نشر المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية مقالا بتاريخ 30 مارس 2022 للكاتبة أسماء عادل، تناولت فيه أجندة زيارة رئيس الصومال لواشنطن، وما هى احتمالية منح الإدارة الأمريكية إقليم أرض الصومال الاعتراف الدولى... نعرض من المقال ما يلى:
تحاول جمهورية أرض الصومال (صومالى لاند) غير المعترف بها دوليا، توظيف المُستجدات على الساحة الدولية المُتمثلة فى العملية العسكرية الروسية ضد أوكرانيا، والتنافس الاستراتيجى بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين فى القارة الإفريقية، لصالح تحقيق هدفها الكبير المُتمثل فى الحصول على الاعتراف بها كدولة مُستقلة، فقد أعلنت انفصالها عن الأراضى الصومالية منذ عام 1991، وتُناضل من أجل الحصول على الاعتراف الدولى بها منذ ذلك التاريخ حتى يومنا هذا. ومن أجل تحقيق ذلك، قام رئيس أرض الصومال موسى بيهى فى الثالث عشر من مارس 2022، بأول زيارة رسمية له لعاصمة الولايات المتحدة الأمريكية واشنطن، لإجراء مُحادثات مع صانعى القرار فى الإدارة الأمريكية، بما سيساهم فى تقريب وجهات النظر وتعزيز العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وأرض الصومال.
أجندة الزيارة
حاول رئيس أرض الصومال موسى بيهى جذب انتباه صانعى القرار فى الولايات المتحدة الأمريكية، فى وقت شديد الحساسية، حيث تنشغل فيه الإدارة الأمريكية بمُتابعة الأزمة الأوكرانية الروسية وتداعياتها. فقد حرص رئيس أرض الصومال على عمل لقاءات رسمية مع مسئولين فى الإدارة الأمريكية وعرض رؤيته لفرص التعاون بين بلاده والجانب الأمريكى.
فى الرابع عشر من مارس 2022، ألقى موسى بيهى خطابا رسميا بمؤسسة «Heritage Foundation»، وهى مؤسسة فكرية أمريكية لها تأثير كبير فى صنع السياسة العامة الأمريكية، وعمل على تسليط الضوء على الإمكانات العظيمة الموجودة لدى أرض الصومال، والدور الذى تلعبه فى أمن واستقرار منطقة القرن الإفريقى، وهو ما يمكن أن يُشكل ركيزة لتعزيز العلاقات بين الولايات المتحدة وأرض الصومال. وفيما يلى أهم ما جاء فى خطاب رئيس أرض الصومال:
الأهمية الاستراتيجية لمنطقة القرن الإفريقى: تُعد منطقة دول القرن الإفريقى واحدة من أهم المناطق الاستراتيجية فى العالم، وتستند هذه الأهمية إلى أنها تشرف على خليج عدن ومضيق باب المندب الذى يُعد كحلقة وصل استراتيجية فى طرق التجارة البحرية التى تربط المحيط الأطلسى والبحر المتوسط بالمحيط الهندى، كما يمر جزء كبير من نفط العالم عبر باب المندب، فضلا عن تجارة كبيرة بين أوروبا وآسيا. وتُواجه تلك المنطقة تحديات بسبب الصراعات، فضلا عن العمليات الإرهابية التى تزعزع الاستقرار فى المنطقة. وقد لفت رئيس أرض الصومال إلى الدور الذى يُمكن أن تلعبه بلاده فى الأمن العالمى والاقتصادى بمنطقة القرن الإفريقى، باعتبارها المنطقة الأكثر استقرارا بين معظم دول شرق إفريقيا.
