النوروز والنيروز - تامر ممدوح - بوابة الشروق
الإثنين 8 سبتمبر 2025 12:16 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

برأيك.. من البديل الأنسب لـ ريبيرو في النادي الأهلي؟

النوروز والنيروز

نشر فى : السبت 6 سبتمبر 2025 - 7:10 م | آخر تحديث : السبت 6 سبتمبر 2025 - 7:10 م

يحتفل المصريون كل عام فى الحادى عشر من سبتمبر برأس السنة القبطية، وهو اليوم الأول من شهر توت أول شهور السنة، ويسمى الاحتفال بعيد النيروز. فما معنى النيروز؟ ولماذا تقع بداية العام فى التقويم القبطى، الذى يمثل الامتداد للتقويم المصرى القديم، فى هذا اليوم من كل عام؟
اختار المصرى القديم بداية العام بالتزامن مع بداية فيضان النيل وشروق النجم «سيريوس»، وكلتا الظاهرتين كانتا تتزامنان مع الانقلاب الصيفى. كانت السنة تسمى «رنبت»، ورأس السنة «وب-رنبت». وضع المصرى القديم تقويمه بحيث يكون 365 يومًا، مقسمة إلى 12 شهرًا من 30 يومًا، وشهر قصير من خمسة أيام، وكان يتم الاحتفال بأعياد ميلاد الآلهة فى هذه الأيام الخمسة: اليوم الأول لأوزوريس، والثانى لحورس، والثالث لست، والرابع لإيزيس، والخامس لنفتيس. كذلك تم تقسيم العام إلى ثلاثة فصول وهى: «الفيضان ــ أخيت»، و«الظهور ــ برت»، و«الحصاد ــ شمو»، كل منها أربعة أشهر.
ولأن السنة المدارية، وهى الفترة الزمنية بين حصول الانقلاب الصيفى وحدوثه مرة أخرى، ليست 365 يومًا بل 365 يومًا وخمس ساعات و48 دقيقة و46 ثانية، تحرك رأس السنة المصرية نسبة إلى الفصول الأربعة. وهكذا بدأ شروق النجم سيريوس يتأخر عن بداية العام، فبعد أول أربعة أعوام أصبح يحدث فى اليوم الثانى من الشهر الأول من «أخيت»، وبعد أربعة أعوام أخرى أصبح يحدث فى اليوم الثالث، وهكذا. أى إن شروق النجم لا يعود مرة أخرى للتزامن مع أول أيام العام إلا بعد مرور نحو 1460 عامًا. وكنتيجة لذلك، تحرك التقويم مبتعدًا عن الظواهر التى أُنشئ على أساسها سواء ظهور النجم سيريوس أو فيضان النيل. إلا أن الاحتفال بشروق النجم سيريوس استمر أيا كان موعده فى العام.
ومن أقدم النصوص التى وُجدت وبها موعد الاحتفال بشروق سيريوس، كتابة على أحد الأوعية الفخارية، تعود إلى عصر الأسرة الخامسة أو السادسة، تقول إن الاحتفال كان فى اليوم الأول من الشهر الرابع من «أخيت». وتذكر بردية «إيبرس»، كما ذكرنا سابقًا، أنه فى العام التاسع لملك أمنحتب الأول تم الاحتفال بشروق سيريوس فى اليوم التاسع من الشهر الثالث من «شمو». كذلك وُجدت نصوص فى أحد المعابد المنسوبة للملك سنوسرت الثالث، الذى حكم البلاد بين عامى 1878 و1839 ق.م، تفيد بأن عيد شروق «سوبدت/سوثيس» احتُفل به فى العام السابع للملك فى اليوم السادس عشر من الشهر الرابع من «برت». فى كل هذه الحالات كان شروق النجم بعيدًا تمامًا عن بداية العام فى اليوم الأول من الشهر الأول من «أخيت»، وهو ما يثبت تحرك التقويم عبر مواسم العام نتيجة فرق اليوم الذى يتراكم كل أربعة أعوام. كان تحرك التقويم أمرًا واقعًا فى حياة المصريين القدماء، وتم التأقلم معه، ولهذا استمر استخدام التقويم كما هو دون اقتراح أى تصحيح، بل كان يُعتبر الحفاظ على التقويم كما هو أحد الواجبات الدينية. فقد كان أحد المراسم الملزمة فى تتويج الملوك أن يقسموا على عدم العبث بالتقويم، حتى يبقى العام (رنبت rnpt) وإلهة الحق والعدل والنظام الكونى (ماعت) فى اتفاق مستمر.


• • •
رفض المصريون أى تصحيح للتقويم حتى فرضه أغسطس قيصر سنة 26 ق.م، بعد أن أصبحت مصر ولاية رومانية. وفى ذلك العام كان 1 توت فى التقويم المصرى يوافق يوم 29 أغسطس بالتقويم اليوليانى، وهو التقويم الرسمى للإمبراطورية الرومانية. وتنفيذًا لقرار أغسطس تقرر إضافة اليوم الإضافى إلى الخمسة أيام الزائدة كل أربع سنوات فى العام السكندرى، الذى ينتهى فى العام اليوليانى الذى يسبق العام اليوليانى الكبيس. وهكذا أصبحت رأس السنة السكندرية (1 توت) دائمًا توافق يوم 29 أغسطس، وفى السنة التالية للسنة الكبيسة تصبح يوم 30 أغسطس. وهكذا ثُبت التقويم المصرى فى مكانه أخيرًا وتوقف عن الحركة عبر الفصول.
وبالتالى يصبح الإصلاح الرومانى للتقويم المصرى، وإن نجح فى تثبيت التقويم بصورة نهائية، إلا أنه لم ينجح فى إعادة المواسم إلى مواعيدها. فيوم 1 توت، الذى من المفترض أن يوافق بداية الفيضان وظهور النجم سيريوس، أصبح متأخرًا عن هاتين الظاهرتين بحوالى الشهر والنصف أو أكثر. ففى تلك الفترة كان شروق النجم سيريوس يحدث فى يوم 18 يوليو، بينما كان فيضان النيل يبدأ بعد الانقلاب الصيفي، الذى كان يوافق فى تلك الفترة يوم 25 يونيو، أى إنه كان يبدأ فى حدود الأسبوع الأول من يوليو. وبالتالى، ووفقًا لهذا التصحيح، أصبح شهر توت يتوافق مع منتصف الفيضان لا أوله، وأصبح مبتعدًا بأكثر من 40 يومًا عن شروق النجم سيريوس.


