شهر كامل عاشته نقابة الصحفيين، ما بين ندوات وتوزيع جوائز ومناقشات لمستقبل الصحافة، احتفاء بيوبيلها الماسى، قبل أن تجد نفسها فى عين أعتى العواصف، بعد أن باتت ساحة مستباحة تقتحمها الشرطة كلما شاءت، وأصبح أعضاؤها لقمة سائغة، وعناصر مشبوهه يحق لأى فرد من جهاز الأمن توقيفهم، والتعدى عليهم بالسب والضرب إن لزم الأمر.
مساء الأحد الأول من مايو «يوم عيد العمال»، اقتحم ثلة من رجال الأمن مقر نقابة الصحفيين واعتدوا على أفراد أمنها قبل أن يلقوا القبض على الزميلين عمرو بدر رئيس تحرير موقع بوابة يناير، ومحمود السقا المحرر فى الموقع ذاته، واللذين كانا معتصمين داخل النقابة، بدعوى صدور طلب ضبط وإحضار من النيابة لهما بتهمة التحريض على التظاهر ضد التنازل عن ملكية جزيرتى صنافير وتيران للسعودية.
اقتحام النقابة فى ليلة ظلماء تعد الواقعة الأولى فى تاريخ النقابة منذ نشأتها قبل 75 عاما، فقد أبت وزارة الداخلية أن يمر يوم الأحد من دون أن يضاف إلى سجل الأيام الحزينة لنقابة الصحفيين، وبعد أن قطعت الشرطة فى 25 أبريل الطرق ومنعت الصحفيين من الوصول إلى نقابتهم، تزامنا مع اعتقال عدد منهم، وكأن هناك «تار بايت» وجب تسديده، أو ترهيبا وتذكيرا بأن لهذا البلد عصا غليظة يمكنها كسر الأقلام عند الطلب.
تغافلت الداخلية عن طلب الصحفيين قبل بدء فعاليات العيد الماسى للنقابة، رعاية السيد رئيس الجمهورية لتلك الاحتفالات، ونسيت، أو تناست، لا فرق، أن الرعاية الرئاسية لا تعنى حشد البلطجية، و«المواطنين الشرفاء»، الذين جرى جمعهم أمام باب النقابة، وعندما فشل هؤلاء فى اقتحام قدس أقداس صاحبة الجلالة، ومستقر الكلمة الشريفة التى هى أقوى من الرصاص، تولت الشرطة المهمة بنفسها فى يوم آخر.
وصف البعض ما جرى لنقابة الصحفيين يوم 25 أبريل بـ«الاثنين الأسود»، واعتبره الزميل أسامة داود، عضو مجلس النقابة «اعتقالا للنقابة»، لكن ما حدث ليلة الأحد «سقطة» مدوية ستدفع مصر ثمنها، وليس وزارة الداخلية فقط، وسيرى من أعطوا الأوامر باقتحام نقابة الصحفيين أية كارثة ألقوا بها على رأس البلد عندما يتولى الإعلام الدولى الحديث عن هذه الفضيحة التى تورطت الشرطة فى ارتكابها على رءوس الأشهاد.
عاد ضباط الشرطة إلى الجلوس ثانية على الرصيف المقابل للنقابة، فى مشهد يذكرنا بما كان يجرى فى عهد مبارك البائد، وعادت معهم المشاهد البغيضة التى كنا نعتقد أنها ولت لغير رجعة، ثم يسألونك بعد ذلك عن ضرورة إصلاح صورة الشرطة فى عين المواطنيين؟!
هل تعتقد الشرطة، ومن أمرها بالتعامل بمثل هذه الخشونة مع الصحفيين، أن من جرى ترهيبهم ومنعهم من التعبير عن رفضهم للتنازل عن جزيرتى صنافير وتيران للسعودية، يمكن محو الغضب الذى يعتمل فى صدورهم جراء هذا القرار بهذه الطريقة؟!. كسب التأييد لقضية مختلف عليها لن يحدث بالعصا الغليظة، ولن يكون عبر أبواق وحناجر صنعت برعاية أمنية.
فى وقائع منع الصحفيين من الوصول للنقابة فى 25 أبريل، تقدم النقيب الزميل يحيى قلاش ومجلس النقابة ببلاغ إلى النائب العام، ضد من أصدروا الأوامر للتعامل مع الصحفيين على هذا الشكل المهين، لكن فى واقعة اقتحام النقابة وجب الاستنفار الصحفى العام والحشد للجمعية العمومية الطارئة فى مواجهة هذه الهجمة الشرسة.
وإلى كل الزملاء الصحفيين، هذه نقابتكم تداس تحت النعال فدافعوا عنها «كالرجال» قبل أن يأتى اليوم الذى تبكوها «كالنساء».