سقوط القناع الأوروبي - طلعت إسماعيل - بوابة الشروق
الثلاثاء 24 يونيو 2025 12:50 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

ما توقعاتك لمعارك إسرائيل مع إيران؟

سقوط القناع الأوروبي

نشر فى : الإثنين 23 يونيو 2025 - 6:35 م | آخر تحديث : الإثنين 23 يونيو 2025 - 6:35 م

«مطرقة منتصف الليل» التى وجهت المقاتلات الأمريكية إلى المنشآت النووية الإيرانية الثلاث (نطنز، فوردو، وأصفهان)، لم تستهدف فقط تدمير البرنامج النووى الإيرانى، بل أجهزت فى طريقها على ما تبقى من مصداقية الترويكا الأوروبية ــ فرنسا، ألمانيا، وبريطانيا ــ التى تصدت لجهود وساطة مع طهران، فى ظل مهلة الأسبوعين التى منحها ترامب، قبل أن يتضح أنها لم تكن إلا جزءا من خطة خداع لـ«قطف ثمرة» القضاء على الملف النووى الإيرانى وتحجيم نفوذ طهران الإقليمى.

 


قبل الضربة، أظهرت العواصم الأوروبية من طرف اللسان حلاوة. خرجت التصريحات المنمقة عن أهمية «مواصلة المسار الدبلوماسى»، وضرورة «تجنب التصعيد فى الشرق الأوسط»، لكن ما إن وقعت الضربة حتى انكشف الموقف الحقيقى. لم تصدر أية إدانة أوروبية، بل اكتفى بعض القادة بتكرار دعوات فضفاضة للعودة إلى التفاوض، وتأييد واضح للضربة الأمريكية باعتبارها خطوة «ضرورية لضمان تقويض البرنامج النووى الإيرانى».
وهنا يبرز السؤال الجوهرى: هل بقى لدى الأوروبيين أى رصيد للحديث بلسان الوسيط؟ وهل يمكن لإيران أن تثق بعد اليوم فى أية عاصمة غربية؟
قبل الضربة بيوم واحد فقط، أجرى الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون اتصالًا مع نظيره الإيرانى مسعود بزشكيان، وقال إن فرنسا وشركاءها الأوروبيين «سيسرعون وتيرة المفاوضات» لتفادى الانزلاق إلى حرب شاملة. كما عبر عن قلقه من البرنامج النووى الإيرانى، مطالبًا بضمانات تؤكد سلميته.
وفى خضم الأزمة، وعلى طريقة «ينعى ولده ويصلح ساعات» لم يفت ماكرون تجديد دعوته لإيران بإطلاق سراح مواطنين فرنسيين محتجزين منذ مايو 2022 بتهمة التجسس.
لم تمضِ 48 ساعة على اجتماعات جنيف التى ضمت وزراء خارجية الترويكا الأوروبية والاتحاد الأوروبى مع إيران، حتى أعلن ترامب الضربة. فخرج رئيس الوزراء البريطانى كير ستارمر مهلّلًا: «لا يمكن السماح لإيران بتطوير سلاح نووى»، مشيدًا بما قامت به واشنطن، وداعيا، على استحياء، إيران للعودة إلى طاولة المفاوضات.
أما المستشار الألمانى فريدريش ميرتس، المعجب بالمهمات «القذرة» التى تنفذها إسرائيل، فحث طهران على الدخول الفورى فى محادثات مع واشنطن وتل أبيب، فى صيغة بدت أقرب إلى الإنذار منها إلى عرض دبلوماسى. وكررت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، نغمة مماثلة.
لكن السؤال الذى لم يُجب عنه أحد: هل لا تزال لدى طهران ذرة ثقة فى الأوروبيين كوسطاء؟
الجواب جاء على لسان وزير الخارجية الإيرانى عباس عراقجى، الذى قال فى إسطنبول بعد الضربة: «من غير المجدى مطالبة إيران بالعودة إلى الدبلوماسية».
لقد أوصل الأوروبيون بتواطئهم "المعلن والخفى» مع واشنطن طهران لمرحلة التلويح بالانسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، استنادًا إلى المادة العاشرة منها، التى تعطى أى دولة حق الانسحاب إذا رأت أن مصالحها العليا قد تعرضت للخطر بفعل ظروف استثنائية، وهو ما حدث فعلًا، حسب تعبير مسئولين إيرانيين.
لقد فقد الأوروبيون ثقة طهران بعد فشلهم فى حماية الاتفاق النووى الذى وُقّع قبل عشر سنوات وانسحب منه ترامب عام 2018، من دون أن يُقدم الأوروبيون على خطوات حقيقية لإنقاذه. واليوم، بعدما استغلوا ضعف إيران عقب الهجوم الإسرائيلى فى 13 مايو، وسعوا لإجبارها على قبول شروط أمريكية رفضتها طهران خلال خمس جولات تفاوض، يبدو أن كل أوراق الوساطة قد احترقت.
الثقة بين طهران والعواصم الأوروبية انتهت فعليًا، وسقط القناع الأوروبى بعد أن لعبوا دورا مزدوجا، «وكلاء دبلوماسيون» لواشنطن فى العلن، وشركاء فى الخفاء. وكما يقول البعض، فإن الدبلوماسية الأوروبية تقف على حافة الهاوية: «لم تعد أدواتها تصلح لزمن الانفجارات، فهى لا تملك قوة تردع، ولا اقتصادًا يغرى، ولا موقفًا سياسيًا يقنع.. إنها تفاوض بلا أوراق، وتريد التوسط فى صراع لا يسمع فيه غير صوت السلاح».

التعليقات