تجاوز العدوان الإسرائيلى على غزة الـ 600 يوم، لم تعدم خلالها إسرائيل اختلاق المبررات لمواصلة سفك دماء الفلسطينيين، والسعى بكل وسيلة لتنفيذ مخطط تهجير سكان القطاع، و«إلقاؤهم فى البحر» كحلم قديم عبَّر عنه رئيس الوزراء الإسرائيلى الراحل إسحق رابين.
تلا حلم رابين، رغبة جامحة لدى العديد من قادة إسرائيل فى أن يصحوا ذات يوم وقد «ابتلع البحر» سكان غزة الذين يقدر عددهم بنحو 2٫5 مليون نسمة، يشكلون شوكة فى حلق الاحتلال الإسرائيلى بصمودهم فوق ترابهم الوطنى، على الرغم من كل عمليات القتل والتنكيل.
ومنذ بدء العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة فى 7 أكتوبر 2023 وحتى اليوم، تَعْمَد قوات الاحتلال على ارتكاب المجزرة تلو الأخرى حتى بات يستعصى على الذاكرة حصر تلك المجازر التى طالت عشرات الألوف من الفلسطينيين، وخاصة الأطفال والنساء، الذين استشهدوا بقنابل صنعت فى الولايات المتحدة الأمريكية.
فشل رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، حتى الآن، وبعد أكثر من 20 شهرا فى تحقيق أهدافه، لتحرير جميع الأسرى الإسرائيليين لدى حماس، الأحياء منهم والأموات، كما أخفق فى القضاء على الحركة كأحد أهدافه منذ اليوم الأول لبدء العدوان على غزة، وخلال العديد من المراحل سعت الولايات المتحدة لتخفيف الضغوط الداخلية والخارجية على الحكومة الإسرائيلية، فأرسلت الوزراء والمبعوثين، تارة لاستهلاك الوقت، وأخرى لتمرير الأهداف الإسرائيلية.
الآن يمارس المبعوث الأمريكى، ستيف ويتكوف، الألاعيب الأمريكية ذاتها فى إضاعة الوقت، وانتشال نتنياهو من مأزق «الرهائن» لدى حماس، فى ظل الضغوط التى يمارسها أسر هؤلاء المحتجزين، وتصاعد الخلافات الداخلية الإسرائيلية بشأن استمرار الحرب على غزة حتى وسط جنود الاحتلال.
جاء ويتكوف وتنقل فى المنطقة، وقدم اقتراحا للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وتحرير المحتجزين، ووقف المأساة الإنسانية فى غزة، التى تعرى سوأة الحكومة الإسرائيلية، وتكشف عورة الإدارة الأمريكية المنحازة لتل أبيب فى تسهيل مهمة قتل الفلسطينيين جوعا، أو تحت القصف أمام مراكز المساعدات الغذائية التى جلبت واشنطن لتوزيعها شركة من المرتزقة والمجرمين.
آخر الجرائم الإسرائيلية شهدتها منطقة نواصى رفح جنوب قطاع غزة، قبل يومين، فبمجرد إعلان المبعوث الأمريكى ويتكوف، رفضه لرد حماس على مقترحه بشأن وقف إطلاق النار، وتحفظها على بعض البنود، صعَّدت قوات الاحتلال من عدوانها، وقتلت عامدة متعمدة عشرات الفلسطينيين ممن تدفقوا ضمن الآلاف على موقع توزيع المساعدات الأمريكية برصاص وقنابل انطلقت من طائرات مسيرة إسرائيلية، لتفريق الجوعى.
هكذا أعطى المبعوث الأمريكى الإشارة الخضراء لقوات الاحتلال، ليس فقط لقتل الفلسطينيين عند مراكز توزيع المساعدات الإغاثية، وإنما لتكثيف عمليات القصف الجوى والمدفعى على كامل قطاع غزة، لأن «تحفظات» حماس على بعض بنود الاقتراح الأمريكى، لم تعجب السيد ويتكوف، ورأها «غير مقبولة» على الرغم أن البنود المتحفظ عليها تلتقى مع الأجندة الإسرئيلية قلبًا وقالبًا.
وفى إطار مساعى الوساطة التى تبذلها مصر وقطر للتوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار فى غزة، قدمت حماس، وفق ما هو معلن، «تعديلات» على ثلاثة بنود فى المقترح الأمريكى تتعلق حسب تصريحات لمصدر مقرب من الحركة الفلسطينية لصحيفة الشرق الأوسط اللندنية «بتسليم الرهائن، وكيفية تنفيذ البروتوكول الإنسانى، والانسحاب الإسرائيلى من بعض المناطق».
تعديلات حماس الهدف منها ضمان عدم تحقيق الأهداف الإسرائيلية فى الإفراج عن 10 محتجزين أحياء وجثث 18 رهينة، فى الأيام الأولى من هدنة مدتها 60 يوما، بينما تريد حماس الإفراج عن هؤلاء فى توقيتات متباعدة لضمان الوصول، بالتزامات أمريكية، إلى وقف دائم لإطلاق النار، وخروج القوات الإسرائيلية من قطاع غزة وإعادة إعماره.
والسؤال: هل يريد السيد ويتكوف من الفلسطينيين الاستسلام لحبائله، والقفز فى بئره المجهولة بلا قيد أو شرط؟ أليس من حق الفلسطينيين الحصول على ضمانات تمنع الاحتلال من ارتكاب المزيد من الجرائم والمجاز بمجرد تحرير الرهائن؟
وفى الأخير قليل من الإنصاف الأمريكى المفقود كل ما يبحث عنه الفلسطينيون.