قانون المساءلة الطبية.. والمعركة الوهمية! - ليلى إبراهيم شلبي - بوابة الشروق
الأحد 5 يناير 2025 11:20 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قانون المساءلة الطبية.. والمعركة الوهمية!

نشر فى : الجمعة 3 يناير 2025 - 7:25 م | آخر تحديث : الجمعة 3 يناير 2025 - 7:25 م

تمهلت فى الكتابة عن قانون المساءلة الطبية حتى تكتمل لى الصورة وتتضح الرؤية ولأننى أدركت من البداية أن المعركة القائمة الآن إنما هى معركة وهمية فالحق فيها ساطع لا لبس فيه والثوابت يحددها العلم ويتولى القانون تنفيذ أحكامها فى كل بلاد العالم على حد سواء وإن اختلف الأداء لاختلاف الثقافات أو كفاءة الخدمات والمتاح من الميزانيات فإن الجوهر يظل على حاله: تقديم الخدمة الطبية للمريض فى أكمل صورة اعتمادا على العلم المتاح فى التشخيص والعلاج والمتابعة واجتهاد الطبيب أو الجراح المؤهل لاتخاذ القرارات. رغم ذلك فإن الممارسة الطبية إن تمت على الوجه الأكمل فإنها لا تضمن الشفاء الكامل فى كل الحالات.

لا يكتمل أى من كتب الطب الموسوعية، والذى يضم بين دفتيه أغلى ما يحصل عليه طالب الطب المجتهد من معارف علمية وطبية تتعلق بالأمراض والتشخيص وطرق العلاج المختلفة بل وتاريخ وتطور المعرفة الطبية، إلا بفصل مستقل أخير يتحدث عن مضاعفات العلاجات المختلفة المحتملة سواء كان العلاج طبيا يتم بتناول الأدوية أو جراحيا يتطلب التدخل الجراحى.

يحمل هذا الفصل البالغ الأهمية عنوانا واضحا (Iatrogenic  diseases) يشرح بدقة كيف أن هناك مرضا قد ينشأ دون تدخل الطبيب لظروف خاصة بالمريض نفسه منها أنواع الحساسية المختلفة للأدوية على سبيل المثال عند العلاج باستخدام الأدوية. هناك أيضا شرح تفصيلى لأحداث قد تحدث أثناء التشخيص استخدام صبغات معينة لاستجلاء وظائف الأعضاء كشرايين القلب والكلى. تشير أيضا تلك الصفحات لأخطاء قد تحدث نتيجة لوجود عيوب خلقية لم يضمها التقرير المبدئى للمريض. فهل يحاسب الطبيب فى تلك الأحوال جنائيا ويتم التحفظ عليه فى الحبس الاحتياطى حتى تثبت براءته أو إدانته؟

لا أعتقد إلا أن هناك ردا واحدا لا يختلف عليه اثنان من العقلاء فهل أخطأت؟

فى المقابل هناك الاحتمال الآخر الذى قد يعكس إهمالا حقيقيا من الطبيب كأن يقرر تشخيصا أو يجرى جراحة وهو تحت تأثير عقار أو مادة مخدرة ورغم أنه احتمال نادر إلا أن المناقشة الموضوعية التى يجب أن تضم كل الاحتمالات تجعلنا نذهب إلى أبعد الحدود كتلك التى ذكرها وزير الصحة فى حديثه التليفزيونى: الطبيب المبتدئ محدود الخبرة الذى يتصدى لإجراء جراحة دقيقة دون سابق إعداد أو استعداد وذلك فى الواقع احتمال صعب تخيله فى مركز طبى تعليمى تحت إشراف علمى وإدارى منضبط. لكن مع تطور وسائل الطب الحديث وعلى سبيل المثال فإن طبيبًا على درجة نائب وهو أولى درجات السلم يمكنه بالطبع بعد مرات من مساعدة استشارى أمراض القلب فى إجراء قسطرة قلبية تشخيصية أو علاجية أن يسمح له رئيسه بإجراء القسطرة بمفرده وربما يقف هو إلى جواره يرشده. الأمور الطبيعية واضحة لا لبس فيها وتولى أجيال تعليم وتدريب أجيال أخرى أمر يتم فى مصر بصورة بالفعل تستدعى كل احترام وتقدير.

لا أنفى على الإطلاق أن هناك ممارسات يجب أن تخضع للصفة الجنائية هنا يجب أن تتم دراسة الأمر بمهنية عالية ملزمة وأعتقد أن هذا هو الدور المنتظر للجنة الطبية.. لكن هناك أيضا ممارسات طبية تتم فى ظروف مستحيلة كنقص المستلزمات الطبية أو غياب شروط التعقيم أو الإمكانات الضعيفة لبنك الدم أو انحسار الكفاءة المطلوبة لفرق التمريض والمساعدين.. وغيرها من الملابسات التى تتعدد من مركز طبى لآخر وأهمها فى نظرى غياب خطط واضحة لتدريب الأطباء والارتقاء بأدائهم الذى يجب أن يواكب التطور الهائل فى الخدمة الطبية فى العالم: طبيب القلب الآن أصبح مؤهلاً لإجراء تدخل بالقسطرة لتركيب الصمام الأورطى واستبداله متخطيا عقبات وتداعيات جراحات القلب المفتوح واستخدام ماكينة القلب الصناعى.

يجب إعادة النظر فى مشروع القانون قبل أن يصدر قانون ننتظره جميعا أطباء ومرضى، ونحن فى جانب واحد على أرض وطن واحد. ومن المؤشرات الطيبة الإعلان فى الأسبوع الماضى عن التوافق على حذف المادة 29 من مشروع قانون المسئولية الطبية، والخاصة بجواز حبس مقدم الخدمة الطبية احتياطيا فى الجرائم التى تقع منه أثناء تقديم الخدمة الطبية أو بسببها، فى ضوء أن هذه المادة محل اعتراض من عدد من النقابات المهنية ولاسيما نقابة الأطباء.

لا أؤمن على الإطلاق بأن رسالة الطب التى تستند إلى أعلى مراتب الإنسانية والتى تدعو الطبيب إلى السعى والاجتهاد قد تودى به إلى الحبس حتى لو جاء احتياطيا.

زملاء مهنتى الأعزاء.. أعرضوا عن المعارك الوهمية.. واحرصوا على أن  تصل كلمتكم رصنية هادئة علمية.. واذكروا الماضى القريب أيام محنة الكورونا.. كيف كان الإنسان المصرى يحبكم بصدق وحرارة.. ارفعوا الرأس وامضوا فى طريقكم.

التعليقات