صوت 78% من اليهود الأمريكيين عام 2008 لصالح المرشح الديمقراطى باراك أوباما. وتشير توقعات الانتخابات التى تجرى يوم الثلاثاء القادم إلى ارتفاع نسبة تأييد الرئيس أوباما بين أوساطهم لتتعدى 70%. أصوات اليهود الأمريكيين مضمونة للمرشح أوباما اتساقا مع نمط التصويت التاريخى لهم تجاه مرشح الحزب الديمقراطى.
من هنا يصعب فهم إقدام أوباما على الزج بالحكومة الجديدة فى مصر فى قلب المناظرة الرئاسية الثالثة، والتى أجريت قبل عشرة أيام، وتشدده غير المسبوق بوضعه خطا أحمر مباشرا للرئيس المصرى محمد مرسى فيما يتعلق بمستقبل علاقات مصر بواشنطن..
●●●
فقد جاءت كلمات أوباما التحذيرية، والتى قال فيها إن «التزام مصر بمعاهدة السلام مع إسرائيل يعد خطا أحمر للولايات المتحدة، وأن أى اهتزاز لمعاهدة السلام تضع أمن إسرائيل، بل أمن الولايات المتحدة على المحك» لتدشن لنمط جديد من العلاقات بين القاهرة وواشنطن تكون فيه الإدارة الأمريكية أكثر تشددا حيال طبيعة ومستوى العلاقات المصرية الإسرائيلية، ولتقول واشنطن بلغة واضحة إن إسرائيل هى خطها الأحمر.
بعض الخبراء الأمريكيين برروا ما ذكره الرئيس أوباما بأنه جزء من حملة انتخابية، ولم يقصد أى تشدد إضافى تجاه قادة مصر الجدد. إلا أن هذا الطرح يتناقض مع ما ذكره أوباما قبل عدة أسابيع من اعتقاده أن «النظام المصرى الجديد ليس حليفا للولايات المتحدة وليس عدوا لها فى الوقت نفسه»، ليتفق مع توجه أمريكى متزايد يغلب عليه القلق والارتباك من وصول رئيس إسلامى لحكم مصر.
من المتوقع أن تنزعج واشنطن مما تتناقله تقارير إخبارية من عدم عودة مستوى العلاقات المصرية ــ الإسرائيلية إلى سابق عهدها خلال حكم الرئيس مبارك، فحتى الآن لم يتم عقد أى اجتماع بين القيادة الجديدة فى مصر وأى من نظرائهم الإسرائيليين، كما أن وزير الدفاع الجديد عبدالفتاح السيسى يتجنب الرد على مكالمات نظيره الإسرائيلى إيهود باراك، كذلك يستمر الرئيس مرسى فى تجنب ذكر «إسرائيل» فى كل خطاباته. ويضاف لذلك وصف مؤسسة الرئاسة أن خطاب الرئيس مرسى للرئيس الإسرائيلى شيمون بيريز، والذى كان شديد اللطف ووديا للغاية، يعد خطأ ولن يتكرر.
●●●
ورغم ذلك يوحى اختيار التصعيد من جانب واشنطن بوضعها خطوط حمراء لعلاقات القاهرة مع إسرائيل فى موسم الانتخابات الأمريكية أن هناك تفكيرا فى اتخاذ خطوات هامة فى هذا الصدد من قبل إدارة أوباما بعد انتهاء الانتخابات وفوزه بها.
عدم اقرار الرئيس مرسى بأهمية العلاقات المصرية ــ الإسرائيلية قولا وفعلا حتى الآن يزعج واشنطن، وعلى الرغم من استمرار التعامل مع ملفات السياسة الخارجية على ما كانت عليه إبان عصر الرئيس مبارك، إلا أن العلاقات مع إسرائيل هو تمثل استثناء. لذا لم يكن مستغربا خلال أيام ثورة 25 يناير أن توالت مكالمات هاتفية من إسرائيل لواشنطن طالبة من الرئيس الأمريكى الوقوف بجانب حاكم مصر، وذكر بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلى لأحد مستشارى أوباما «لا أعتقد أن الرئيس أوباما يعرف ما ينتظره»، وتأكيد نتنياهو لأوباما على «ضرورة الوقوف مع مبارك مهما حدث».