مواجهة التهديدات الأمنية: عملت أرض الصومال على ردع التهديدات ومكافحة ظاهرة القرصنة فى المياه الإقليمية، وذلك بفضل التعاون مع الشركاء الدوليين مثل المملكة المتحدة لضمان سلامة وأمن التجارة البحرية عبر البحر الأحمر وخليج عدن. وتأمل أرض الصومال فى التعاون بشكل وثيق مع الولايات المتحدة الأمريكية فى المجال الأمنى، وهو ما من شأنه تعزيز المصالح المُشتركة بين الجانبين.
تعزيز الحكم الديمقراطى: أشار رئيس أرض الصومال إلى أن حكومة بلاده قد عملت على تعزيز معايير الحكم الديمقراطى، وقد تجلت مظاهر ذلك فى إجراء منتظم للانتخابات، وهو ما يساهم فى الانتقال السلمى للسلطة، وكذلك تعزيز المشاركة السياسية للمرأة. كما تضمن حكومة أرض الصومال نزاهة العملية الانتخابية، وحيادية السلطات الانتخابية الوطنية. ويرحب رئيس أرض الصومال بشراكة مع الولايات المتحدة الأمريكية ومنظمات المجتمع المدنى لتعزيز المعايير الديمقراطية.
الكونجرس الأمريكى: حرص رئيس جمهورية أرض الصومال على إجراء مُباحثات مع كبار المسئولين فى لجنة العلاقات الخارجية بالكونجرس الأمريكى، ففى الخامس عشر من مارس 2022، تمت مُناقشة أوجه التعاون بين الجانبين ومساهمات الكونجرس الأمريكى فى تعزيز العلاقات بين البلدين. وقد أرسل نواب أمريكيون عقب اللقاء بيانا يحث إدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن على زيادة وتعميق المشاركة مع جمهورية أرض الصومال فيما يتعلق بالقضايا السياسية والاقتصادية والأمنية ذات الاهتمام المُشترك. كما أشار البيان إلى أنه على الإدارة الأمريكية استكشاف فرص إضافية للشراكة مع أرض الصومال، لما تتمتع به من موقع جغرافى استراتيجى، والتزامها بالديمقراطية. كما نوه البيان إلى أن عدم الاستقرار فى منطقة القرن الإفريقى يُحتم على الإدارة الأمريكية التعاون مع أرض الصومال لمُواجهة التهديدات الأمنية ومكافحة الإرهاب.
دلالات توقيت الزيارة
يتبادر إلى الذهن تساؤل بشأن ما هى الدوافع والمُحفزات التى دفعت أرض الصومال لأن يتواصل مع الإدارة الأمريكية فى ذلك التوقيت. فهل التوقيت يُمثل فرصة للحصول على اعتراف أمريكى بهذا الإقليم الانفصالى؟ وهل هناك احتمالية لمنح الإدارة الأمريكية إقليم أرض الصومال الاعتراف الدولى؟ وما هى مكاسب واشنطن من استقبال رئيس أرض الصومال فى هذا التوقيت؟ ويمكن الإجابة عن هذه التساؤلات على النحو التالى:
بالنسبة لدوافع حكومة أرض الصومال: تهدف حكومة أرض الصومال للحصول على اعتراف دولى كدولة مستقلة واعتلاء مكانة فى المجتمع الدولى، وهو ما يدفع حكومة أرض الصومال للانخراط فى مُباحثات بشكل فعال مع الإدارة الأمريكية، بهدف نيل الاعتراف الدولى على المستوى السياسى، والوصول إلى المؤسسات المالية الدولية التى تسيطر عليها الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما سينعكس بشكل إيجابى على تحقيق التنمية الاقتصادية، مما يُمكن حكومة أرض الصومال من التمتع بالشرعية السياسية، والاستقرار السياسى والأمنى.
