أصدرت مجموعة الأزمات الدولية ICG تقريرا مهما منذ أكثر من عقد من الزمان (أى عشر سنوات كاملة) بعنوان «مسألة سيناء المصرية Egypt’s Sinai Question» تحدثت فيه عن عودة الإرهاب إلى مصر منذ عام 2004 بعد غياب دام سبع سنوات، إذ وقعت هجمات متعاقبة فى شرم الشيخ وطابا عامى 2004 و2006، وظهرت فى سيناء حركات إرهابية غير معروفة من قبل. وقد اتسم رد الفعل الحكومى من نظام الرئيس الأسبق حسنى مبارك مقتصرا على المجال الأمنى عن طريق اعتقال أو قتل من يتم الشك فى انتمائه لتنظيمات إرهابية. وأشارت الدراسة إلى اقتصار استجابة الحكومة، والمناقشات التى شهدها الإعلام والبرلمان المصرى على الجوانب السطحية للأحداث وتجاهل المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية الكامنة فى قلب قضية شبه جزيرة سيناء.
وأشار التقرير إلى أن ظهور حركة إرهابية جديدة حيث لم يكن للإرهاب وجود من قبل ما هو إلا دلالة على وجود توترات ونزاعات كبيرة فى سيناء، وهى فى المقام الأول دليل على علاقة سيناء الإشكالية مع الأمة والدولة المصرية. وانتهى التقرير إلى أنه إذا لم يجر تناول هذه العوامل على نحو جاد، فلا مجال لافتراض إمكانية التخلص من الأنشطة الإرهابية.
***
عشر سنوات مرت على صدور هذا التقرير ولم يتغير شىء فى سيناء بل زادت الأوضاع الأمنية والاقتصادية تدهورا. ويرى التقرير أن الحكومة المصرية لم ترغب فى دمج سكان سيناء ضمن نسيج الأمة من خلال برنامج بعيد النظر يستجيب إلى حاجاتهم ويحقق مشاركتهم الفاعلة. بل عمدت إلى تشجيع استيطان مهاجرى وادى النيل الذين تجنح إلى محاباتهم على نحو منهجى، وذلك إلى جانب ممارستها التمييز بحق السكان المحليين فيما يتعلق بالإسكان وفرص العمل فى الشمال، وكذلك فى عملية تنمية المناطق السياحية فى الجنوب. ولا تتيح هذه التطورات أمام السكان المحليين فرصا كثيرة، بل غالبا ما تتم على حسابهم (خاصة فيما يتعلق بالحق فى تملك الأرض)، مما أثار استياء عميقا فى صفوفهم.
لا تكاد الحكومة تفعل شيئا لتشجيع مشاركة أهل سيناء فى الحياة السياسية القومية ــ وهى تستخدم أسلوب «فرق تسد» فى إدارتها ــ إلا بالقدر الضئيل الذى تسمح به من التمثيل المحلى. كما تروج للتراث الفرعونى على حساب التقاليد البدوية فى سيناء حسبما ذكر التقرير. ورأت مجموعة الأزمات الدولية أن فى معضلة الإرهاب تكمن معضلة «مسألة سيناء» الأشد خطورة. ويتطلب التغلب على هذه المعضلة دمجا ومشاركة كاملين لسكان سيناء فى الحياة السياسية القومية. وهذا يعنى أن حلها معتمد أيضا على إصلاحات سياسية كبيرة فى البلاد كلها، وهو ما لا يلوح فى الأفق الآن. وعلى الرغم من عدم إمكانية توقع حل قريب لمسألة سيناء، فإن بمقدور الحكومة، ومن واجبها، تعديل الاستراتيجية التنموية التى تتسم بقدر كبير من التمييز وقلة الفاعلية، وذلك لتلبية الحاجات المحلية، وضرورة التشاور مع ممثلين محليين حقيقيين.
***
وجهت المجموعة الدولية للأزمات عام 2007 عدة توصيات للحكومة المصرية من أهمها ثلاث: أولا، العمل على إعداد خطة تنموية اجتماعية واقتصادية شاملة من أجل سيناء بالتشاور مع قادة المجتمع المحلى (المحليين السيناويين) ومع القطاع الخاص والمانحين، على أن تلغى هذه الخطط جميع التدابير والمعايير التى تمارس التمييز بحق السكان المحليين. ثانيا، تشجيع مشاركة المجتمعات المحلية وممثليها السياسيين الحقيقيين فى صنع القرار التنموى الخاص بسيناء. ثالثا، الاعتراف بالهوية الثقافية واللغوية المتميزة لسيناء بصفتها جزءا من التراث القومى المصرى، وتمويل مشاريع تعمل على حفظها.
فراغ السلطة فى سيناء، الذى ظهر بصورة أكثر وضوحا مع الإطاحة بنظام الرئيس السابق حسنى مبارك، قد سارع وملأه متطرفون من داخل مصر وخارجها ممن انضموا إلى البدو المحليين الذين يشعر الكثير منهم بالظلم من طريقة معاملة الحكومة المركزية فى القاهرة لأبنائهم. كما تعاملت الحكومات المصرية خلال السنوات الأخيرة باستخفاف مع تقارير إعلامية أشارت إلى تزايد وجود متطرفين فى سيناء، وشاهدنا كذلك الاستخفاف بإعلان إقامة «إمارة شبه جزيرة سيناء»، وانتشار هذا الإعلان وتوزيعه فى شوارع العريش خلال أغسطس 2011 وصولا لتأسيس داعش فرعا لها داخل شمال سيناء. صحيح أن الفراغ الأمنى ليس جديدا إذ عرفت سيناء الإرهاب من خلال هجمات 2004 ــ 2006 فى طابا وشرم الشيخ ودهب. ومنذ عودة سيناء، التى تبلغ مساحتها 61 ألف كيلومتر مربع، أو ما يزيد على ثلاثة أضعاف مساحة إسرائيل، كاملة للسيادة المصرية عام 1982، أهملت القاهرة سيناء لأسباب غير مبررة. ثم كانت أحداث يونية 2013، وما تبعها من انتشار كبير للفوضى والإرهاب فى شمال سيناء بحيث أصبح من الطبيعى وجود اخبار تتعلق بقتل إرهابيين أو استشهاد رجال أمن مصريين بصورة شبه يومية على صفحات الجرائد المصرية.
***
عشر سنوات مرت ولم يتم الأخذ بتوصيات مجموعة الأزمات الدولية على الرغم مما تمثله من جدية وأهمية وما تعرضه من مخاطر. وتعتبر هذه المؤسسة من أكثر الجهات الدولية حيادا وجدية فيما تتعرض له من قضايا وأزمات. إلا أن الحكومات المصرية المتعاقبة لم تكن تحتاج لصدور تحذيرات أو تنبيهات من جهة بحثية غير مصرية منذ أكثر من عقد من الزمان كى تتيقظ للمخاطر التى تتمدد فى شمال سيناء، والتى أصبح معها تواجد الإرهاب جزءا من واقعها الجديد. أما عن أهمية سيناء الاستراتيجية فهى ليست محل تساؤل، فهى أرض مصرية، ولا ينبغى النظر لها من منظور قضية أمنية فقط، والإرهاب سيختفى من سيناء ولو بعد حين، إلا أن مشاكل أهل سيناء فباقية بدون حل طالما لا توجد رغبة سياسية لدى الحكومة المصرية للتغلب على هذه المشكلات.