إلا أن هذا كله لا يبرر غياب وجود تصور واضح لما تريده مصر وقيادتها الجديدة سواء من علاقاتها بالولايات المتحدة، أو إسرائيل. حالة الغموض المحيطة بطريقة إدارة أحد أهم ملفات السياسة الخارجية المصرية لا يجب أن يستمر، وتعد الانتخابات الأمريكية ذاتها مناسبة هامة تستدعى أن يتحدث الرئيس مرسى بصورة مباشرة واضحة، بعد تهنئته الرئيس الجديد، عن أفق العلاقات مع الولايات المتحدة، ومع إسرائيل، والتركيز للمرة الاولى على مفهوم «المصالح المصرية» وكيفية تحقيقها، والمصالح المشتركة إن وجدت.
أشارت القيادة السياسية المصرية كثيرا إلى ضرورة عودة الدور الريادى المصرى فيما يتعلق بقضايا الشرق الأوسط، خاصة بعدما نال هذا الدور الكثير من التقصير والاهمال خلال سنوات النظام السابق.. وإذا أراد قادة مصر الجدد أن يكون لهم دور حقيقى وفعال فى سياسات المنطقة، عليهم الخروج من حالة الغموض غير المبررة تجاه مواقفهم من الولايات المتحدة، ومن إسرائيل.
وجدير بالذكر أن القلق الأمريكى لا يقتصرعلى الديمقراطيين، فقد خص ميت رومنى فى خطابه عن السياسة الخارجية مصر بقوله «سأستغل نفوذى، بما فى ذلك وضع شروط واضحة على معونتنا، لحث الحكومة المصرية الجديدة على أن تمثل كل المصريين ولكى تعمل من أجل بناء مؤسسات ديمقراطية.. يتعين علينا أيضا إقناع أصدقائنا وحلفائنا بوضع شروط مماثلة على معوناتهم».
●●●
رومنى وأوباما يدركان أن علاقات مصر مع إسرائيل، تحت حكم رئيس إسلامى، أصبحت مختلفة عما عهدته خلال السنوات الثلاثين الماضية. ويجب أن يطرح هذا كله عدة تساؤلات حول ضرورة تغيير نمط علاقة الدولة المصرية وأجهزتها المختلفة بالولايات المتحدة نفسها. ويجب أن يبدأ هذا التغيير بتحديد واضح لأهدافنا من العلاقة مع أمريكا سواء كانت علاقات عادية، أو حتى علاقات خاصة آخذين فى الحسبان البعد الإسرائيلى.
إسرائيل نجحت ومنذ البداية فى جعل علاقات القاهرة وواشنطن مرتبطة بها، وأصبحت علاقات القاهرة مع إسرائيل فى جانب كبير منها ترمومترا لعلاقاتها مع واشنطن. وضيعت القيادة المصرية السابقة فرصا عديدة لتغيير هذا النمط الثلاثى للعلاقات. وتمثل معضلة «الخط الأحمر» لعلاقات القاهرة بواشنطن فرصة، إن أحسن استغلالها، للتخلص من عبء إسرائيل على هذه العلاقات. ويرى كثيرون أن الرئيس مرسى سيغير بوصلة مصر الخارجية، وأنه يخطط لإعادة تحديد أولويات الأمن القومى المصرى بما يخدم مصالح الشعب المصرى حتى لو عبر أى خطوط حمراء يضعها له زعماء اعتادوا التعامل السهل مع ديكتاتوريات سقطت.
فهل سيكون الرئيس المصرى الجديد قادرا على وضع خطوط واضحة لسياسات خارجية جديدة يؤمن بها، أم سيختار أن يلتزم بما ورثه من خطوط حمراء وضعتها قوى خارجية والتزم بها نظام ديكتاتورى ثارت عليه جموع الشعب المصرى وأسقطته.