بالنسبة لدوافع الإدارة الأمريكية: يتضح لنا أن هناك عددا من المُحفزات التى دفعت الإدارة الأمريكية للتواصل مع حكومة أرض الصومال، ويمكن توضيحها كما يلى:
استياء الإدارة الأمريكية من أداء الحكومة المركزية الصومالية: تتسم التفاعلات السياسية فى الصومال بحالة من الجمود السياسى فى ضوء تعثر المسار الانتخابى، نظرا للتوتر السياسى بين رأسى السلطة التنفيذية الرئيس الصومالى محمد عبدالله فرماجو ورئيس الحكومة الانتقالية محمد حسين روبلى، وقد انعكس ذلك على تباطؤ المسار الانتخابى. فعلى الرغم من انتهاء عملية انتخاب مجلس الشيوخ، فإن عملية انتخاب مجلس الشعب لا تزال تواجه عراقيل تؤثر على وتيرة استكمال المسار الانتخابى. كما تتسم الأوضاع الأمنية فى الصومال بالتدهور. وفى ضوء ذلك، أعربت الإدارة الأمريكية عن استيائها من أداء الحكومة المركزية الصومالية، واتضح ذلك من خلال إعلان وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن فى التاسع من فبراير 2022، عن فرض عقوبات جديدة على مسئولين صوماليين.
وعلى النقيض من أداء الحكومة المركزية الصومالية، نجد أن حكومة أرض الصومال تُحقق إنجازات على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية، وهو ما يُحفز الإدارة الأمريكية للتعاون مع حكومة أرض الصومال. وهنا يجب توضيح نقطة فى غاية الأهمية، وهى لا يمكن ترجمة استياء الإدارة الأمريكية من أداء حكومة الصومال المركزية، بأنه دافع لمنح حكومة أرض الصومال الاعتراف الدولى، حيث إن الإدارة الأمريكية لديها موقف راسخ يتمثل فى وحدة الصومال، وأنها تتعاون مع حكومة أرض الصومال كما تتعاون مع الحكومة المركزية الصومالية لتحقيق الأهداف المشتركة، وتعتبر مسألة وضع أرض الصومال شأنا داخليا يقرره الشعب الصومالى، فالإدارة الأمريكية تتخوف من أنها إذا دعمت أرض الصومال للحصول على الاعتراف الدولى، سيشجع الحركات الانفصالية فى جميع أنحاء القارة الإفريقية، وهو ما سيؤدى إلى زعزعة الاستقرار فى القارة.
مواجهة النفوذ الصينى: تسعى الإدارة الأمريكية لتعزيز مصالحها فى منطقة القرن الإفريقى ومواجهة النفوذ الصينى المُتصاعد فى المنطقة الذى يرتكز على القيام بمشاريع تنموية، وضخ استثمارات فى قطاع البنية التحتية فى إطار مبادرة «الحزام والطريق». ولذلك ترى الإدارة الأمريكية أن التعاون مع حكومة أرض الصومال سيمكنها من الوصول إلى مطار وميناء بربرة، الذى يطل على خليج عدن، وعلى مضيق باب المندب الذى يربط بين المحيط الهندى وقناة السويس والبحر الأبيض المتوسط، ومن شأن ذلك حماية المصالح الاقتصادية والأمنية الأمريكية فى منطقة القرن الإفريقى.
وفى الختام، يمكن القول إن الولايات المتحدة الأمريكية تعمل على امتلاك أوراق للضغط على الحكومة المركزية الصومالية لتسريع العملية الانتخابية، واستكمال المؤسسات السياسية، وإتمام عملية التحول الديمقراطى فى هذا البلد؛ ولذلك تعمل على الإمساك بخيوط اللعبة من بعيد دون التورط فى المستنقع الصومالى، من خلال أدوات العقوبات الاقتصادية، والتعاون مع حكومة أرض الصومال دون الاعتراف بهذا الإقليم الانفصالى، فهذا الأمر يُشكل خطورة على أمن واستقرار منطقة القرن الإفريقى، كما تعمل الإدارة الأمريكية على توظيف ورقة «أرض الصومال» لمواجهة النفوذ الصينى فى منطقة القرن الإفريقى.
النص الأصلى: هنا