كانوا يصنفونها صديقة لبلادهم أو عدوة لها. وعلى عكس ما قد يتصوره البعض فاستطلاعات الرأى العام ليست كلها حسابات بالأرقام، فبعضها يتم أيضا بأساليب كيفية مثل الحوار فى مجموعات صغيرة توصف بالبؤرية، أو من خلال المقابلات المعمقة، كما لا تقتضى كلها اتصالا مباشرا بين من يوجه الأسئلة ومن توجه له الأسئلة، فقد أتاحت تكنولوجيا المعلومات وسائل جديدة لإجراء هذه الاستطلاعات، ففضلا عن البريد العادى، يمكن أن تتم هاتفيا من خلال التليفون الثابت أو التليفون المحمول، ومن خلال البريد الإلكتروني، وكذلك من خلال منصات التواصل الاجتماعى مثل فيسبوك وتويتر وإنستجرام، بل وابتدعت بعض المؤسسات استمارة تضعها على مواقعها وتطلب من مستخدمى إحدى هذه المنصات إجابة هذه الأسئلة والرد عليها إلكترونيا، وسهلت بعض المنصات مهمة تبويب الإجابات وتحليلها من خلال برامج خاصة.
ومع هذا التعدد فى المجالات التى تغطيها استطلاعات الرأى، فلا شك فى أهميتها للحكومات وللمجتمع وليس فقط للأكاديميين. يمكن للحكومات الاستفادة من استطلاعات الرأى للتعرف على موقف المواطنين من سياساتها، ومن أسلوب تنفيذها لهذه السياسات، وتفضيلات المواطنين لأى من بدائل السياسات التى قد يرونها الأفضل. ولذلك وجدت كل نظم الحكم أساليب تمكنها من التعرف على آراء المواطنين. أذكر أنه فى عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر كان يطلب من أعضاء التنظيم السياسى مثل الاتحاد الاشتراكى العربى ومنظمة الشباب وليس فقط أجهزة الأمن كتابة تقارير عن القضايا التى يهتم بها المواطنون والإشاعات التى تسرى بينهم، وحتى النكات التى يتبادلونها عن السياسات والحكام. بل استشهد الرئيس عبد الناصر فى إحدى خطاباته بواحدة من تلك النكات. ويهتم مركز معلومات مجلس الوزراء فى مصر فى الوقت الحاضر بتعقب الشائعات والرد عليها من خلال وسائل الإعلام. وهذا الاهتمام بموقف المواطنين من الحكومة هو الذى دعا مجلس الوزراء فى مصر إلى إتاحة موقع إلكترونى يرسل له المواطنون شكاواهم، ويتلقى هذا الموقع عشرات الآلاف من الشكاوى سنويا، ويحرص على أن ينشر فى وسائل الإعلام عدد الشكاوى التى تعامل معها. ووصل الاهتمام بقياس الرأى العام الحكومات الأجنبية التى سعى بعضها حسب تقارير عديدة إلى التلاعب باختيارات الناخبين فى دول أخرى تهمهم باستخدام أدوات التواصل الاجتماعى لنشر أنباء مختلفة وقصص مفبركة تمثل تشنيعا على المرشحين الذين لا يميلون لهم وجوانب إيجابية للمرشحين الذين يؤيدونهم.
ولذلك على الرغم من القيود المفروضة على استطلاعات الرأى فى مصر نجح كل من مركز معلومات مجلس الوزراء فى السابق ومركز بصيرة الذى نشأ فى سنة ٢٠١٢ فى القيام باستطلاعات عمقت من فهمنا لجوانب عديدة فى الثقافة فى مصر وفى تقييم المواطنين لسياسات الحكومة، فعلى سبيل المثال نعرف من أحد استطلاعات بصيرة أن المواطنين فى مصر أقل تقبلا للمساواة بين الرجل والمرأة، ونعرف من استطلاع آخر أن أكثر القضايا التى تسبب عدم رضا المواطنين عن أداء الحكومة هى تحديدا وبالترتيب بحسب أقلها من حيث رضاء المواطنين هى الأسعار ومستوى المعيشة لمحدودى الدخل، والفساد، والتلوث.
هذه بعض القضايا التى تعرض لها هذا الكتاب الجديد فى موضوعه، وشامل الإحاطة للموضوعات التى تعرض لها.

مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة
التعليقات