• • •

على الجانب الآخر من الشرق الأوسط كان الفرس يحتفلون سنويًا بعيد سموه «النوروز» كرأس للسنة، ويوافق هذا اليوم الاعتدال الربيعى (21 مارس حاليًا)، والذى كان يُلاحظ فلكيًا عن طريق مراقبة اليوم الذى يتساوى فيه الليل والنهار، وتدخل فيه الشمس إلى برج الحمل. وهو الاحتفال الذى استمر حتى الآن ويحتفل به الأكراد بالإضافة إلى الإيرانيين. وكان التقويم الفارسى شمسيًا مشابهًا إلى حد كبير للتقويم المصري.
فى العام 1582، ومع الإصلاح الغريغورى للتقويم اليوليانى، عندما قرر البابا جريجوريوس حذف عشرة أيام من التقويم اليوليانى ليقع الاعتدال الربيعى يوم 21 مارس مرة أخرى بدلًا من 11 مارس، تحركت رأس السنة القبطية للشهداء أو النيروز، التى كانت توافق يوم 29 أغسطس، لتصبح موافقة ليوم 8 سبتمبر. وبعد عام 1700 ميلادى تحركت مرة أخرى لتصبح يوم 9 سبتمبر نتيجة فرق طريقة حساب السنوات الكبيسة بين التقويمين الغريغورى والقبطى. ثم تحركت يومين إضافيين بعد عامى 1800 و1900 لتصل إلى يوم 11 سبتمبر الذى نعرفه الآن. وإن لم يُصلَح التقويم القبطى ستستمر الحركة بمقدار ثلاثة أيام كل 400 عام.
فى فترة ما انتقلت التسمية من الفرس إلى مصر وأصبح يُطلق على رأس السنة المصرية/ القبطية اسم «النوروز». وكلمة «نوروز» جاءت من قسمين: «نو» بمعنى جديد، و«روز» بمعنى يوم، فى كل من اللغة الفارسية واللغة الكردية، فتأتى «نوروز» مجتمعة بمعنى «اليوم الجديد». وقد عُرّبت قديمًا وظهرت فى المعاجم التراثية مثل لسان العرب باسم «النيروز».


• • •
استمر الاحتفال بالنيروز بعد الفتح العربى الإسلامى، وهو ما سجله المؤرخون بتفصيل كبير. يذكر المقريزى عن احتفال النيروز فى أيام الفاطميين: «وكان النوروز القبطى فى أيامهم من جملة المواسم، فتتعطل فيه الأسواق، ويقلّ فيه سعى الناس فى الطرقات، وتُفرّق فيه الكسوة لرجال أهل الدولة، وأولادهم ونسائهم، والرسوم من المال، وحوائج النوروز (…) ووصلت الكسوة المختصة به من الطراز، وثغر الإسكندرية، مع ما يُبتاع من المذابّ المذهبة والحريرى والسوادج، وأُطلق جميع ما هو مستقرّ من الكسوات الرجالية والنسائية، والعين والورق، وجميع الأصناف المختصة بالموسم على اختلافها بتفصيلها، وأسماء أربابها، وأصناف النوروز: البطيخ، والرّمان، وعراجين الموز، وأفراد البسر، وأقفاص التمر القوصى، وأقفاص السفرجل، وبكل الهريسة المعمولة من لحم الدجاج، ولحم الضأن، ولحم البقر من كل لون بكلة مع خبز برّ مارق (…) وهو مستهل توت وتوت أول سنتهم (…) ويركب فيه أمير موسوم بأمير النوروز، ومعه جمع كثير، ويتسلط على الناس فى طلب رسم رتبته على دور الأكابر بالجمل الكبار، ويكتب مناشير، ويندب مترسمين، كل ذلك يخرج مخرج الطير، ويقنع بالميسور من الهبات (…) وترفع الأصوات، وتُشرب الخمر والمزر شربًا ظاهرًا بينهم وفى الطرقات، ويتراش الناس بالماء، وبالماء والخمر، وبالماء ممزوجًا بالأقذار (…) وقلما انقضى يوم نوروز إلا وقتل فيه قتيل أو أكثر».
وكان مدى هذه الاحتفالات يتفاوت من عهد إلى آخر، ومن حاكم إلى آخر؛ حيث كان يتسامح بعضهم مع مظاهر التطرف فى هذه الاحتفالات، والبعض الآخر يمنعها كليًا. ومع مرور السنوات تراجعت مظاهر هذه الاحتفالات بالتدريج حتى بطلت فى أواخر أيام المماليك.
أما الآن، فقد اقتصرت الاحتفالات على الكنائس القبطية وغابت الاحتفالات الرسمية، رغم أنه احتفال تراثى يعود إلى قدماء المصريين. فى كل الأحوال، كل نوروز/نيروز وأنتم بخير.
مدرس بكلية الهندسة، جامعة القاهرة.

تامر ممدوح مدرس بكلية الهندسة، جامعة القاهرة
التعليقات